في بعض الأيام.. يحدث للبني آدم منا أن يستيقظ مغشلقاً.. متأملاً في معجزة صحيانه من النوم.. متفكراً في وقائع هذا الصحيان.. متسائلاً عن الفارق بين إمبارح والنهارده.. ناظراً إلي ورقة النتيجة ليعرف الرقم الكودي لليوم الجديد.. متردداً بخصوص هل يبدأ يومه الجديد الآن.. ولاَّ ينام كمان شوية.. ولأن الوصول إلي اليقين صعب المنال.. لذلك قد يفكر في أن فنجان قهوة قد يكون قادراً علي فك شفرة الغشلقة الصباحية.. وإدخاله في مود اليوم الجديد بشكل أسرع.. وهكذا.. يتجه البني آدم منَّا رأساً إلي المطبخ.. بعد أن يخبط في باب الغرفة الموارب.. ويتكعبل في الكليم اللي في الصالة.. ويشوط الشفشق البلاستيك علي أرضية المطبخ.. هذا قبل أن يتوقف أمام البوتاجاز.. ويتلسع من الكبريت الذي يشعله وهو لا يزال مغشلقاً.. عندها.. يكتشف البني آدم منا أن كل تلك الأشياء التي خبط فيها واتكعبل بسببها وشاطها.. ما هي إلا عوامل مساعدة علي جعله يتخلص من حالة غشلقة مابعد الصحيان من نوم متقطع ومتوتر.. عندها.. يعلم البني آدم منا أنه مدعو إلي استكمال الحياة! يتوقف البني آدم منا أمام البوتاجاز.. يقلب البن في كنكة القهوة.. يتابع تصاعد دوائر وحلقات الدخان من السيجارة المتدلية من فمه.. والمتزامنة مع فوران البن البطئ والتدريجي في الكنكة.. هذا الفوران الذي يشبه كثيراً الحالة التي أصبح عليها جهازه العصبي في الفترة الأخيرة (دا اللي هو البني آدم منا).. وكما ينبغي علي البني آدم منا أن يتابع فوران جهازه العصبي حتي لا ينفجر.. ينبغي عليه أن يتابع تصاعد وش القهوة في الكنكة حتي لا تفور.. ينبغي عليه أن يطفئ البوتاجاز في اللحظة المناسبة.. تماماً كما ينبغي عليه أن ينسي عذاباته وآلامه في اللحظة المناسبة.. حتي يستطيع مواصلة الحياة.. ما سيحدث بعدها من أن البني آدم منا بعد أن يفرغ محتويات الكنكة في الفنجان ويستدير للخروج من المطبخ سوف يخبط في الحيطة ما هو إلا مجرد دعوة أخري مجانية للخروج من غشلقة ما بعد الصحيان من نوم متقطع ومتوتر.. عندها.. يعلم البني آدم منا أنه مدعو إلي استكمال الحياة! أثناء ارتشاف القهوة واستطعام حبيبات البن في فمك.. سوف يبدأ الموبايل في الرنين.. وسوف ترد علي ناس كثيرين.. أحياناً بقمة الهدوء.. وأحياناً أخري بقمة الانفعال.. بعدها سوف يبدأ الباب في الخبط.. وسوف تفتح لناس كثيرين.. أحياناً بتاع الغاز أو المية.. وأحياناً أخري فاتورة التليفون.. وأحياناً أخري بتاع الكهربا.. بعدها.. وأثناء وقوفك تحت شلال الماء الساخن المندفع من فتحات الدش.. سوف تكتشف أن كل تلك الاتصالات والفواتير ما هي إلا مجرد مجموعة دعوات أخري «مدفوعة الأجر» للخروج من غشلقة ما بعد الصحيان من نوم متقطع ومتوتر.. عندها.. يعلم البني آدم منا أنه مدعو إلي استكمال الحياة! يخرج البني آدم منا إلي الشارع.. يذهب إلي أماكن.. يقابل ناس.. يدخل في حوارات.. يعود مرة أخري إلي المنزل.. يتابع عقربي الساعة في طريقهما إلي احتضان بعضهما البعض عند الرقم 12 بعد منتصف الليل.. يقطع البني آدم منا ورقة النتيجة لمعرفة الرقم الكودي لليوم الجديد.. يضطجع علي السرير.. وينام! ينام البني آدم منا وهو يتصور أنه يعيش علي ظهر كوكب الأرض.. بينما هو في الحقيقة يحمل كوكب الأرض علي ظهره.. يتصور أنه جزء من تلك الحياة.. بينما الحياة في الحقيقة هي اللي جزء منه.. يتصور أنه يلتهم الوقت.. بينما الوقت في الحقيقة هو اللي عمال يلتهمه.. يتصور أنه يتابع دوران عقارب الساعة حول نفسها.. بينما عقارب الساعة في الحقيقة هي التي تتابع دورانه حول نفسه.. ينام البني آدم منا ليستيقظ مرة أخري مغشلقاً.. متأملاً في معجزة صحيانه من النوم.. يدوس زر الراديو.. ينطلق من السماعات صوت «شادية» مُحمَّلاً ببهجة الصبح بدري.. «قولوا لعين الشمس ماتحماشي.. لحسن حبيب القلب صابح ماشي».. يبتسم البني آدم منا وهو يدفع شيش البلكونة للأمام بكلتا يديه.. تاركاً الغرفة للغرق في أمواج الشمس المتمازجة مع إشعاع صوت شادية.. ينظر للسماء.. يشكرها علي منحه تلك الدعوة للخروج من غشلقة ما بعد الصحيان من نوم متقطع ومتوتر.. وعندها.. يعلم البني آدم مِنَّا أنه مدعو.. إلي استكمال الحياة!