«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوسف القعيد يكتب :العائلة البطرسية
نشر في الدستور الأصلي يوم 23 - 04 - 2010


1-بطرس غالي كما لم يعرفه الناس !
أعترف أنني كنت متردداً في نشر صفحة العدد الماضي عن اغتيال بطرس غالي الجد. والموقف من الحدث، وأيضاً قضية مد امتياز قناة السويس. ومن شدة ترددي طلبت من الصديقين إبراهيم عيسي وإبراهيم منصور تأجيل الصفحة أسبوعاً حتي نبتعد عن أعياد الأخوة المسيحيين. وقد تفضلا بكرم يندر وجوده في هذه الأيام واستجابا لرجائي.
لكنني أعترف - ثانيا - بأن ردود الأفعال علي الصفحة بعد نشرها كانت أكبر من كل توقع. كان أولها رسالة من الزميل الصحفي والباحث والأديب: إبراهيم عبد العزيز رئيس القسم الثقافي في مجلة الإذاعة والتليفزيون ثم من الصديق الدكتور خالد عزب. الذي يحاول ترميم ذاكرة الوطن. ويستعيدها لنا من غول النسيان. وقد قطع شوطاً مهماً في مشواره. وذلك في إطار مشروع مكتبة الإسكندرية: ذاكرة مصر المعاصرة. وهو مشروع يتميز علي غيره من المشروعات أنه يعتمد علي الكلمة والصورة والصوت. بمعني أنه يستحضر لنا ذلك الزمان البعيد كأننا عشناه.
ثم جاء الاتصال من الأستاذ صابر محمد عبد الواحد. وكيل مدرسة أبو القاسم الابتدائية. بأخميم سوهاج. كتب لي رسالة بدأها بقوله: أبعث إليك سلاماً كأنه هالات النور أو باقات العطور أو أكاليل الزهور أو كنوز الدر المنثور. وأرفقها بالقصيدة التي رثي بها شوقي بطرس غالي وأصر علي أن شوقي لم يقلها مرغماً. وأنه ألقاها علي قبر بطرس غالي. وذلك بعد أن رجع إلي ديوان الشوقيات الصحيحة. طبعة منشأة المعارف بالإسكندرية. جمع وتحقيق وتقديم الدكتور مصطفي الرفاعي.
2-البطارسة:
يعد الدكتور خالد عزب موسوعته التاريخية عن البطارسة. يدرس فيها من حملوا اسم بطرس من آل غالي. ولأن المشروع مازال تحت العمل ولم يتم الانتهاء منه. فقد أرسل لي بعض المعلومات والوثائق المهمة. التي تقدم الجانب الآخر للرجل.
تقول الهلال في عددها الصادر في مارس 1910 عن شخصية بطرس باشا غالي:
«كان عالي الهمة، كبير المطامع، ذكي الفؤاد، قوي الحافظة، شديد العارضة. كان قوي البنية، ربع القامة، ممتلئ الجسم، ونظراً لثباته وقوة عزيمته لم يكن يصعب عليه عمل فارتقي من بين العامة إلي أسمي المناصب المصرية. وكان مستقر الفكر يكره الدالة والوساطة وينظر إلي حقائق الأشياء دون أعراضها، ومما يروي عن تقديره الأشياء حق قدرها أنه لما أخذت الحكومة في إنشاء المحاكم الأهلية وكان وكيلاً للحقانية احتاجت الحكومة إلي موظفين لتلك المحاكم فأعلنت ذلك، وتقدم طلاب الخدمة بالعرائض ولكل منهم وسيط من الكبراء علي جاري العادة في ذلك العهد إذ كان للدالة والوساطة شأن عظيم. واستخرج كتاب الحقانية أسماء الطالبين في كشف دونوا فيه اسم كل طالب وذكروا إلي جانبه اسم الكبير الذي توسط له أو أوصي به، ورفعوا ذلك الكشف إليه فقرأه فرأي اسم أحد الطالبين في آخر الكشف وليس له وسيط وكان قد تحقق بالفعل أنه كفء للعمل فنقل اسمه إلي أعلي الكشف وكتب بجانب اسمه في محل اسم الوسيط لسائر الطالبين - وسيطه الله - يريد أن لا وسيط له غير الله وقد نال الوظيفة. وكان واسع الاطلاع في الشريعة الإسلامية وقد شهد له أئمتها بالتبحر فيها.
