مصر تعاني من إنعدام الأمن منذ الثورة، لانتشار قطاع الطريق والبلطجية والمسجلين والهاربين من السجون، و معهم بالطبع مئات آلاف قطع السلاح المسروقة من أقسام الشرطة المحترقة أيام الثورة، و تواكب زيادة نشاطهم مع التراخي المشين لجهاز الأمن في الشارع المصري، في تلك الظروف حالكة السواد انتخب الشعب المصري أول برلمان له بعد الثورة و تفاءلنا خيرا، و اجتمع مجلس الشعب اجتماعه الأول في يناير 2012 وختم اجتماعاته بقرار المحكمة الدستورية العليا بحله بعد خمسة أشهر. وبغض النظر عن الأداء الضعيف لجميع أعضاء المجلس، فقد فاتهم جميعا كمجلس شريعي وحيد يصدر القوانين أن يصدروا قانونا واحدا كان فيه حل جميع مشكلات مصر التي تواجهها الآن و هو قانون تطبيق حد الحرابة، في قانون واحد يصدره المجلس ( الموقر) يصبح جهاز القضاء المصري مجبرا على تطبيقه.
تطبيق هذا القانون كان حتما سيعيد الأمن إلى الشارع المصري خلال فترة وجيزة، فهل سيتجرأ لص أو بلطجي أو قاطع طريق على ارتكاب جريمته و قد رأى في اليوم السابق تطبيق هذا الحد الأقسى على زميله؟ لقد اهتم أعضاء أعضاء المجلس الموقر بأمور أخرى أهم من إعادة الأمن إلى الشارع، فمنهم من رفع الأذان في المجلس، ومنهم من اهتم بتجميل أنفه، و ثالث عرض على المجلس تخفيض سن زواج البنت إلى التاسعة، و رابع و خامس و سادس.. لم يهتم أي منهم؛ ومعظهم من ذوي اللحى؛ باقتراح تشريع لقانون حد الحرابة.
في عام 1949 كان أكثر من 70٪ من الشعب الصيني مدمنين للأفيون، واستطاع ماو تسي تونج خلال ثلاث سنوات القضاء تماما على تجارة و تعاطي المخدرات في الصين، بأن سنت الحكومة قانونا يقضي بإعدام تاجر الأفيون على الملأ، و ما حدث هو أن أكبر المدن الصينية لم يعدم فيها أكثر من عشرة تجار، والباقون ارتدعوا بعقوبة زملاءهم..
هكذا تفرض القوانين حلولا لمشكلات الناس، فلماذا لم يتخذ مجلس الشعب المتدين قرار قانون حد الحرابة قبل حله؟ قد يقول قائل بأن منظمات حقوق الإنسان سوف تعترض على تطبيق هذه العقوبة القاسية! وهل هناك حق يتأثر الإنسان بانتهاكه أهم من حق الأمن؟ و حُل مجلس الشعب وجاء الرئيس مرسي في يوليو 2012، وأصدر الإعلان الدستوري في نوفمبر من نفس العام، وأصبحت سلطة التشريع بموجبه في يد الرئيس المتدين، ومجلس الشورى المتدين أيضا، فلماذا لم يُتخذ هذا القرار حتى اليوم؟
لو كان حد الحرابة قد طُبق بموجب القانون منذ بدايات العام الماضي؛ لما كنا رأينا المذبحة البشعة لمجموعة من الشيعة المصريين في زاوية ( أبو مسلم ) في الجيزة منذ يومين.
لو كان حد الحرابة قد طُبق بموجب القانون منذ بدايات العام الماضي؛ لما عانت البلاد من سطوة البلطجية و انعدام الأمن و خطف الأبناء و البنات و سرقة السيارات عاما كاملا.
لو كان حد الحرابة قد طُبق بموجب القانون منذ بدايات العام الماضي؛ لما تفاقمت أزمات البنزين و السولار و انقطاع الكهرباء و الماء، إن اعتبرنا أن السبب في هذه الأزمات هو سرقة البنزين و تهريب السولار و بيعهما في السوق السوداء.
لو كان حد الحرابة قد طُبق بموجب القانون منذ بدايات العام الماضي؛ لما ضمرت السياحة و هبطت مؤشراتها نتيجة لتحذير السياح في بلادهم من زيارة مصر.
لو كان حد الحرابة قد طُبق بموجب القانون منذ بدايات العام الماضي؛ لما انتعشت تجارة المخدرات وتجارة السلاح ولا تفوقت معدلات تهريبهما عبر الحدود.
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)، أي إن كثيرا من الناس لا يمتنعون عن ارتكاب الجرائم بتأثير نهي آيات القرآن، ولكن متى علموا أن هناك عقوبة رادعة سيرتدعوا خوفا من العقوبة، لا خوفا من الله. فمن الذي سيطيق تحمل قطع يده اليمنى و ساقه اليسرى ليعيش دونهما بقية عمره؟ ومن الذي يتحمل أن يدُق على صليب في ميدان التحرير و كلما مر به شخص قذفه بحجر و يتُرك هكذا حتى يموت؟
ولأن الله سبحانه و تعالى أعلم بالخلق من أنفسهم؛ فقد جعل عقوبة الحرابة أقسى العقوبات في التشريع الإسلامي الحكيم، تقتيلا و تصليبا و تقطيع للأرجل و الأيدي من خلاف، وتطبيق هذه العقوبة مرة واحدة على متلبس أو مجرم أمام الناس في ميدان التحرير، في مشهد تنقله وكالات الأنباء العالمية كفيل بإعادة الأمن إلى ربوع مصر في يوم واحد. فلماذا يا مجلس الشعب ( قبل حلك)، ولماذا يا مجلس الشورى (ومعك السلطة التشريعية)، ولماذا يا سيادة الرئيس مرسي وأنت فوقهم جميعا؛ لم تتبنوا الحل الإلهي الأمثل لحل مشكلة الأمن في مصر؟ لعل المانع أن يكون خيرا!! الله من وراء القصد..