قرار العفو استثنى القتل العمد ولم يستثن جرائم التخابر والرشوة من الدول الأجنبية وإتلاف أملاك الدولة وزعزعة الإخلاص للقوات المسلحة وهذا الإطار الواسع جدا للعفو الشامل، بنى على قرار جمهورى بقانون، وهو قانون افتقر إلى الشرعية، لأن الرئيس الذى أصدره لا يملك سلطة التشريع، والإعلان المتكأ عليه مهما وصفه صاحبه بأنه دستورى، فإنه معدوم، لأن من أصدره لا يملك سلطة إصداره، ولا سند ولا ملاذ له فى شرعية ثورية، فقد وُلى منصبه بانتخابات أجريت وفق الشرعية العادية، ومن ثم فإن القرار بقانون العفو الشامل باطل حتى النخاع بكل ما بنى عليه، ومن اللافت المحير هذه المعاجلة إلى إصداره وبلا مبرر ظاهر قبيل تشكيل البرلمان الجديد، مع أن الرئيس صرح بأنه لن يستخدم إلا فى أضيق الحدود سلطة التشريع التى منحها لنفسه بقراره (الباطل المعدوم) بتاريخ 11 أغسطس 2012، وزاد الطين بلة أن هذا الإطار واسع جدا للعفو، يعنى أن يعم العفو -مع قيام الشرط- كل الجرائم التى احتوتها المدونة العقابية فيما عدا القتل العمد. ومن ثم فيضم جرائم التخابر مع الدول الأجنبية «م 77 (ب) عقوبات»، والتخابر والسعى لدى أحد من العاملين لمصلحتها ومعاونتها «م 77 (ج) عقوبات»، وجرائم إتلاف أو إخفاء أو اختلاس أو تزوير الأوراق والوثائق المتعلقة بأمن الدولة أو أى مصلحة قومية أخرى «م 77/2 (د) عقوبات»، وجرائم جمع الجند أو القيام بأعمال عدائية ضد دولة أجنبية -كسوريا مثلا- «م 77 (و) عقوبات»، وجرائم طلب وقبول الرشوة من دولة أجنبية «م / 78 عقوبات»، والجرائم التى تؤدى إلى زعزعة الإخلاص للقوات المصرية المسلحة أو إضعاف روح الشعب أو قوة المقاومة عنده «م 78 (أ) عقوبات»، وجرائم إتلاف أو تعييب أو تعطيل أسلحة أو سفن أو طائرات أو مهمات أو منشآت أو وسائل مواصلات أو مرافق عامة أو ذخائر أو مؤن أو أدوية أو غير ذلك مما أعد أو يستعمل للدفاع عن البلاد «م 78 (ه) عقوبات»، وجرائم تصدير بضائع أو منتجات أو غير ذلك من مصر إلى بلدٍ معادٍ (؟!) أو باستيراد شىء من ذلك «م 79 عقوبات»، وجريمة من يسلم لدولة أجنبية أو لأحد عمالها أو يفشى إليها أو إليه سرا من أسرار الدفاع عن البلاد «م 80 عقوبات»، وجريمة كل من أذاع بأى طريقة سرا من هذه الأسرار أو نظم أو استعمل أى وسيلة من وسائل التراسل بقصد الحصول على سر من أسرار الدفاع عن البلاد أو تسليمه أو إذاعته «م 80 (أ) عقوبات»، وجريمة الموظف العام أو صاحب الصفة النيابية العامة أو المكلف بخدمة عامة إذا أفشى سرا من أسرار الدفاع عن البلاد «م 80 (ب) عقوبات»، وجريمة من أذاع فى زمن الحرب أخبارا أو بياناتٍ أو إشاعاتٍ كاذبة أو مغرضة أو عمد إلى دعاية مثيرة «م 80 (ج) عقوبات»، وجرائم إذاعة شىء من ذلك فى غير زمن الحرب «م 80 (د) عقوبات»، ومجموعة الجرائم الضارة بأمن البلاد من جهة الداخل المبينة بفقرات المادة 80 (ه) عقوبات، وجريمة من يسلم لدولة أجنبية أو أحد العاملين لمصلحتها أخبارا أو معلومات أو أشياء أو مكاتبات أو وثائق أو خرائط أو رسوما أو صورا أو غير ذلك يكون خاصا بالمصالح الحكومية والهيئات العامة أو المؤسسات ذات النفع العام، إذا كان قد