هل تستطيع الدولة أن تحيل هزائمها إلي انتصارات؟! يعيش النظام مجموعة من الهزائم المتلاحقة علي كل الأصعدة سياسية، اقتصادية، اجتماعية، ثقافية، إعلامية.. ولكننا في نهاية الأمر نري أن الهزيمة المنكرة تصبح عند الدولة انتصاراً مدوياً.. آخر تلك الهزائم هي ما حدث في التليفزيون الرسمي من انفلات إعلامي في برنامج «مصر النهاردة» ولهذا قرر النظام أن يحيله إلي لجنة ضبط وربط إعلامي وكأنه مأزق للفضائيات المنافسة وليس لتليفزيون الدولة.. المكسب الذي تسعي الدولة لتحقيقه أن تمتلك الهواء كل معاركها السابقة تستطيع أن تري وراءها هذا الهدف لقد أشعلت الفضائيات العربية النيران قبل 10 سنوات وبات المشاهدون يبحثون عن تلك الفضائيات بعيداً عن التليفزيون الرسمي ولهذا وضعت الدولة كل قوتها في سلاح واحد وهو «البيت بيتك» هكذا جاء «ممدوح البلتاجي» وزير الإعلام السابق قبل 6 سنوات وهدفه ليس إرضاء المشاهد الأهم بالنسبة له إرضاء الرئيس شخصياً.. كان ممدوح بحكم موقعه داخل الدولة وزيراً للسياحة يعلم أن الرئيس يشاهد برنامج الأوربت «القاهرة اليوم» وأرادوا البحث عن برنامج مصري تحت السيطرة يضمن أن يتجه إليه الرئيس وصار «البيت بيتك» تنويعة برامجية علي «القاهرة اليوم» بدءاً بالديكور الذي صممه «محمود بركة» مهندس ديكور «القاهرة اليوم» وحاولوا مع مذيعي «القاهرة اليوم» لاستقطابهم إلي تليفزيون الدولة.. نجحت الخطة مع «حسين الإمام» ثم «نيرفانا إدريس» واستمر الحال في البحث عن نجم عندما اكتشفوا أن قوة البرامج تأتي من عامل جذب وهو المذيع. الدولة اعتبرت أن «البيت بيتك» هو سلاحها الأول وفي أحيان كثيرة الوحيد.. كان المقصود أن توجه الدولة الرأي العام ويصبح لها برنامج بديل ينطق باسمها وأفكارها.. الهدف هو الاستحواذ علي المؤشر ليتجه إلي تليفزيون الدولة وفي نفس الوقت فإن الوجه الآخر لخطة الدولة هو أن تضيق علي كل المحطات الأخري مصرية أو عربية حتي لا تؤدي إلي ارتفاع سقف الحرية عما تريده وتتحمله.. وأسلحة الدولة تبدأ بالضغط علي أصحاب هذه القنوات و أيضاً علي المذيعين بالتهديد حيناً والترغيب حيناً.. بل إنه في وقت ما كان الاتجاه هو أن تراجع الدولة أسماء الضيوف والقضايا التي تتناولها تلك البرامج لتحصل علي الموافقة قبل استضافتهم وعندما فشلت بدأت تدخل طرفاً بقدر من العنف في توجيه أصحاب هذه الفضائيات.. الدولة تعتبر أن دائرتها ليست فقط ما تملكه ولكن ما لدي الآخرين ملك لها أيضاً ومن الممكن أن تجد هذا الأمر في تنبيهات مباشرة حيناً وغير مباشرة حيناً تصل إلي مذيعي برامج «التوك شو» غالباً لا يصرح المذيعون بذلك.. هذه التوجيهات أو التنويهات من جهات عديدة وليس فقط وزارة الإعلام لكنه في نهاية الأمر يظل وزير الإعلام هو المسئول أمام الدولة ليس فقط عن السياسة العامة للإعلام الرسمي ولكن التفاصيل الكل موقن أنه وزير التفاصيل بكل ما تعنيه هذه الكلمة فلا شيء يعرض إلا بعد أن تتأكد الدولة من أنه يتوجه لصالحها خاصة في البرامج الرئيسية مثل «البيت بيتك» أقصد «مصر النهارده» وهذا هو بالمناسبة ما كان يطبقه «صفوت الشريف»، كان يتدخل في كل شيء حتي مذيعي الربط كان هو الذي يختارهم ومع الزمن واتساع عدد البرامج صار للوزير اهتمامات متعددة حتي أنه كان كثيراً ما يتدخل لحسم صراع مثلاً في اختيار بطل مسلسل ولم يتقلص اهتمام الوزير بعد أن غادر «صفوت الشريف» موقعه وتتابع علي الكرسي «د. ممدوح البلتاجي» ثم «أنس الفقي».. الحلقة الأزمة في «مصر النهارده» هي أكبر دليل علي ذلك وهكذا نتساءل لماذا لم يعلن حتي الآن التقرير الذي اتخذته اللجنة ما الذي ينتظره الوزير.. اللجنة التي شكلها برئاسة عميد كلية الإعلام الأسبق «د. فاروق أبو زيد» وعضوية عدد كبير من أساتذة الإعلام في مصر ولا أدري لماذا هذا التوجه برغم احترامي لتجربة هؤلاء الأساتذة ولكن سنجد أنه لم يبتعد عن دائرة الأكاديميين إلا الكاتب «السيد ياسين» ورئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون الأسبق «حسن حامد».. كالعادة بدأ تسريب بعض اقتراحات