لا أستطيع أن ألوم الحكومة الكويتية علي قرارها بالقبض علي عدد من المصريين وترحيلهم علي خلفية تأييدهم للدكتور محمد البرادعي. ليس السبب هو اقتناعي بهذا الإجراء وأسبابه، ولكن لأنني أعتقد أن مصر عندما تكون في كامل عنفوانها وصحتها فإنها تلهم العرب وتنفخ فيهم من روحها، لكنها عندما ترقد علي سرير العجز والمرض فليس لنا أن نحلم بعالم عربي سعيد، وأبسط ما ستسمعه إذا توجهت باللوم إلي أي حكومة تسيء أو يسيء أفرادها إلي المصريين هو: أن المصريين هنا ينعمون بالحياة الكريمة وأيامهم هنا أفضل من أيامهم بمصر وإلا لما استمروا، ولو فرض وواجه المصري هنا بعض المتاعب والصعاب فإن هذا لا يقاس بما يلاقيه أخوه في مصر من عذاب وهوان، حيث يتم القبض علي الناس بدون مناسبة وضربهم وتعذيبهم بدون أسباب وانتهاك حقوقهم وحرياتهم طول الوقت. عندما أستمع إلي هذا الرد لا أستطيع أن أكذبه أو أنفيه لكني أغرق في بحر من الحزن لأن مصر صارت ملهمة في انتهاك حقوق الإنسان وصار الأشقاء العرب يجاملونها ويقدمون الرعايا المصريين قرباناً لأشقائهم الحكماء!. لا أستطيع أن ألوم الكويت الحبيب، هذا البلد الذي أحمله في قلبي وأحمل لأهله أجمل الذكريات طيلة السنين التي قضيتها معهم، لكني أتوجه باللوم إلي السفير المصري اللطيف الحبوب الذي نفي أن يكون هو الذي حرض ضد المصريين!. هو فعلاً رجل لطيف وزي العسل لأنه حذا حذو زعيمه ووزير خارجيته الذي قال إنه لا شأن له بالمصريين في الخارج! والسفير أيضاً لم يظن أن عليه واجب إزاء مواطنيه الذين يدفعون راتبه وأبسطه أن يسأل لماذا يتم القبض عليهم، وأن يتدخل من أجلهم ويجلب لهم المحامين بصرف النظر عن موقفهم القانوني.. فواجب السفير ليس فقط مساندة الأبرياء من مواطنيه، لكن واجبه هو مساندة مرتكبي الجرائم وهو الأمر الذي كان سيفعله السفير الكويتي في القاهرة لو أن الشرطة المصرية ألقت القبض علي مواطنين كويتيين، فما بالك إذا كانوا مواطنين مسالمين أبرياء. لقد كان من حظي أنني التقيت وتعاملت خلال سفراتي بالخارج مع سفراء ودبلوماسيين في أماكن عديدة وكانوا في غالبيتهم جالبين للخزي، وأذكر أنني التقيت أحدهم ذات حفلة وكان مشتبكاً في عراك مع طبق عظيم يحمل أرزاً ولحوماً ودجاجاً وكان يأكل ويشرب بنهم في الوقت الذي كان فيه العمال المصريون يطردون بالمئات، وكان إلي جانب سيادته فخامة المستشار العمالي الذي اشتهر بأنك تستطيع أن تجعله يبيع عمال العالم بأكلة كباب وكان لا يقل عنه «دناوة». كان منظرهما وهما يأكلان يوحي بأنهما يفعلان شيئاً آخر غير الأكل لهذا فقد اقتربت منهما بعد أن فرغا وقلت لهما: شُفيتم!!. علي النقيض من هذا النموذج كان السفير التركي الشهير «انتصاب حمامات» الذي كان سفيراً لتركيا في إحدي دول البلطيق وعرف عنه التفاني في خدمة الجالية التركية الكبيرة هناك حتي إن السلطات كانت تتحاشي المساس بأي من الرعايا الأتراك خوفاً من الاصطدام بالسفير انتصاب حمامات الذي كان إذا استشاط غضباً فإن أحداً لا يسلم من زخّاته!. هل تستطيع وزارة الخارجية المصرية بحالتها الراهنة أن ترسل للخارج سفراء يمثلون المصريين تمثيلاً حقيقياً، أم يتعين عليها أن تجعل مبعوثيها يقرأون مذكرات السفير التركي ليتعلموا كيفية إدارة الأزمات وكيف يكون التعامل والتصرف في المواقف المختلفة، عسي أن يأتي يوم تمتلك فيه الخارجية ولو شيئاً بسيطاً من وطنية وقوة انتصاب حمامات أفندم!.