صدر أمر بحظر نشره أو إذاعته «م80 (و) عقوبات» وجرائم الإخلال العمدى بكل أو بعض الالتزامات التى يفرضها عقد توريد أو أشغال مع الحكومة لحاجات القوات المسلحة أو لوقاية المدنيين أو تموينهم، أو الغش فى تنفيذ هذه العقود «م81 عقوبات»، وجريمة إعانة الجانى فى هذه الجرائم أو إخفاء ما استعمل أو كان معدا للاستعمال فيها، أو إتلاف أو اختلاس أو إخفاء ما من شأنه تسهيل كشف الجريمة ومعاقبة مرتكبيها «م 82 عقوبات»، وجريمة الاشتراك فى اتفاق جنائى الغرض منه ارتكاب الجرائم من 77 - 80 عقوبات «م 82 (أ) عقوبات»، وجريمة الاشتراك فى هذا الاتفاق الجنائى سواء كان الغرض منه ارتكاب الجرائم المشار إليها فى المادة السابقة أو اتخاذها وسيلة للوصول إلى الغرض المقصود منه «م 82 (ب) عقوبات»، كما يمتد هذا العفو إلى الجنايات والجنح المضرة بالحكومة من جهة الداخل الواردة بالباب الثانى من الكتاب الأول من قانون العقوبات «المواد 86، 86 مكررا، 86 مكرر (أ)، 86 مكررا (ب)، 86 مكرر (ج-)، 86 مكرر (د)، 87، 88، 88 مكررا، 88 مكرر (أ)، 88 مكرر (ب)، 88 مكررا (ج-)، 88 مكررا (د)، 88 مكرر (ه) من قانون العقوبات»، ويشمل فى ما يشمل من هذا الباب جناية تأليف عصابة لمهاجمة طائفة من السكان أو مقاومة السلطات العامة بالسلاح أو تولى زعامة مثل هذه العصابات أو الانضمام إليها «م 89 عقوبات»، ويشمل هذا العفو جرائم التخريب والإتلاف العمدى للأملاك العامة والخاصة وللمرافق العامة والمصالح الحكومية والمؤسسات والجمعيات ذات النفع العام المؤثمة بالمادتين 89 مكررا، 90 عقوبات، وجرائم الاحتلال بالقوة أو محاولة الاحتلال بالقوة للمبانى العامة أو المخصصة للمصالح الحكومية أو المرافق العامة أو المؤسسات ذات النفع العام «م90 مكررا عقوبات»، وجريمة تولى -لغرض إجرامى- قيادة فرقة أو قسم من الجيش أو الأسطول..... إلخ. بغير تكليف من الحكومة وبغير سبب مشروع «م 91 عقوبات»، وجرائم تعطيل أوامر الحكومة أو تعطيل تنفيذها «م 92 عقوبات»، وجريمة من يتقلد رئاسة عصابة حاملة للسلاح أو يتولى قيادة فيها بقصد اغتصاب أو نهب الأراضى أو الأموال المملوكة للحكومة أو لجماعة من الناس أو مقاومة القوة العسكرية المكلفة بمطاردة مرتكبى هذه الجنايات «م 93 عقوبات»، وباقى جرائم أمن الدولة المعاقب عليها بالمواد 94، 95، 96، 97، 98 (أ)، 98 (أ) مكررا، 98 (ب)، 98 (ب) مكررا، 98 (ج-)، 98 (د)، 98 (ه)، 98 (و)، 99، 100، 101، 102، 102 مكررا من قانون العقوبات الواردة بالقسم الثانى من الباب الثانى من الكتاب الثانى من قانون العقوبات.. ويسرى هذا العفو الشامل الذى أحدثك عنه، على جنايات وجنح هتك العرض وإفساد الأخلاق بالباب الرابع من الكتاب الثانى من قانون العقوبات، وعلى جرائم الضرب المفضى إلى الموت والضرب المفضى إلى عاهة مستديمة، والحريق العمد، وهتك العرض وإفساد الأخلاق، والقبض على الناس وحبسهم بغير حق وسرقة الأطفال وخطف البنات، والسرقة والاغتصاب والتهديد والابتزاز، والتخريب والتعييب والإتلاف، وانتهاك حرمة ملك الغير، والترويع والتخويف والبلطجة، المؤثمة بمواد أبواب الكتاب الثالث من قانون العقوبات.
