كارثة الأمة هي أن يصبح حاضرها أدني من ماضيها.. أما عن المستقبل فلسنا بحاجة إلي الدجالين يا أبناء مصر، فلقد ذكرتم في القرآن الكريم يا «خير أجناد الأرض». عفواً فإني لست بالكاتب المحترف، ولكن يهيأ لي أنني أحب القراءة في الحاضر والماضي، كما لو كنت أتغذي لأبقي، أما عن قراءة المستقبل فهذا أمر عسير.. بل من المحال.. غداً.. الله أعلم ونعم بالله، هكذا تعلمنا وهكذا نعيش، وربما هكذا نموت.. كلنا علي فكرة.. تلك هي الحقيقة التي طالما نخشاها ونعيش لاجتنابها، ولكن هل هذا يعني أن نعيش دون رؤية أو بصيرة لما قد سيأتي؟ للعديد منا.. الإجابة هي نعم، فهؤلاء لا يؤمنون بالبصيرة ولا حتي بحقنا في أن تكون لدينا بصيرة، وفي وجهة نظري المتواضعة هي كارثة غزت فكر، بل وعادات الكثيرين منا. الفكر المتجمد غير الراغب في تطويع أمر نفسه لمستقبل أفضل، والماكث في خمول كسول.. يسعي أينما ذهب قطيع الفساد، لعل وعسي يرتمي إليه الفتات والعظام البالية التي لا تسعد سوي الكلب التعس الضال. أما عن نفسي فأنا أحب أكل اللحم، ولذلك فإني أسعي لعمل وليمة خالية من العظام، وأعلم كم أن ذلك عمل شاق، ولكن لا مناص.. فهذا هو أمر المخيرين. لم أكتب من أجل إحباط القارئ، ولكن عندما طلبت مني جريدة «الدستور» أن أكتب عن المستقبل بمناسبة عيد رأس السنة الميلادية، تعجبت من أمر ذلك الطلب، الذي لم يأت مثله في عيد رأس السنة الهجرية أو عيد الأضحي المبارك أو عيد الفطر، أو حتي عيد رأس السنة المصرية القديمة «اللي هي أعيادنا إحنا يعني». وللصراحة ترددت وتعثرت قبل أن أعزم علي الكتابة، وقلت في نفسي: هل أكتب عن الحفلات الشيك اللي بنروحها، ولا عن بابا نويل؟ ما هو كله عايز يبقي خواجة.. قلت: لا سأكتب ما في قلبي والله شهيد علي نيتي. إن الجدار الفولاذي الذي بني في مصر علي حدود غزة كما قرأت وسمعت في وسائل الإعلام المختلفة للزج بالإخوة الفلسطينيين، ولإحكام البطش بهم والتضييق عليهم لا يوحي بمستقبل بريء.. إني بريء منه، بل وضده بكل حواسي، ولذلك قررت الكتابة عن المستقبل المبهر الذي نحن علي مشارفه.. الإخوة العرب سيصبحون أعداء كلٌ لأخيه.. تلك هي مناسك الفتنة التي نتوجه إليها وندور في فلكها دون دراية.. الفتنة أشد من القتل، إذن اقتلوني فهذا أرحم وأكرم وأشرف، وهكذا أكف عن الألم، وحتي عندما رأيت صحوة وطنية كبري في قلوب وأعين الشعب المصري.. للأسف كانت موجهة ضد شعب عربي شقيق «شعب الجزائر» بلد المليون شهيد، والضربة القاضية هي أننا نصحو من أجل مباراة كرة قدم، ورغم كل ذلك بات في ذهني وقلبي أمل عندما رأيت الخمول يتلاشي من أحشاء الجموع التي تركت منازلها فعلا، ووقفت ترسل ما اختارته من رأي.. هذا لم أره من قبل في أي أمر يجب أن يهم الفرد المصري ويتماس مع ما يعانيه يوميا، وهذا مؤسف بجد. ولكن علي الأقل أثبت هذا لي أننا مازلنا نقدر علي أن نختار.. صحيح أنني لا أوافق علي هذا الاختيار، وإنما أن يصيب هذا الاختيار أو يخيب فهذه هي الحياة. أما ألا نختار أصلا، فهذا هو الموت، فبعد صحوة الشعب المصري المفاجئة أدركت أننا مازلنا علي قيد الحياة.. أو يعني لسه فينا نفس.. إذن فعلينا أن نختار الأصلح، ونرفض الأفسد، ونسيطر علي الفتنة بالحكمة، ونعمل لنعيم أبنائنا الذين سيحاسبوننا فيما بعد، وهكذا سيكون المستقبل أبرك وأفضل، ونسعد جميعاً عندما ننظر للماضي لنجده أدني من الحاضر، فذلك هو الأمل.