الاحتلال الإماراتي يلهط 85% من الإيرادات .. موانئ أبوظبي "ديليسبس" قناة السويس والموانئ المصرية!    ترامب يتعهد بمساعدة سكان غزة في الحصول على "بعض الطعام"    وزير الشباب يهنئ اتحاد الجمباز بعد حصد 8 ميداليات في بطولة إفريقيا    الاتحاد السلوفينى يطلب جراديشار من الأهلى خلال فترة كأس العالم للأندية    هل تقدم كولر بشكوى ضد الأهلي في «فيفا»؟ وكيل المدرب يحسم الجدل    جداول امتحانات نهاية العام للصف الأول والثاني الإعدادي بمدارس الجيزة 2025 - (مستند)    تكييف صحراوي ينهي حياة طفل صعقا بالكهرباء في «دراو» بأسوان    بالفيديو.. رنا رئيس ترقص مع زوجها في حفل زفافها على أغنية "بالراحة يا شيخة"    الدفاع الروسية: إسقاط تسع مسيرات أوكرانية في أجواء مقاطعتي بيلجورود وكورسك    باستونى قبل مواجهة الإنتر ضد برشلونة: علينا السيطرة على يامال وتفادى أخطاء الذهاب    جداول امتحانات الفصل الدراسي الثاني 2025 في القاهرة لطلاب الابتدائية    هل بدأ الصيف؟ بيان الأرصاد يكشف طقس الساعات المقبلة (عودة ارتفاع درجات الحرارة)    قتلت جوزها بسبب علاقة مع أخوه.. قرار من الجنايات في جريمة "الدم والخيانة" بالجيزة    البابا تواضروس: مصر تعتبر القضية الفلسطينية من أهم أولوياتها    ليلى علوي تقدم واجب العزاء في المنتج الراحل وليد مصطفى    بمباركة أمريكية.. ما دور واشنطن في الضربة الإسرائيلية الأخيرة على الحوثيين؟    "ابدأ حلمك" يواصل تدريباته فى قنا بورش الأداء والتعبير الحركى    محمد عشوب يكشف سبب طلاق سعاد حسنى و علي بدرخان (فيديو)    هل ارتداء القفازات كفاية؟.. في يومها العالمي 5 خرافات عن غسل اليدين    تصعيد عسكري في غزة وسط انهيار إنساني... آخر تطورات الأوضاع في قطاع غزة    شولتز: ألمانيا ستواصل دعمها لأوكرانيا بالتنسيق مع شركائها الأوروبيين    وزير الرياضة يهنئ المصارعة بعد حصد 62 ميدالية في البطولة الأفريقية    التصريح بدفن جثتين طفلتين شقيقتين انهار عليهما جدار بقنا    «حتى أفراد عائلته».. 5 أشياء لا يجب على الشخص أن يخبر بها الآخرين عن شريكه    أسرار حب الأبنودى للسوايسة    المغرب وموريتانيا يبحثان ترسيخ أسس التعاون جنوب-جنوب ومواجهة التحديات التنموية    محافظ سوهاج: مستشفى المراغة المركزي الجديد الأكبر على مستوى المحافظة بتكلفة 1.2 مليار جنيه    جامعة العريش تستقبل وفد الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية    أسعار النفط تتراجع 2.51%.. وبرنت يسجل أقل من 60 دولاراً للبرميل    عاد من الاعتزال ليصنع المعجزات.. كيف انتشل رانييري روما من الهبوط؟    الإفتاء توضح الحكم الشرعي في الاقتراض لتأدية فريضة الحج    أمين الفتوى يوضح حكم رفع الأذان قبل دخول الوقت: له شروط وهذا الأمر لا يجوز شرعًا    زراعة الشيوخ توصي بسرعة تعديل قانون التعاونيات الزراعية    خوفا من الإلحاد.. ندوة حول «البناء الفكري وتصحيح المفاهيم» بحضور قيادات القليوبية    الرئيس عبد الفتاح السيسي يصل مقر بطولة العالم العسكرية للفروسية رقم 25 بالعاصمة الإدارية "بث مباشر"    "الجزار": انطلاق أعمال قافلة طبية مجانية لأهالي منطقة المقطم.. صور    وفاة نجم "طيور الظلام" الفنان نعيم عيسى بعد صراع مع المرض    محافظ القاهرة يعتمد جدول امتحانات الفصل الدراسي الثاني| صور    وضع السم في الكشري.. إحالة متهم بقتل سائق وسرقته في الإسكندرية للمفتي    «هكتبلك كل حاجة عشان الولاد».. السجن 10 سنوات لمتهم بإنهاء حياة زوجته ب22 طعنة    ما حكم نسيان البسملة في قراءة الفاتحة أثناء الصلاة؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    جانتس: التأخير في تشكيل لجنة تحقيق رسمية بأحداث 7 أكتوبر يضر بأمن الدولة    سفيرة الاتحاد الأوروبي ومدير مكتب الأمم المتحدة للسكان يشيدا باستراتيجية مصر لدعم الصحة والسكان    وصلت لحد تضليل الناخبين الأمريكيين باسم مكتب التحقيقات الفيدرالي.. «التصدي للشائعات» تناقش مراجعة وتنفيذ خطط الرصد    حقيقة تعثر مفاوضات الزمالك مع كريم البركاوي (خاص)    لمدة 20 يوما.. علق كلي لمنزل كوبرى الأباجية إتجاه صلاح سالم بالقاهرة    مستشفى قنا العام تنجح في تنفيذ قسطرة مخية لمسنة    "قومي حقوق الإنسان" ينظّم دورتين تدريبيتين للجهاز الإداري في كفر الشيخ    الهند تحبط مخططا إرهابيا بإقليم جامو وكشمير    العملات المشفرة تتراجع.. و"بيتكوين" تحت مستوى 95 ألف دولار    هيئة الصرف تنظم حملة توعية للمزارعين فى إقليم مصر الوسطى بالفيوم    وزارة الصحة تعلن نجاح جراحة دقيقة لإزالة ورم من فك مريضة بمستشفى زايد التخصصي    قطاع الرعاية الأساسية يتابع جودة الخدمات الصحية بوحدات طب الأسرة فى أسوان    الدكتور أحمد الرخ: الحج استدعاء إلهي ورحلة قلبية إلى بيت الله    شيخ الأزهر يستقبل والدة الطالب الأزهري محمد أحمد حسن    محمود ناجي حكما لمواجهة الزمالك والبنك الأهلي في الدوري    نتنياهو: خطة غزة الجديدة تشمل الانتقال من أسلوب الاقتحامات لاحتلال الأراضى    ارتفعت 3 جنيهات، أسعار الدواجن اليوم الإثنين 5-5-2025 في محافظة الفيوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الدستور» تواصل نشر اعترافات د. مصطفى محمود الخاصة: الإبداع والحرية
نشر في الدستور الأصلي يوم 29 - 12 - 2009

د. مصطفى محمود: عندما قال لي إحسان عبد القدوس "خليك في البيت.. دي أوامر"
مصطفى محمود
علاقة أزلية هي التي تحكم حركة الإبداع في اقترابه وتنافره مع السلطة، قد تصل أبعاد هذه العلاقة إلي زواج تام أحياناً.. أو إلي خصومة هائلة مشوبة بالقهر والاضطهاد والسجن والتشريد في أحيان أخري كثيرة.
الخلاصة أن السلطة دائماً تقاوم مسيرة الإبداع، خاصة الأصوات المناوئة لها، ولا تعرف أن الفكر يجب أن يعمل بالأساس ضد استقرارها واحتكارها للحياة وإلا فلن يصبح الفكر فكراً أصلاً، هذه الجدلية التي حكمت العلاقة بين الإبداع والدولة علي مر العصور تستمر حلقاتها حتي عصرنا الراهن بالأساليب القديمة نفسها في القهر والتصفية، لا السلطة تريد أن تتعلم من تجارب التاريخ، ولا الفكر سيغير نفسه بأي حال ليصبح مطية للحكام أيا كانوا.. يبقي دائما كلا المعسكرين يعملان في حركة أبدية قوامها التنافر وصراع الأضداد حتي يأتي الوقت الذي تحترم فيه السلطة حتمية العلاقة بين الإبداع والمقاومة وهي العلاقة التي لو اختفت لتلاشي وجه الإبداع من حيز الوجود.
