حين تستنجد برئيس الجمهورية لمجرد الحصول علي الحق في علاج مجاني أو شقة في مساكن الإيواء أو إصلاح ماسورة مياه انفجرت، أو إصلاح عطل تافه في جهاز تليفزيون منزلي... فذلك دليل فاضح علي عجز النظام وترديه. في عام 2005، قبيل الانتخابات الرئاسية، احتدم الجدل حول الإصلاح الدستوري، وكثر الحديث عن إلغاء قوانين الطوارئ وفتح السبيل لاختيار رئيس جمهورية من بين عدة مرشحين، وانتعشت الآمال في الديمقراطية، حتي تصور البعض أنه يمكن أن يشهد رئيسا يغادر القصر الجمهوري حيا ليحل محله رئيس آخر. وقتها لم أكترث بمثل هذا الجدل، حتي اتهمني الأصدقاء بالوقوع في براثن اليأس والإحباط، لكنني في الحقيقة كنت منشغلا بإصلاح أهم من إصلاح الدستور أو القوانين. كنت أعاني عطلاً في التليفزيون، عطلا طفيفا لا يتكلف في إصلاحه سوي بضعة جنيهات، ولا يحتاج أكثر من دقائق من وقت عامل الصيانة...لكنني قضيت في هذا الإصلاح بضعة أشهر ودفعت بضع مئات من الجنيهات، ولم يتم إصلاح التليفزيون إلا بعد الاستنجاد برئيس الجمهورية. في البداية اتصلت بإحدي شركات إصلاح التليفزيون، وجاءوا علي وجه السرعة وأخذوه، واتصلوا بي تليفونيا ليبلغوني أنه قد تم الإصلاح والفاتورة 500 جنيه، ولم يكن أمامي سوي الإذعان، فدفعت صاغرا، ولكن بعد أسبوع واحد، تعطل مرة أخري، نفس العطل التافه، جاءوا مرة أخري وأخذوه، ودفعت صاغرا 50 جنيها أخري. وأعادوا التليفزيون. وبعد ساعات تعطل للمرة الثالثة، ولم تستجب الشركة لتوسلاتي بإصلاحه، ولما ضاقت بي السبل، أرسلت شكواي لبريد القراء في الأهرام والأخبار، وكتبت مقالا في جريدة الأهالي عن تجربتي المريرة مع الإصلاح (إصلاح التليفزيون). ولكن يبدو أن الرأي العام كان منشغلا بإصلاح الدستور، فلم تجد شكواي أُذنا صاغية، وتجاهلتني الشركة التي حصلت علي ما يقرب من نصف ثمن التليفزيون ولم تصلحه... وقتها، كانت الحملات الدعائية للانتخابات الرئاسية قد بدأت، وكان للرئيس مبارك موقع علي الإنترنت للدعاية الانتخابية، وتلقي شكاوي المواطنين... فوجدتها فرصة لإرسال شكواي، أملا في أن يتم الإصلاح (إصلاح التليفزيون)، ورغم معارضة أسرتي لإرسال هذا الإيميل لموقع الرئيس، بزعم أن هذه مخاطرة، قد تدفعهم لإصلاحي وليس إصلاح التليفزيون.. أرسلت الإيميل.. وبعد بضع ساعات جاءني اتصال تليفوني من الشركة تستأذن في إرسال مهندس لإصلاح التليفزيون، وعلي الفور جاء المهندس، وهذه المرة لم يأخذوه، بل أصلحه في المنزل، ولم يستغرق الأمر أكثر من ثلاث دقائق، ولم يطلب أي مقابل، ولم يعد التليفزيون يتعطل حتي الآن. وبعد حوالي خمس سنوات أشكر رئيس الجمهورية علي تحقيق أمنيتي في إصلاح التليفزيون. ولكن أن يشقي مواطن من أجل تليفزيون، فيلجأ للصحف، ويرفع شكواه لرئيس الجمهورية.... هذا درب من الجنون والخيال، أن تستنجد برئيس الجمهورية لإصلاح تليفزيون، ولولا ذلك لكنت فريسة لابتزاز الشركة، أو إلقاء التليفزيون في الشارع، هذا يعني خلل في النظام بلغ حدا غير معقول. أن يستنجد المواطن برئيس الجمهورية لتسيير حياته اليومية، علي حقه في العلاج أو السكن أو مجرد إصلاح التليفزيون، أمر يدعو للخجل، لكن الأهم أنه يكشف عن مدي العجز والتردي الذي بلغه النظام ومدي القسوة والمتاعب التي نعانيها في تسيير حياتنا اليومية. ويؤكد أننا لم نعد في حاجة إلي مجرد إصلاح حتي ولو كان إصلاحًا دستوريًا... بل هناك ضرورة لتغيير شامل، حيث لا أمل في مجرد الإصلاح ولا حتي «الصيانة».