مثلما بيت عنكبوت يتدلى متأرجحًا، من زاوية بسقف، وقد تقطّعت خيوطه، باستثناء خيط دقيق، واهن واهٍ، ولم يعد ثمة مفر من السقوط.. صار واقع نظام الإخوان، عقب عام، من النطّ على كرسي الحكم. الخيط الواهن الأخير، يتمثل في الأهل والعشيرة، وهؤلاء لم يعودوا كما كانوا، صفًا واحدًا، فمنهم من رأى الحق حقًا، وأدرك أن قيادات الإخوان، يبيعون لهم الأوهام، مثلما فعلوا مع السلفيين، ولا يتورعون عن الزج بهم إلى المذابح، قرابين للتمكين والأستاذية وريادة العالم، وما إلى ذلك من حماقات، لا وجود لها إلا في أمخاخ، تصلبت شرايينها، وتكلست فتحجرت.
إن المعبد ليتصدع، وإن الريح لتزمجر عاتية، وثمة تغير موضوعي خطير، فلأول مرة، يخرج شباب من الإخوان عن السمع والطاعة، بعد أن فهموا أنهم لا يدافعون عما قيل لهم «إفكًا وبهتانًا»، إنه مشروع إسلامي، وإنما يدافعون عن أصحاب المليارات، من قيادات الجماعة المختبئين، في قصور مرصودة، أسوارها عالية، وعليها حراس أشداء غلاظ.
زلزلت الثورة زلزالها.. فإذا «بأراجوزات» التيار المتأسلم، ممن ملأوا الفضاء جعجعةً، وتوعدوا بسحق المعارضة، والدفاع عما وصفوه بالشريعة والشرعية، يحزمون الحقائب، ويقفزون كالفئران، من فوق سطح السفينة، في مشهد يعيد إلى الأذهان، مشهد الاستقالات الجماعية، من الحزب الوطني المنحل، إبان الموجة الأولى من الثورة.
الثورة تخلّقت، وخرجت من رحم الأحزان.. لكن مؤسسة الرئاسة، ماتزال بليدة متنطعة متهتكة لزجة، تكرر أساطير الأولين، عن المؤامرات الخارجية، والقوى الماكرة المتربصة، والمأجورين والمخربين، دون أن تنسى بالطبع، أن تسهب في الحديث، عن الأجندات الخارجية، التي لا نعرف ما إذا كانت، حمراء أم بيضاء أم «بمبيًا مسخسخًا»!
إذن.. عنوان هذا المقال: مرسي المخلوع، ليس استباقًيا، وليس رجمًا بالغيب، وليس ترجمة لأحلام وطموحات، الأكثرية الغالبة، من الشعب المصري، ممن تمردوا على دولة العشيرة، الفاشلة الفاشية الإرهابية، والأهل البلطجية، بقدر كونه قراءة لواقع، وإماطة لثام، عن حقيقة لامحالة واقعة.
لقد قضى النظام نحبه، أو هو ينتظر.. والأرجح أن أيام محمد مرسي، في قصر الاتحادية تُحسب بالساعات، لا بالأيام.. وما هي إلا أن يخرج وعشيرته، منكسةً رءوسهم، ذليلةً رقابهم، مكسورةً عيونهم، جزاءًا وفاقًا، لما ارتكبوه من حماقات، أو بالأحرى مؤامرات، على ثورة شعب، أراد إسقاط الديكتاتورية، فإذا به يواجه التكفيريين والإرهابيين والقتلة المتسلسلين.
يقينًا.. ليس سقوط نظام الإخوان، إفرازًا لحالة «تمرد» فحسب، ولا يمكن اعتباره، ثمرة عمل المعارضة المدنية، فالنخبة السياسية، ما بين فاسد ولاعق حذاء وفاشل و«عبيط».. إنه سقوط لاحق، سبقه سقوط معنوي، إلى الدرك الأسفل من الحضيض.
سقط مرسي وجماعته، منذ عاثوا خرابًا وتخريبًا، و«استحمروا» البسطاء، فأوحوا إليهم، بأن التصويت بنعم على تعديلات الدستور، سيفتح أبواب الفردوس، وحين شنوا غزوة البرلمان، فدخلوه فرحين مستبشرين، فيما دماء المصريين تراق، غير بعيد، في مذبحة محمد محمود، ويوم لم تنفر دماء الرجولة في عروقهم، إذ تُسحل وتعرى حرة، من حرائر مصر، على مرأى ومسمع، من العالم بأسره.
سقط مرسي يوم استبدت شهوة الحكم، بأناه الدنيا، فقال: أنا ربكم الأعلى، «متفرعنًا» على الكل، فأصدر إعلانه الديكتاتوري، وحشد الدراويش الذين يستقوي بهم، للتظاهر أمام المحكمة الدستورية، ويوم بعث قطعان الإرهاب، لاقتراف مذبحة الاتحادية، ويوم اغتال أهله وعشيرته، الشهيد الحسيني أبوضيف، ثم خرجت الصحيفة الرسمية لحزبه، بعنوان «الحسيني شهيد الإخوان»، في بجاحة وفجور، تترفع عنهما بنات الهوى، والداعرات المحترفات في المواخير الرخيصة.
السقوط بدأ أخلاقيًا، ومع الأكاذيب التي تناسلت من الأكاذيب، ومن الدستور الطائفي، الذي شهد في جولة الاستفتاء الأولى، ما يندى له الجبين، من الخروق والانتهاكات، إلى درجة تحرير أكثر من ثمانية آلاف وخمسمائة بلاغ وشكوى، بواقع تسعة بلاغات في الدقيقة، ورغم ذلك، لم يستحِ الكذابون، من التطبيل والتسبيح، بنزاهة العرس الديمقراطي.
السقوط بدأ يوم توقع النظام «الجديد- القديم» أن حكم الملك الإله، سيستعاد في وطن، ثار بأسره على عبادة الطواغيت، ويوم أراد أن تكون الثورة محض دابة، يمتطيها و«يدلل رجليه»، حتى يصل إلى مصالح جماعة، لم تؤمن يومًا، بمصر وطنًا ودولة، ولا بالعيش والحرية والكرامة الإنسانية