فما هو ضابط سريان العفو الشامل على أى جريمة من هذه الجرائم الواسعة البالغة الخطر على أمن البلاد والعباد؟!
لم يقل القرار «الباطل» بقانون سوى أن تكون هذه الجرائم «لمناصرة الثورة».
ولا يسعك إلا أن تقف حائرا مدهوشا، عند هذا الضابط الهمايونى الفضفاض، وكيف يمكن أن تكون هذه الجرائم التى تشمل كل جرائم المدونة العقابية -عدا القتل العمد- بما فيها التخابر وتجارة السلاح والمفرقعات وسرقة السلاح والذخائر والحرق والنسف والتدمير وإحداث العاهات المستديمة والضرب المفضى إلى الموت والاغتصاب وهتك الأعراض -كيف يمكن أن تكون هذه الجرائم قد ارتكبت لمناصرة الثورة؟ ولم يتفضل القرار «الباطل» بقانون العفو الشامل الذى لا يعرف أحد سر هذه المعاجلة إليه قبل تشكيل البرلمان، لم يتفضل ببيان معيار «مناصرة الثورة» حتى نستطيع أن نهتدى إلى ما يدخل وما لا يدخل فى مناصرة الثورة.
التذرع بمناصرة الثورة، أو التساند إليها، تذرع بمجهول وتساند إلى مجهول، لا ضابط له ولا رابط.. فمناصرة الثورة على إطلاقها باب واسع فضفاض وخطير، يفتح الباب على مصراعيه للمجرمين العتاة ولكل أصحاب المصالح إلى الولوج منه للعفو عن جرائم غاية فى الخطورة بزعم أنها قد ارتكبت لمناصرة الثورة.. فما أسهل الادعاءات والاعتسافات ما دام لا يوجد ضابط حاكم، وما أسهل أن تُنْسب جرائم فى منتهى البشاعة والجسامة والخطورة إلى مناصرة الثورة.. فرب زاعم يزعم أن ما وقع أحيانا من هتك عرض فى ميدان التحرير، كان لمناصرة الثورة، وأنه لم يكن عنه غناء لهذه المناصرة. ورب قائل يقول إن مداهمة أقسام ومراكز الشرطة والاعتداء على العاملين فيها الذى وصل إلى حد الضرب المفضى إلى الموت أو العاهة المستديمة، كان لمناصرة الثورة، وأن سرقة السلاح والذخائر من الأقسام ومراكز الشرطة كان لمناصرة وتأمين الثورة، وأن مداهمة الليمانات والسجون وإطلاق وتهريب المساجين كان لمناصرة الثورة، وأن مهاجمة مقر وزارة الداخلية لإسقاطها عدة مرات كان لمناصرة الثورة، وأن محاصرة والشروع فى مهاجمة مقر وزارة الدفاع كان لمناصرة الثورة، وأن مهاجمة مبنى التليفزيون والإذاعة، بما صاحبه من قتلى كان لمناصرة الثورة، وأن التخابر مع دول وجماعات أجنبية كان بغرض مناصرة الثورة، وأن إشعال الحرائق وحرق وتدمير المجمع العلمى كان لمناصرة الثورة، وأن جرائم حرق مبنى وملفات الضرائب العقارية كان لمناصرة الثورة، وأن جرائم السب والقذف والإهانة للمسؤولين ولعباد الله كانت لمناصرة الثورة، وأن ما وقع من جرائم حول ماسبيرو أو الفتنة الطائفية بإمبابة وأطفيح كان لمناصرة الثورة، وأن ترويع الآمنين وجرائم البلطجة التى جرت فى كل مكان إنما كانت لمناصرة الثورة، وهكذا بلا ضابط يكف المطالبين عن الإمعان فى أطماعهم بلا حدود، أو يوجه المقررين إلى معيار محدد مضبوط مأمون لتطبيق هذا العفو الشامل الضرير!