اللجنة فهي لا تستطيع أن تقول كل الحقيقة وهي أن الوزير مسئول مسئولية مباشرة.. الدولة كانت تريد أن ينتهي الصراع بين «مرتضي» و «شوبير» لأن هناك برنامجًا تليفزيونيًا تابعًا للدولة يقدمه «شوبير» يتم إعداده ولا يمكن أن يحدث ذلك بدون موافقة «مرتضي» وتسامحه و«شوبير» في موقف ضعف أمامه انتخابات مجلس الشعب وبعد كل هذه الاتهامات التي طالته والأحكام القضائية الصادرة بحقه فهو يحتاج إلي هدنة مع «مرتضي».. كل هذه الدوافع تضعه في موقف ضعف هو الذي يسعي للصلح مع «مرتضي» وهو ليس مجرد مستشار إنه شخصية بطبعها تميل إلي الصراع بكل أشكاله مستخدماً كل الأسلحة للإجهاز علي خصمه لا يعرف في العادة سوي الانتصار الدموي الذي لا يبقي ولا يذر.. كان أمامه هدف هو أن يسحق خصمه علي الهواء وهكذا جاءت اللطمة الكبري عندما فجر شحنة الغضب ثم غادر الاستديو بدون انتظار لشيء فهو الأقوي لا يريد صلحاً ومن يريد الصلح عليه أن يدفع الثمن فلا يوجد صلح مجاني.. هل الحكاية انتهت عند هذا الحد.. لا شيء من الممكن أن يحدث سوي تقليص مساحة الحرية البرامج.. عندما احتفظ الوزير بالتقرير تسربت بعض بنوده منها أن اللجنة تميل إلي فرض قيود علي برامج الهواء بتسجيلها مسبقاً بحجة أنه من الممكن أن تحدث تجاوزات أخري وأن إلغاء العرض تصبح أحد الأسلحة أو علي الأقل تدخل المونتاج. تحاول الدولة أن تتعامل مع القنوات الفضائية مثلما تتعامل مع الأحزاب السياسية.. الأحزاب ليست هي القنوات الفضائية - هذه هي المشكلة - الدولة تضمن ولاء الأحزاب حتي غير المصرح بها والتي يطلقون عليها محظورة مثل جماعة الإخوان المسلمين في نهاية الأمر فإن المرشد يعلم الحدود التي يتحرك خلالها وهي إن عليه إعلان أن الرئيس الأب هو الذي لا يمس حتي عندما يتناول الأمر التوريث فإنه يجيب عن هذا السؤال الإجابة النموذجية في المسألة التوريثية وهي من قال أن هذا توريث إنه مواطن مصري من حقه أن يتقدم للانتخابات تتوافر فيها شروط العدالة.. الدولة اخترعت الأحزاب عندما بدأها الرئيس الراحل «أنور السادات» منابر ثم أحزاب كان الغرض منها إضفاء حالة شكلية علي الصورة الديكتاتورية.. مشكلة القنوات الفضائية أنها ليست أحزاباً الصحيح أنها خرجت من رحم الدولة ولكن السيطرة عليها من الصعب أن تصبح كاملة صحيح أن الدولة بين الحين والآخر ترسل مذيعيها الرسميين إلي هذه القنوات من أجل أن يصبحوا صوتاً لها لتبدو الصورة في وجهيها الحكومي والخاص مؤيدة للنظام ولكن الأمر لم يخل من شوائب تنغص بين الحين والآخر علي الدولة الشعور الكامل بهذه السعادة.. الحقيقة أن قرار بث هذه القنوات خرج من عباءة الدولة بدأت مع «دريم» ثم «المحور» وتتابعت القنوات الأخري «الحياة» و «OTV» وغيرها ولكن الحقيقة أيضاً أن هذه القنوات لعبت دوراً في زيادة مساحة الحرية المتاحة وهي أيضاً نبتت في ظل هذه الحرية وهي حرية كما نري ليست منحة بقدر ما هي مناخ عام صحيح أن هناك تحذيرات لكل القنوات وهي ألا يتم توجيه أي انتقاد إلي رئيس الجمهورية.. مثلاً عندما يتناولون المظاهرات وتعطيل المرور في برنامج «90 دقيقة» قال الكاتب الصحفي «ضياء رشوان» أن موكب الرئيس يؤدي إلي تعطيل المرور علي الفور نبهه «معتز» لا تدخل الرئيس في أي نقاش فهو مستثن ولكن من الممكن أن نتحدث عن مواكب رئيس الوزراء ورئيسي مجلسي الشعب والشوري هذا هو المسموح ورغم ذلك فإن هذا أيضاً لم يكن في الماضي مسموحا به. ً مذيعو الفضائيات صاروا أمام مرآة الرأي العام ينتظر أن يقيمهم مع من يقف المذيع: الناس أم السلطة؟. الدولة لا تتوقف عن فرض القيود وآخرها اللجنة التي شكلها وزير الإعلام مؤخراً وهي لجنة حكومية جداً بل إن بعض أعضائها تستر من قبل علي تزوير فج واضح في مهرجان الإذاعة والتليفزيون وهكذا فإن بند المونتاج والسيطرة تطل بقوة من الصورة!! الدولة تريد انتصاراً إعلامياً وبأي ثمن حتي ولو كان السلاح هو أن تغتال حرية الفضاء بسكين بارد بمباركة من المجتمع بعد أن تصدر له هذه المقولة إننا نحميك من الانفلات رغم أنهم هم صانعو الانفلات!!