وكيل نادى القضاة: على مؤسسة الرئاسة تحمل مسؤوليتها تجاه القضاء بدلا من الاعتداء عليه ليس من مصلحة النظام هدم الشرعية.. ومطلب الرئاسة الحوار مع تيار «الاستقلال» مسلك تخوينى المعركة الضارية التى تدور رحاها على الساحة القضائية فى الوقت الحالى، أصبح معها الحوار مع أحد رموز نادى قضاة مصر أمرا ضروريا، للوقوف على آخر تطورات الأزمة الراهنة التى بدأت قبل ستة أشهر بين القضاء المصرى من جهة والنظام الحاكم وجماعة الإخوان المسلمين من جهة أخرى، لا سيما مع احتدام الأزمة بعد الدعوى التى أطلقها مكتب الإرشاد للتظاهر أمام دار القضاء العالى الجمعة الماضية والمطالبة بتطهير القضاء، وهو ما ينذر بمذبحة للمؤسسة القضائية بهدف التحكم فيها وأخونتها. «الدستور الأصلي» التقت المستشار عبد الله فتحى وكيل أول نادى قضاة مصر، فإلى نص الحوار..
■ ما رؤيتك للوضع الآن على الساحة القضائية؟
- القضاء يمر بأسوأ عصوره فى التاريخ، فما يتعرض له القضاء فى الوقت الحالى من هجمات وتجاوزات سواء بالقول أو بالفعل من قِبَل فصيل معين هو ما ينتمى إليه نظام الحكم، بل ومن نظام الحكم نفسه أمر غير مسبوق ولم يحدث من قبل منذ إنشاء القضاء المصرى، بداية من إهدار أحكام القضاء وصولا إلى التجاوزات والإساءات التى تصدر من بعض القوى والتيارات السياسية الموالية للنظام الحاكم، والاتهامات بعدم النزاهة وعدم الحيدة، والغريب فى الأمر أن يكون المتجاوز هو الشاهد الوحيد فى الغالب على نزاهة القضاء المصرى الذى كان ملاذا لهم من قبل، حيث إن القضاة كثيرا ما وقفوا إلى جانب الحق وأعطوا البراءات وأخلوا سبيل الإخوان فى ظل العهد السابق، وهو ما اضطر النظام السابق إلى إحالتهم إلى محاكم استثنائية، فى حين أنهم كانوا يثقون فى القضاء المصرى ونزاهته وطالبوا بإشرافه على الانتخابات من قبل، مثلهم فى ذلك مثل باقى الشعب المصرى.
■ ما أبرز صور اعتداء النظام على السلطة القضائية؟
- ربما كانت أبرز صور الاعتداء على القضاء هى إهانة الأحكام القضائية واعتبارها كأن لم تكن، وهو ما بدأ بعدم احترام رئيس الجمهورية للحكم الصادر ببطلان تشكيل مجلس الشعب وحله، ومحاولات رئيس الجمهورية إعادة المجلس بقرار منه بالمخالفة للقانون، كذلك محاولة إقالة النائب العام الشرعى المستشار عبد المجيد محمود بالمخالفة لقانون السلطة القضائية الذى ينص على عدم إمكانية عزل القاضى من عمله، كذلك صدور ما سمى ب«الإعلان الدستورى» الباطل، الذى جاء بنصوص ما أنزل الله بها من سلطان، لا سيما فى ما يتعلق بإقالة النائب العام للمرة الثانية بآلية باطلة وغير قانونية، وتحصين قرارات الرئيس من الأحكام القضائية وغل يد القضاء عنها، بالإضافة إلى دعوة التيار الذى خرج عنه نظام الحكم للتظاهر ضد القضاء ومحاصرة دار القضاء العالى والمطالبة بتطهير القضاء واتهام القضاة بتهم باطلة، وهو ما يقطع بسقوط دولة القانون، حيث أصبحنا فى مصر بلا قانون وبلا دولة، وللاسف أى حدث من تلك الأحداث التى مثلت تجاوزات فى حق القضاء تكفى لوصم النظام إلى الأبد، وتأخذنا إلى فوضى لن يأمن فيها أحد على حقه أو حريته.
■ كيف ترى محاولات ما يسمى بتطهير القضاء؟
- القضاء المصرى لا يحتاج إلى تطهير، والذين ينادون اليوم بتطهير القضاء هم الشاهد على نزاهة واستقلال القضاء، وهم من هتفوا للقضاة من قبل خلال إشرافهم على الانتخابات المختلفة الهتاف الشهير «إن فى مصر قضاة لا يخشون إلا الله»، وهو الهتاف الذى كانوا يحيونا به فى كل انتخابات نشرف عليها حتى انتخابات 2005، الإخوان يعلمون يقينا أن ما يحتا إليه القضاء المصرى فقط هو دعم استقلاله، إلا أن ما يحدث فى الوقت الحالى من مهاترات ومطالب بتطهير واستبعاد بعض القضاة من مناصبهم وخلافه يهدر ما تبقى من استقلال القضاء، وهذه المطالب نحن نعلم جيدا أن وراءها الفصيل الذى يرغب فى الاستئثار بمقدرات هذا الشعب وثرواته، ويحاول هدم ثوابت هذه الدولة للوصول إلى بغيته، حيث بدأ الأمر بالقوات المسلحة ثم الأزهر الشريف ثم الكاتدرائية ثم القضاء الذى يعلمون جيدا أنه حارس أمين على مقدرات الشعب، وأنه عقبة حقيقية أمام ما يرغبون فى الوصول إليه، فيرغبون فى هدمه للوصول إلى ما يريدون.
