في 2010/4/18 م. عقدت في مكتبة القاهرة الكبري ندوة لتكريم الدكتور عاطف العراقي، تحت عنوان «عاطف العراقي مفكرًا تنويريًا»، قدم للندوة الأستاذ محمد حمدي، وأدارها د. ياسر مصطفي، وتحدث فيها د. مجدي الجزيري، وكاتب هذه السطور. ولنبدأ بقصة قديمة ترجع لربع قرن مضي، حين تحدثت مع أستاذنا العظيم نجيب محفوظ عن رغبتي في إعداد رسالة للماجستير في التصوف الإسلامي تحت إشراف أستاذي د. أبو الوفا التفتازاني، شيخ مشايخ الطرق الصوفية، فنبهني إلي أن إشراف د. العراقي تلميذ ابن رشد، وصاحب الاتجاه العقلي، سيكون أفضل لي وللرسالة العلمية، فاختلاف الاتجاه الفلسفي بين الباحث من جهة، والمشرف من جهة أخري، يثري موضوع البحث، ويغني فكر الباحث بمناقشة الأدلة والحجج والبراهين لدي كل مذهب فلسفي. فكما أنعم المولي سبحانه علي بصحبة نجيب محفوظ، والتعلم من أدبه وفكره وشخصيته، كذلك تعلمت الكثير من أستاذي عاطف العراقي، الذي كرس حياته كلها للفلسفة وطلابها، إذ يهب لمحبي الحكمة علمه ووقته وجهده، ويفتح لهم بيته ومكتبته الزاخرة بأمهات كتب الفلسفة بمختلف فروعها. ولا يوجد بين أساتذة الجامعات من أشرف مثله علي هذا العدد الضخم من رسائل الماجستير والدكتوراه، والأمر لا يتعلق بالكم وحده، فالدكتور العراقي أستاذ حقيقي يعلم طلابه أصول البحث العلمي ومناهجه، ويمنحهم كامل حريتهم الأكاديمية في تقديم جهدهم النقدي، وعرض أفكارهم الخاصة. وكذلك لا يوجد أستاذ جامعي أخلص لأساتذته كالدكتور العراقي، فقد أشرف علي أهم الكتب التذكارية التي صدرت عن أعلام الفلسفة العربية، كابن رشد، ومحمد عبده، ومصطفي عبد الرازق، ويوسف كرم، وزكي نجيب محمود، وتوفيق الطويل، وأبو الوفا التفتازاني، وها هو يعد حاليًا كتابًا تذكاريًا عن فؤاد زكريا. أما الإنتاج العلمي للدكتور العراقي، فلا يمكن حصره في هذه السطور، إذ قدم للمكتبة العربية - علي مدي أكثر من نصف قرن - مجموعة كبيرة من الدراسات الفلسفية القيمة عن الكندي، والفارابي، وابن سينا، وابن طفيل، وابن رشد، ومحمد عبده، ومحمد إقبال، وغيرهم من الفلاسفة والمفكرين. ولم يكتف مفكرنا الكبير بدوره الأكاديمي الرائع، بل شارك بفكره النقدي التنويري مناقشة قضايا وطنه، وساهم بفاعلية في إثراء حياتنا الثقافية، وبدلا من منحه جائزة مبارك، أو جائزة الدولة التقديرية، تم استدعاؤه - كأول أستاذ فلسفة في مصر - للوقوف أمام محكمة الجنايات بسبب آرائه الفكرية!