في الحلقة السادسة من اعترافات د. مصطفي محمود للكاتب الكبير محمود فوزي يتحدث المفكر الراحل عن علاقته بمؤسسة الرئاسة في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، وعن مدي تدخل السلطة في عملية الإبداع من خلال تجربة حية عاشها الراحل العظيم وحرم فيها من ممارسة فعل الكتابة بأوامر رئاسية.
تجربة مصطفي محمود مع الدولة شهادة مهمة علي عصر عاني فيه الكثير من المبدعين ويلات القهر والاضطهاد والمنع في محاولة لسجن الأفكار ومصادرة حرية الإبداع وحق المبدعين في الحياة والتأمل.
يقول د. مصطفي: أري أن أخطاء عبدالناصر كانت أكثر بكثير من حسناته.. فرض أنك بنيت سداً أو مصنعاً ولكنك هدمت إنساناً.. ما الفائدة إذن؟ ليس هناك أي شيء في الوجود يساوي أن تهدم الشخصية المصرية وتهدم الإنسان.
ويضيف الكبير الراحل: كان إحساسي الصادق أن أفعال عبد الناصر كانت خطأ وأن ثماره التي سنجنيها في النهاية ستكون عواقبها وخيمة.
إنها شهادة عقل كبير علي أحداث مضت لكنها تطل من حين لآخر لتكشف مآسي لا تنتهي حتي مع مرور السنوات واختلاف الظرف التاريخي.

أخطاء عبدالناصر أكثر من حسناته.. فما الفائدة من أن تبني سداً أو مصنعاً وتهدم الشخصية المصرية والإنسان؟ لم أتخيل أن أكتب عن هتلر فيمنعني عبدالناصر من الكتابة.. لكنني أفضل من غيري فقد حصل الجميع علي حصصهم منه سجناً وتشريداً قال لي طبيب عبدالناصر: الرئيس ممكن يوديني في داهية لو طلبت منه إعادتك للعمل لأنه مريض بجنون العظمة وأعتقد أن الطبيب قتل بسموم صلاح نصر لو كان صحيحاً أن هذه العبارة وصلت لعبد الناصر
د. مصطفي.. كتبت مقالتك عن النازية في مجلة صباح الخير في الستينيات فجلست في المنزل عاماً كاملاً؟!
- من الأشياء الغريبة التي صادفتني في حياتي أن أكتب عن هتلر فيرفدني عبد الناصر عاماً!
هل السبب الحقيقي في منعك من الكتابة هو مقالتك الشهيرة عن هتلر والنازية، أم أن هناك سبباً خفياً آخر؟! وكيف بلغت بقرار إيقافك؟!
- بعد أن كتبت مقالة عن هتلر.. فوجئت بإيقافي عن الكتابة مباشرة.. لم يقل لي أحد عن سبب منعي من الكتابة، ولكني بلغت من إحسان عبد القدوس، قال لي يومها:
- خليك في البيت ما تكتبش!
قلت له: إيه يا إحسان اللي حصل؟
فقال لي: دي أوامر!
والحقيقة أنني أخذت الموضوع ببساطة لأن الجميع ابتداء من إحسان عبد القدوس إلي مفيد فوزي حصلوا علي حصصهم من عبد الناصر، منهم من سجن ومنهم من رفد ومنهم من تعرض لمصاعب كثيرة، فقلت في نفسي، إن حظي أفضل من غيري فقد منعت من الكتابة فقط.
بعد هذا العام استدعاك هيكل إلي مكتبه وقال لك: إيه انت استويت؟!.. لماذا قال لك ذلك؟ هل كنت لحمة مشوية؟!