■ ماذا يريد الإخوان من القضاء؟
- فى الحقيقة أنا لدىَّ رغبة فى طرح هذا السؤال على جماعة الإخوان المسلمين، أريد أن أعرف ماذا يريد الإخوان ومواليهم من القضاة والقضاء، وماذا فعل لهم القضاة والقضاء ليقفوا هذا الموقف منهم وتصدر عنهم مثل تلك البذاءات والتجاوزات والإساءات التى لم تحدث من قبل فى حق القضاة، والهجمة الشرسة التى تجلت فى أدنى صورها فى محاصرة المحاكم بل وإحراقها دون مبرر، وإذا فكر الإخوان قليلا سيعلمون أن القضاء حصن للحاكم والمحكوم، فكيف تأمن القوى التى تعتلى الساحة الآن على نفسها فى ظل إهانة القضاء، وكيف يحاولون ترهيب القضاة بهذه الصورة، على الإخوان أن يعرفوا أن القاضى لا يُرَهَّب ولا يُرَغَّب ولا يخشى أحدا، وأن القضاء المصرى على مسافة واحدة من الجميع، وعلى الجميع التعامل مع القضاء كإحدى سلطات الدولة الثلاث وأهمها، فإذا عرفوا ذلك سيتراجعون عن الهجوم على القضاء.
■ البعض يتحدث عن حدوث أخونة لعدد من دوائر الاستئناف، ما ردك؟
- أعترض على لفظ «الأخونة»، لكن هناك رغبة فى إخضاع السلطة القضائية لتيار بعينه، ونحن نرفض ذلك بشكل قاطع، فنحن لن نخضع ولن نوالى لا لهذا ولا لذاك، حتى وإن كانت إحدى الفصائل التى تريد إخضاعنا هى تلك التى ينتمى إليها نظام الحكم، وسنرفض أى موالاة لأن الجميع سواسية أمام القضاء، ونؤكد أنه لن يتمكن أى فصيل من إخضاع القضاء المصرى له، وأننا سنواجه بكل ما أوتينا من قوة. هل نجح النظام فى السيطرة على النيابة العامة عن طرق المستشار طلعت عبد الله؟
- رجال النيابة العامة يقفون وقفة رجل واحد، والنيابة العامة تحافظ على استقلاليتها عبر هؤلاء، بغض النظر عن موقف المستشار طلعت عبد الله وتمسكه بالمنصب رغم صدور حكم قضائى ببطلان تعيينه ورغم مناشدة القضاة وأعضاء النيابة العامة بل ومجلس القضاء الأعلى له بترك المنصب والعودة إلى منصة القضاء، وهو أمر شخصى له أن يقدره كيفما يشاء، لكنه للأسف أهان المنصب، ولكن أعضاء النيابة العامة رجال أحرار متمسكون بحيدتهم ونزاهتهم ويستطيعون الدفاع عن النيابة العامة.
■ كيف يتم حل الأزمة الراهنة من وجهة نظرك؟
- للأسف القضاء معتدَى عليه منذ أن جاء رئيس الجمهورية إلى سدة الحكم، ورغم أنه كان هناك أمل فى أن وجود رئيس منتخب سيرسخ لدولة القانون واستقلاليته، فإن الرياح أتت بما لا تشتهى السفن، فوجدنا أن القضاء مستهدَف وفى مرمى كثير من الاعتداءات والهجمات تارة من رئيس الجمهورية، وتارة من التيارات السياسية أو بالأحرى تيار بعينه، ولم يقتصر الأمر على التجاوزات اللفظية، لكن تطورت الأمور للنيل من القضاة والاعتداء عليهم ومحاصرة المحاكم، ووصل إلى إعداد مشروع قانون لتعديل قانون السلطة القضائية بشكل لا يليق بالسلطة القضائية. ■ هل سيلجأ القضاة فعلا إلى تدويل قضيتهم؟
- القضاة لا يستعدون أحدا على مصر، ولكن كل المواثيق الدولية التى تنص على مبدأ استقلال القضاء، والتى وقعت مصر عليها لا بد أن تحترمها، كما أن ما يحدث للقضاء المصرى وما يواجهه من انتهاكات وتجاوزات وإساءات باتت معروفة للجميع فى الداخل والخارج وغير خفية على أحد، لذا فعرض قضيتنا وإطلاع العالم على الانتهاكات التى تحدث لنا ليس بمثابة تدويل للقضية.