كان بطرس غالي محبّاً لفعل الخير مقيماً عليه، دائم الصلة والبر بالفقراء والمساكين والمحتاجين، وقد لمس ذلك أهله وذووه والمقربون إليه، ولعل أبرز أعمال الخير الظاهرة هو تأسيسه لجمعية المساعي الخيرية القبطية.
وكان من بين الخطباء يوم الافتتاح الشيخ محمد عبده والشيخ محمد النجار وعبد الله النديم، وقد يشير ذلك إلي أن بطرس باشا غالي لم يكن متعصباً لأبناء طائفته تعصب العداء لمن يخالفه في المذهب أو العقيدة، حتي أنه كان دائم البر وعظيم الوفاء لكثير من أصدقائه المسلمين ولكثير من العائلات المسلمة، من ذلك أنه كان أول من ذهب إلي الشيخ سليم البشري علي إثر إقالة الخديو إياه من مشيخة الأزهر يسأله ما يستطيع أن يقدمه له من خدمة، وكان كثيراً ما يقضي حاجات أفراد من المسلمين وكثيراً ما كان يلجأ إليه أفراد من المسلمين يسألونه المعونة والمساعدة، وكان يصلهم كما يصل أبناء طائفته، علي أن صلته لأبناء طائفته أمر طبيعي.
وخير ما يذكره عنه أبناء طائفته أنه هو الذي صنع الطائفة القبطية فرفعها من مستواها الضعيف الذي كانت عليه إلي مستوي أعلي منه بكثير.
3- قضية دنشواي:
في يوم الأربعاء 13 يونية عام 1906، كانت جماعة من الضباط الإنجليز تقوم برحلة صيد الحمام بجوار قرية دنشواي بالمنوفية بدعوة من عبد المجيد بك سلطان أحد أعيان القرية، وفي أثناء الصيد شب حريق في أحد الأجران بفعل البارود المشتعل، فهاج الفلاحون وهجموا علي الضباط الإنجليز، وفي الهرج أطلق أحد الضباط الإنجليز خرطوشة أصابت امرأة فسقطت جريحة، فهجم أهلها علي الضباط وأوسعوهم ضرباً، وفي أثناء فرار أحدهم أصيب بضربة شمس ولقي مصرعه واتهم أحد الفلاحين بقتله.
وطبقًا للقانون العرفي الصادر في عام 1895 لحماية أرواح قوات الاحتلال البريطاني، شكلت محاكمة خاصة يوم الأحد 24 من يونية عام 1906، كان قضاتها بطرس باشا غالي ناظر الحقانية بالنيابة (آنذاك)، وفتحي بك زغلول رئيس المحاكم الأهلية، ومستر و. هيترW. Hayter المستشار القضائي بالنيابة، ومستر و. بوند W. Bond نائب رئيس المحاكم، وكان القاضي العسكري الكولونيل لدلو Ludlow يمثل جيش الاحتلال، أما سلطة الاتهام المصرية فكان يمثلها إبراهيم بك الهلباوي.
وقبل صدور الحكم بأيام خرجت جريدة المقطم لسان حال سلطات الاحتلال علي الناس بنبأ إرسال عدد من المشانق لنصبها في دنشواي، إذن فقد كان الحكم معداً قبل بدء المحاكمة، وقبل النطق بالحكم سافر كرومر إلي إنجلترا لقضاء إجازته الصيفية تاركاً القائم بالأعمال فندلايFindlay لتنفيذ ما رسمه، مما يؤكد أن هيئة المحاكمة كانت شكلية.
وكانت رئاسة بطرس باشا غالي لتلك المحكمة من الأمور التي أخذت عليه، وكانت ذريعة لمهاجمته واتهامه بممالأة الإنجليز، وبنظرة متمعنة في الحادث وتفاصيل المحاكمة تتضح الكثير من الحقائق التي غابت عن الذين تحدثوا عن دور بطرس باشا غالي في المحاكمة:
أولها: دور بطرس باشا غالي في تلك القضية كان أداءً شكليّاً لوظيفة ليست من صميم اختصاصه، ولكن الظروف الإدارية البحتة وهي غياب ناظر الحقانية آنذاك إبراهيم فؤاد باشا الموكل إليه رئاسة المحاكمة بحكم قانون عام 1895 جعلت بطرس باشا غالي المسئول عن المحاكمة، وكان من الممكن أن يلعب نفس الدور أي ناظر يتولي أي نظارة أخري في تلك الفترة.