- وضحك د. مصطفي قبل أن يقول:
قال لي: هذا فعلاً حين دخلت عليه مكتبه.. قال لي: هيه إنت استويت؟ ويبدو أنهم كانوا يريدون أن يسووني علي السفود ويرعبوني!
سألت هيكل: لماذا منعت من الكتابة عاماً؟ فبماذا أجاب عليك؟!
- كانت إجابته: لا تفكر في شيء.. ارجع اكتب وخلاص.. ولم يتحدث في هذا الموضوع مطلقاً.. فأنا قلت له: أريد أن أعرف غلطتي حتي لا أعود إليها.. ما الغلطة التي ارتكبتها؟ فقال لي: لا تفكر في شيء.. ارجع واكتب تاني!
وهل من أجل ذلك هاجمت عبد الناصر في مقالتك الأخيرة «سقوط اليسار»، التي نشرت منذ أسابيع قليلة، والتي قلت فيها إنه قدم 50% رشوة للعمال والفلاحين وأنه حول الجامعات إلي كتاتيب؟!
ألست متجنياً علي عبد الناصر؟ أليست له حسنات وإيجابيات في نفس الوقت؟!
- سبحان من يحصي علي أحد أخطاءه وحسناته.. لكن أنا أري أن أخطاء عبد الناصر كانت أكثر كثيراً من حسناته.. افرض إنك بنيت سداً أو مصنعاً ولكنك هدمت إنساناً.. ما الفائدة إذن؟ ليس هناك أي شيء في هذا الوجود يساوي أن تهدم الشخصية المصرية وتهدم الإنسان.
وإذا كنا بصدد الحديث عن الإنشاءات، فإنه في عهد الرئيس حسني مبارك، ومن قبله الرئيس السادات، أنشئت مدن كاملة ومجموعة من الإنشاءات، وكذلك محطات الكهرباء التي أنشأها ماهر أباظة ومشاريع المجاري هذا فضلاً عن البنية الأساسية..
ألا يمثل كل ذلك إنشاءات تفوق السد العالي عشرات المرات بل لها تأثير مباشر في حياتنا دون أن يسجن فرد.. أم أنه لا بد من إنشاء سد عال، ثم في مقابل ذلك نهدم الشخصية المصرية.
بعد 30 عاماً علي إنشاء السد العالي هل تري أنه كان خيراً علي مصر أو وبالاً عليها؟!
- بلا شك السد العالي مشروع حيوي وضروري لتنظيم مياه النيل، والسدود موجودة في السعودية الآن أكثر من 20 سداً علي امتداد المملكة، وحجمهم يفوق السد العالي أربع أو خمس مرات مثل سد أبها في الجنوب.
الإنشاءات موجودة في العالم كله، وأبلغ دليل علي ذلك هتلر الذي أنشأ الأتوستراد والتصنيع الألماني الخرافي حتي وصل إلي الفيي تو الذي كان يضرب الصواريخ فتصل إلي قلب لندن.. ولكن ماذا حدث في النهاية؟ ضرب بالأحذية!! فما الفائدة أن تبني منشآت حديد وصلب ثم تدمر الناس؟ هذه هي القضية؟
فأنا أضع المصنع في كفة، والإنسان في كفة أخري ولا شيء أغلي من الإنسان أبداً.
ما مصدر الدخل الذي كنت تعتمد عليه أثناء منعك من الكتابة؟!
- حمدت الله أيامها علي أنه كان لي عدة كتب حققت توزيعاً كبيراً، وبالطبع فإنني كنت أعتمد علي إيرادها كدخل ثابت، ثم شغلت بالمسرح فكتبت في هذا العام ثلاث مسرحيات: الزلزال والإنسان والظل والإسكندر الأكبر.
معظم هذه المسرحيات تتناول الديكتاتورية بصورة أو بأخري.. فهل حاولت أن تمسرح الديكتاتورية؟!