■ تعليقك على المشروع المقدم من بعض القوى للسلطة القضائية؟ - المشروع لا يهدف إلى تدعيم استقلال القضاء، ولكن يتضح أنه تم وضعه بغرض انتقامى وللتنكيل بالقضاة، ولنا عليه كثير من الملاحظات بل والمطاعن التى يُعَد أهمها أن مقدميه أحدهم سبق وتجاوز فى حق القضاة والقضاء، وسبهم وتم تقديم نحو 1200 بلاغ ضده، لا سيما مع تكرار الإساءات والتجاوزات من جانبه فى حق القضاة، بما يفقده ومن معه من أشخاص الحَيدَة التى تؤهله لتقديم مشروع قانون السلطة القضائية، بالإضافة إلى أن المشروع لم يحقق أيا من مطالبنا السابقة مثل نقل تبعية التفتيش القضائى من وزارة العدل إلى مجلس القضاء الأعلى دعما لاستقلال السلطة القضائية، ولم يقترب من المواد التى تساعد على اختراق السلطة التنفيذية للسلطة القضائية مثل اختيارها رؤساء المحاكم الابتدائية.
■ هل يرفض القضاة صدور قانون السلطة القضائية من «الشورى» لسيطرة الإخوان عليه؟
- تحفظات القضاة على المجلس القائم بالتشريع حاليا لها أكثر من سبب، ربما أهمها سيطرة تيار بعينه عليه، وهو نفس التيار المعادى للقضاة الذى صدرت عنه إساءات وتجاوزات فى حق القضاة والسلطة القضائية، فهذا المجلس فقد بأعضائه وتشكيله الحالى كل الحيادية التى تعطيه الحق لمناقشة هذا القانون، بالإضافة إلى أن مجلس الشورى لم يتم انتخابه لسن التشريع فى الأصل ولكن يختص بالتشريع بشكل استثنائى لفترة مؤقتة ولمواجهة حالات الضرورة، مثل إعداد قانون انتخابات مجلس النواب أو قانون مباشرة الحقوق السياسية، لكننا لا نجد أى ضرورة تستوجب الإسراع فى وضع قانون السلطة القضائية، كما أن المجلس لم ينتخب إلا ب«7%» من الكتلة التصويتية للناخبين، وفى هذا إهانة لقانون السلطة القضائية الذى يُعَد قانونا مُكَمِّلا للدستور، بما يعنى ضرورة موافقة البرلمان بغرفتيه «الشعب والشورى» على القانون، فضلا عن ضرورة عرضه على مجلس القضاء الاعلى لإبداء رأيه فيه طبقا للقانون.
■ كيف ترى أداء مجلس القضاء الأعلى؟
- منذ البداية كان لنا تحفظات على أداء مجلس القضاء الأعلى، ولكننا نلتمس له العذر، فهذه الهجمة على القضاء غير مسبوقة، ووقعت علينا وعليهم بصفة خاصة موقع الصدمة، وشيوخنا الأجلاء أعضاء المجلس قضوا فى القضاء نحو 50 عاما من عمرهم لم يروا خلالها مثل تلك الهجمة حتى عام 1969 فى مذبحة القضاء، لذا كانت ردود أفعاله ليست على مستوى الموقف، إلا أنه فى بعض المواقف اتخذ الخطوات المناسبة حتى وإن كانت غير مرضية لجموع القضاة، ومنها ما حدث مع المستشار طلعت عبد الله الذى ناشده المجلس قبل وبعد الحكم لترك المنصب، إلا أنه فوت جميع الفرص للخروج من الأزمة بكرامة وعزة، ووصل بنا إلى تلك الحالة المتردية من الإهانة والمهانة.
■ هل تعتقد أن حراك القضاة الحالى كاف لتغيير الواقع القضائى المرير الذى نعيشه؟
- فى ما سبق كان مجرد دعوة نادى القضاة إلى جمعية عمومية طارئة كانت تهتز لها أركان الدولة كاملة، وكان يسارع نظام الحكم للوقوف على أسباب غضبة القضاة ويبادر بالاستجابة إلى مطالبهم ولو بشكل جزئى،
لذلك على مؤسسة الرئاسة أن تتحمل مسؤوليتها فى الحفاظ على القضاء، لأنه ليس من مصلحة أحد ولا نظام الحكم نفسه هدم السلطة القضائية، لأنه يؤدى حتما إلى إهدار الشرعية.
■ ما رأيك فى حوار الرئاسة مع قضاة الاستقلال؟
- هذا المسلك تخوينى والغرض منه الفرقة بين القضاة، لكن القضاة ليس بينهم فرق ولا شيع، وهم على قلب رجل واحد فى ما يتعلق بمواجهة كل ما يمس استقلال القضاء، ومسألة دعوة قضاة الاستقلال تحمل محاولة لشق صف القضاة، بالإضافة إلى أن القضاة ليس بينهم تيار استقلال وغير استقلال، والأكيد أن من يُطلَق عليهم «قضاة تيار الاستقلال» لن يقبلوا على قضائهم فرقة أو تشرذما، وشأنهم فى النهاية شأننا فى الحرص على استقلال القضاء.