ثانياً: القرار كان صادراً من أغلبية إنجليزية لأعضاء المحكمة فلم يكن للأقلية المصرية الموجودة فيها بحكم القانون بد من إقراره وتوقيعه؛ فكان لا مفر له من الخضوع لرأي أغلبية الهيئة التي يرأسها والتي أصدرت ذلك الحكم الجائر.
ثالثًا: الحكم الصادر هو حُكْم سياسي أملته السلطة الإنجليزية التي أمرت بإرسال المشانق إلي دنشواي قبل أن يصدر الحكم، ولم يكن هناك من يسمح أن يقف أمام هذا الحكم الذي اعتبرت إنجلترا أن تنفيذه يمثل حفظا لهيبة الإمبراطورية البريطانية في مستعمراتها.
رابعًا: أن دور هيئة الدفاع عن المتهمين، التي ضمت ثلاثة من فطاحل المحاماة في مصر وهم: محمد يوسف بك، وأحمد لطفي السيد بك، وإسماعيل عاصم بك، لم ينصب علي نفي التهمة عن المتهمين، أو تقليل عدد المتهمين بحصر التهمة في بعضهم، لكنه حاول تخفيف حدة الاتهام من القتل العمد، إلي ضرب أدي إلي الوفاة.
4- مشروع استيطان اليهود فى سيناء :
تدفقت علي إنجلترا في أوائل شهر يونية عام 1902 موجات من اليهود المهاجرين هربًا من كثير من أنحاء أوروبا، وكان اللاجئون اليهود يتقاضون أجوراً أقل بكثير مما كان يتقاضاه العمال البريطانيون، الأمر الذي أوجد أزمة بطالة شديدة بين العمال البريطانيين، واتفق الرأي بين رجال الحكم الإنجليز علي أن تدفق اليهود هكذا علي بلادهم يعتبر تهديداً كبيراً للمصالح الإنجليزية؛ وذلك بعد أن زاد عددهم علي المائة ألف لاجئ ورأوا أن أفضل حل هو تحويل أفواج اللاجئين اليهود إلي منطقة يتفق عليها وتصلح أن تكون أرضاً تجمع اليهود، واستقر الرأي حينها علي شبه جزيرة سيناء، وبالفعل تم تشكيل لجنة فنية من مجموعة من اليهود «مهندسين وزراعيين» وذلك لدراسة ما إذا كانت سيناء تصلح لإنشاء مستعمرات سكانية، وسهلت بريطانيا لتلك اللجنة كل أعمالها والتي انتهت في تقريرها الأخير إلي صلاحية سيناء لإنشاء مستعمرات علي أن تمنح الحكومة المصرية الدكتور هيرتزل أو الشركة التي يؤسسها حق استغلال الأرض الكائنة شرق قناة السويس، وذلك لمدة 99 سنة، وتم عرض الأمر علي نظارة الخارجية المصرية وبتوصية من اللورد كرومر.
وهنا يكتب بطرس باشا غالي إلي مستر جاكوب جرينبرج وهو ممثل هيرتزل في مصر رداً علي هذا المقترح وبتاريخ 22 فبراير 1903:
«إن حكومة حضرة صاحب السمو الخديو أخذت علماً باقتراحاتكم بشأن الحصول علي امتياز لإنشاء شركة تقوم باستيطان اليهود في شبه جزيرة سيناء، إلا أن الحكومة المصرية لا تستطيع وفقاً للفرمانات السامية لأي سبب أو مبرر التنازل عن أي جزء أو كل من الحقوق المتعلقة بالسيادة، ولذا فإنه يجب أن تستبعد بصفة قاطعة كل فكرة ترمي إلي الحصول علي اتفاقات من هذا النوع».
وظلت المراسلات قائمة بين زعماء الحركة الصهيونية في العالم وبين وزارة الخارجية في إنجلترا للضغط علي الحكومة المصرية للموافقة علي المشروع، كما أن كرومر مارس كل السبل في سبيل الحصول علي الموافقة علي المشروع لكن الحكومة المصرية ويمثلها في هذا الصراع بطرس غالي والذي أرسل في 11 مايو 1903 إلي أحد أعضاء اللجنة المبعوثة إلي سيناء وهو الكولونيل جولد سميث تقريراً باسم الحكومة المصرية يقول في نهايته: «إن الحكومة المصرية تكون مخطئة إذا ما أظهرت أي تشجيع علي مشروع من هذا القبيل ولتلك الأسباب آسف لعدم استطاعة الحكومة المصرية الرد بالإيجاب علي اقتراحاتكم التي تعتبر مرفوضة بصفة قاطعة ونهائية».
