أعلنت مصر خلال الأيام الماضية أنها ترفض الضغوط الأمريكية التي تطالبها بالتخلي عن تزوير الانتخابات وتلفيق الموانع الدستورية واستخدام القوانين العسكرية والاستثنائية ضد مواطنيها، فضلاً عن احتكار السلطة وتوزيع الناتج القومي علي الحاشية والمحاسيب وشلل النفاق الوطني الديمقراطي. وكانت مصر قد أعلنت خلال السنوات الثلاث الماضية أنها ترفض تدخل الاتحاد الأوروبي في قضايا تعذيب وإهانة وتهميش الشعب المصري وإهدار حقوقه ومنعه من المشاركة السياسية العادلة. وأعلنت مصر أيضًا رفضها الرقابة الدولية علي الانتخابات رغم المشاركة المصرية الحكومية والحزبية والشعبية في مراقبة انتخابات معظم دول العالم ومنها الولاياتالمتحدةالأمريكية نفسها. وفي الداخل أعلنت مصر رفضها الضغوط التي تمارسها الجماعات الدينية المحظورة، والضغوط التي يمارسها النواب المصريون المستقلون، والضغوط التي تمارسها جماعات حقوق الإنسان، والضغوط القادمة من الفئات الشعبية المظلومة والمطحونة والمهضومة، والضغوط التي يسوقها بعض المصريين في الصحف المستقلة والحزبية وأحيانًا في صحف الحكومة أو القنوات التليفزيونية. وفي البرلمان المحلي أعلنت مصر رفضها كل الاستجوابات وطلبات الإحاطة التي تقدم بها نواب المعارضة - وأحيانًا نواب الحكومة- طوال السنوات الثلاثين الماضية وربما أيضًا قبل ذلك. وفي داخل الحكومة أعلنت مصر رفضها أي ضغوط يتقدم بها أحد السادة الوزراء لصالح الشعب المصري، وقررت مصر طرد أحد رؤساء الحكومة لأنه رفض الإسراع في بيع القطاع العام، وطرد أحد الوزراء لأنه رفض إلغاء بطاقة التموين وطرد وزير آخر لأنه حاول مقاومة الفساد وطرد وزير ثالث لأنه حاول إصلاح شئون الزراعة، وطرد وزير رابع لأنه تلكأ في تنفيذ إجراءات التطبيع مع الصهاينة. حتي الضغوط القادمة من السماء قررت مصر رفضها!! ففي حين يأمرنا الله بالصدق تصر جمهورية مصر العربية الرسمية علي ممارسة أحط آيات الكذب والتزوير والتلفيق ضد مواطنيها، وبينما يأمرنا الله بالعدل تمارس الدولة المذكورة أبشع درجات الظلم ضد الغالبية العظمي من شعبها وضد الشرفاء من مسئوليها، وحيث يقول الله إنه لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوي تقول مصر إن المسيحي مواطن درجة ثانية وأن المسلم المتشدد محظور وأن الشيوعي المعلن محروم من حقوقه السياسية وأن الشيعي عدو الله وأن البهائي المصري لا يدخل في تعداد السكان ولا يستحق الحصول علي بطاقة شخصية، وحتي في الرياضة تري جمهورية مصر العربية الرسمية أن نادي الزمالك أقل شأنًا من النادي الأهلي في لعبة كرة القدم وأنه لا يستحق الحصول علي بطولة الدوري العام لأنه كان في الأصل أحد الأندية الاستعمارية وكان اسمه «المختلط» وكان إخواننا الأجانب من أعضائه ومشجعيه كما كان يضم في صفوفه اللاعب الإيطالي الاستعماري «ألدو» في حراسة المرمي، واللاعب اليمني الجنوبي الماركسي «علي محسن» في خط الهجوم وذلك بالطبع قبل ظهور الاحتراف في ملاعب الكرة!! تري جمهورية مصر العربية أن «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة»، فالسادة الذين يحكمون الدولة المذكورة لم تأت بهم انتخابات حقيقية أو إرادة شعبية أو نظام دستوري مؤسسي، ولكنهم هبطوا علي الناس كالقضاء والقدر، واحتكروا الثروة والسلطة والبرلمان والشرطة والقانون والدستور والطرق والكباري والأنفس والثمرات ! هم يحكمون مصر بالقوة وبالعافية وبالسلاح وبالتزوير «ولي الذراع» وهم لا يستطيعون التخلي عن مكانتهم وعن سلطتهم إلا لمن يستطيع أن يفعل مثلهم، ويلوي ذراعهم وينزعهم من مقاعدهم بالقوة، أما مسألة الدستور والقانون والإرادة الشعبية والدين والأخلاق والأصول ومصالح الناس «إلخ إلخ» فكل هذه أمور لا يفهمها النظام المصري ولا يأخذ بها، وإن فهمها فهو يري أنه صاحبها ومخترعها وخالقها والمتحكم فيها، ولا يصح أن يستخدمها الناس في مواجهته لأنهم مجرد رعايا أو عبيد عليهم، أن يحمدوا الله كثيرًا لأن النظام يتركهم يعيشون كالدواب في هذا البلد!! النظام المصري يطالبك بأن تستخدم في مواجهته القنوات الشرعية وإلا صرت مجرمًا تستحق الاعتقال والإهانة والتشريد وربما القتل! والقنوات الشرعية في مصر هي مجلس الشعب الذي يصنعه النظام علي مقاسه ويحشد فيه قوافل المنافقين والفاسدين والمجرمين والبلطجية، ويطلقهم ضد أي نائب شريف يحاول الدفاع عن مصالح الشعب أو التصدي للفساد والإجرام والتخلف، والقناة الشرعية الثانية هي كتابة الشكاوي التي تصل في معظم الأحوال إلي الشخص الذي يتضرر منه صاحب الشكوي، أو لا تصل إلا لسلة المهملات أو صفيحة الزبالة. والقناة الشرعية الثالثة هي القضاء، وهي قناة مسدودة حال رفع قضايا ضد كبار رجال وأدوات النظام لأنهم «جهات سيادية» لا تجوز رفع الدعاوي ضدهم من جهات ليست كذلك!! ولا يتبقي أمام المواطن بعد ذلك سوي أحزاب المعارضة التي هي جزء من النظام والتي تشارك النظام في رفض كل الضغوط الأجنبية والمحلية والشعبية والأخوية مقابل حصولها علي الشرعية والدعم المادي والوجود الإعلامي والبرلماني وظهور قادتها ورموزها ككومبارس في بعض مشاهد المسخرة التي يلعب بطولتها النظام والحكومة.