وهنا أغلق باب الحوار تماماً، ولم يعد أمام إنجلترا أو اليهود بد من القبول بموقف مصر حيث بدأوا البحث فوراً عن مكان آخر.
5- مشكلة الحدود الشرقية :
في أوائل عام 1906 وقعت بين الحكومة المصرية والدولة العثمانية مشكلة حول تقسيم الحدود بين مصر وولاية الحجاز وسوريا، حيث طلبت الدولة العثمانية ضم معظم بلاد التيه إلي سوريا، وذلك برسم خط من العريش إلي السويس، ومن هذه إلي نقب العقبة بحيث يكون شرق هذا الخط لها والباقي لمصر. ولما رفضت مصر النظر في هذا الطلب عادت الدولة العثمانية فطلبت قسمة جزيرة سيناء قسمين بخط مستقيم من العريش إلي رأس محمد، وجعل القسم الغربي لمصر والشرقي للدولة العثمانية فأبت مصر النظر في هذا الطلب أيضاً، وأصرت علي الخط الذي يخوله فرمان تولية الخديو عباس حلمي الثاني، وبرقية الصدر الأعظم جواد باشا من رفح إلي العقبة.
وبينما الأحداث توالي تطورها، قدم القومسير التركي في مصر أحمد مختار باشا تقريراً إلي ناظر الخارجية المصرية بطرس باشا غالي عن المشكلة برمتها في 11 إبريل عام 1906، حمل في طياته وجهة النظر التركية التي أرسلت من إسطنبول بناء علي المعلومات الواردة من أحمد مختار باشا ومن قومندان العقبة رشدي باشا.
ولما اطلع الخديو عباس حلمي الثاني علي تقرير المعتمد التركي أحمد مختار باشا، تباحث مع رئيس النظار مصطفي فهمي باشا وناظر الخارجية بطرس باشا غالي، وبعد تباحث رئيس النظار وناظر الخارجية مع اللورد كرومر، قدما للخديو تقريراً منه بوجوب حفظ حقوق مصر في سيناء.
في اليوم التالي 14 إبريل عام 1906 بعث الخديو عباس حلمي الثاني برسالة سرية للصدر الأعظم يحتج علي ما ورد في التقرير، ويثبت حق مصر طبقاً لبرقية جواد باشا الصدر الأعظم في 8 إبريل عام 1892، والتي تعتبر أساساً للمفاوضات.
في اليوم التالي لإعلان سفر أحمد شفيق باشا إلي إسطنبول، في 12 من إبريل عام 1906 قامت الدولة العثمانية بإزالة عمودي الحدود وأعمدة التلغراف المصري عند رفح، فقام الخديو عباس حلمي الثاني بإرسال برقية إلي السلطان العثماني يبدي اعتراضه علي تلك التصرفات، وأن طابا مصرية حسبما ورد في فرمانات التولية، فاعترض السلطان العثماني علي ذلك موضحاً أن فرمان تولية عباس حلمي الثاني يشير إلي القسم الغربي من شبه جزيرة سيناء، زاد هذا الموقف من غضب الإنجليز فأرسلوا إنذاراً بواسطة السفير البريطاني في إسطنبول «نيقولاس أوكونور» إلي وزير الخارجية التركي توفيق باشا في يوم 3 مايو عام 1906 للجلاء عن طابا وتحديد خط الحدود بين رفح وحتي رأس خليج العقبة، وقد حاول السلطان العثماني إبعاد الإنجليز عن المشكلة بأن أرسل برقية إلي الخديو عباس حلمي الثاني في 7 مايو عام 1906 يطلب منه التفاهم مع مختار باشا مباشرة دون تدخل الإنجليز، ومع تأزم الموقف اعترف السلطان العثماني بحق مصر في طابا وفي ترسيم الحدود، وانتهت المشكلة بصفة نهائية بين الحكومتين المصرية والعثمانية، في أكتوبر سنة 1906
6- الاغتيال والرحيل
في 20 فبراير عام 1910 أطلق إبراهيم ناصف الورداني، وهو شاب في الرابعة والعشرين من عمره، الرصاص علي بطرس باشا غالي، وهو خارج من ديوان الخارجية.
وفي تصريح لشيخ الأزهر عقب اغتيال بطرس باشا غالي، قال: «إن ذلك المسيحي عمل من الخير للمسلمين ما لم يقدر علي عمله كثير منهم».
وكانت آخر كلماته قبل رحيله:
- «يعلم الله أنني ما أتيت أمراً يضر ببلادي. لقد رضيت باتفاقية السودان رغم أنفي وما كان يمكن أن أعترض. «ثم قال»: ويسندون إلي حادث دنشواي ولم أكن منها ولا هي مني ولكنها أقوال سادت فأساءت. إن هي إلا غباوة ضعيف صارت وقوة قدير بطشت فتوسطت بينهما كما توسط المصلح بين المتخاصمين فنالنا من شرها ما نال». ثم قال:
- «أما عن قانون المطبوعات فهذا عهد كونه لم ينفذ وإنه من اختصاص نظارة الداخلية. ثم هدأت كلماته قليلاً حيث قال:
- أما أعمالي في المحاكم فليس فيها ما يؤخذ علي لذلك تفضل علي المنتقدون فضربوا عنها صفحًا وكذلك مجالس المديريات وحضور النظار مجالس الشوري وتبادل الآراء بين النظار والأعضاء. كل علي قدر وسعه واختياره وعلمه وفضله». ثم سكت وردد آخر كلماته مع صعود آخر أنفاسه.
«فليعلم الله والناس أنني ما أتيت في ذلك ما يضر بلادي».
7- سلامة موسى وغبراهيم عبد العزيز !
ترك لي إبراهيم عبد العزيز رسالة علي تليفون المنزل، قال فيها أنني ظلمت سلامة موسي الأسبوع الماضي ظلماً فادحاً. لم يناقشني عبر رسالته في مدي صدق ما كتبته. وما عدت إليه موجود عندي. وكل ما كتبته إنني تساءلت عن موقف سلامة موسي عن التأميم وكان معاصراً له. وشاهداً عليه. ولم أقدم أي حكم علي الرجل. حتي يكون هناك ظلم.
قال لي إبراهيم عبد العزيز: كان سلامة موسي أول من طالب بتأميم القناة في مقالين هامين. أولهما: في مجلة سافرات الحب في 1950/11/19 وثانيهما: في نفس المجلة 1951/8/15 مقال: أجل يحب أن نؤمم قناة السويس. وبما للدولة من سيادة في أنها تستطيع أن تسير بهذا التأميم في يسر وسهولة كما أممت بريطانيا مناجم الفحم والسكك الحديدية ومصانع الفولاذ. وليس في العالم قوة تستطيع أن تمنعنا عن تأميم قناة السويس. لأنها شركة مصرية ولا تريد شرعيتها عن شرعية شركة ترام القاهرة. وعندما أمم عبد الناصر قناة السويس. سلامة اعتبره ابناً باراً من أبناء مصر الأصلاء. أو عدل.
وكل هذه المعلومات موجودة في كتاب إبراهيم عبد العزيز: أساتذتي. والكتاب عبارة عن حوار طويل أجراه مع نجيب محفوظ عن أساتذته. وفي هذا الحوار الطويل تكلم نجيب محفوظ عن أستاذه سلامة موسي. لست في حاجة للتأكيد أنني معجب بسلامة موسي ودوره التنويري. وكونه سبق عصره. بل إنني اعتبرته أحد مظالم الكتاب في مصر. وذلك في كتابي الحواري مع الأستاذ محمد حسنين هيكل: هيكل يتذكر عبد الناصر والمثقفين والثقافة.
قال لي إبراهيم عبد العزيز: سعد زغلول من الذين برروا مد امتياز القناة. وكان ممثل الحكومة في لجنة تجديد مد الامتياز. وحاول تبرير هذا في مذكراته.
8- إليها يا انا ..سوزان وعلى :
تعال نقرأ معاً هذه القصة القصيرة جداً للطيب صالح: سوزان وعلي. وقراءتها ربما كانت مهمة:
كان اسمه علي. واسمها هي سوزان. الخرطوم. لندن. درست الفن في معهد سليد. درس العلوم السياسية في معهد الاقتصاد بجامعة لندن.
قالت: «تزوجني».
قال: «لا. صعب».
قالت: «لكني أحبك».
قال: «وأنا أيضاً أحبك. لكن..».
ومن ثم عاد إلي بلده.
وأخذا يتراسلان.
«لكنني أحبك يا علي».
«وأنا أحبك يا سوزان، لكن...».
ستة أشهر.
كتبت تقول: «قابلت رجلاً. سأتزوجه».
كتب يقول: «لكني أحبك يا سوزان».
وانقطعت الرسائل.
يفكر بها في غالب الأحيان.
وتفكر به من حين لآخر.
لكن...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.