- هذا ما حدث بالفعل، فهو مسرح القوة لقد حاولت مسرحة الأزمة وقتها، وبرهاناً علي صدق كلامك فإنك تحس بالحرارة، بالذات في هذه المسرحيات الثلاث من مسرحياتي.. لأنها خرجت في صدق نفسي.
ماذا كان إحساسك في فترة إيقافك عن الكتابة؟!
- كان إحساسي الصادق أيامها أن كل أفعال عبد الناصر كانت خطأ، وأن ثماره التي سيجنيها في النهاية ستكون عواقبها وخيمة. بعد منعي من الكتابة بحوالي عام تدخل وتوسط الشاعر الكبير كامل الشناوي بل فكر الطبيب الكبير أنور المفتي الذي كان يعالج عبد الناصر شخصياً في التحدث إليه بشأني وقال لي: لقد فكرت جدياً يا مصطفي حينما علمت بمنعك من الكتابة أن أتحدث إلي عبد الناصر الذي أُشرِفُ علي علاجه يومياً وفكرت أن أتحدث إليه فعلاً لولا أن عبد الناصر للأسف الشديد لديه عيب فظيع جداً.. إذا طلب منه أحد المقربين إليه شيئاً.
فقد طلب منه حلاقه الخصوصي طلباً فرفده في اليوم نفسه وأتي بغيره في اليوم التالي، لأنه كان يتصور بالحديث إليه أنه مقصر وأنه أتي فعلاً خطأ بإبعاد فلان وإيقافه عن العمل فلما يأتي هذا من طبيبه الخاص فسوف يترتب علي ذلك إبعادي عن عملي!
وسوف يبعدني عن وظيفتي كطبيب خاص له مثلما أبعد حلاقه الخاص.
عبد الناصر يمكن أن يوديني في داهية لو تحدثت إليه بشأنك؟! فقلت للدكتور أنور المفتي:
إلي هذه الدرجة؟!
فرد عليّ الدكتور أنور المفتي بمفاجأة مذهلة قال لي بالحرف الواحد:
عبد الناصر مريض بجنون العظمة!!
جنون العظمة وعنده عصبية غير عادية!!
وخطورة هذا التصريح أنه من طبيب عبد الناصر الخاص!
وبعد ذلك بعدة سنوات مات الدكتور أنور المفتي فجأة وقيل كلام كثير.. زوجته قالت ليلة موته أنه نظر في المرآة وقال: لن أعيش أكثر من 8 ساعات!!
لأنه وجد بقبق عينيه يتحرك.. وهذا دليل تسمم!.. زوجته قالت هذا في التحقيق.. وهناك كلام كثير بخصوص أنور المفتي وهل مات موتاً طبيعياً أم قتل؟
وأيهما ترجح أنت شخصياً خاصة أنك كنت من أقرب المقربين للدكتور أنور المفتي؟.
- والله بعد أن قال الدكتور أنور المفتي: إن عبد الناصر عنده جنون عظمة.. أعتقد أن هذه العبارة لو وصلت لعبد الناصر فإن أنور المفتي في هذه الحالة لم يمت ولكنه قتل!!
وأنت تعلم بالطبع اعترافات صلاح نصر في التحقيقات بأنه كان لديه سموم قاتلة لا يستعملها إلا بأمر من الرئاسة فإذا تسرب مثل هذا القول لعبد الناصر.
ومن قائله؟!.. طبيبه الخاص فإنني أرجح ألفاً في المائة مقتل أنور المفتي!!
ولماذا لا يكون قد تسرب هذا القول عن طريقك أنت؟!
- لا.. ليس عن طريقي ولكن من الجائز أن يكون قد تسرب عن آخر.. ولو وصل إلي عبد الناصر مثل هذا الكلام لأصبح هذا دليلاً علي مقتل أنور المفتي خاصة في ظل أقوال زوجته في التحقيقات والتي أكدت من خلالها مقتله بالسم!
المهم أن كامل الشناوي قد توسط لدي هيكل.. فهو الوسيط الوحيد.
لماذا هيكل هو الوسيط الوحيد لدي عبد الناصر؟!
- هيكل هو الوحيد الذي كان له مدخل علي عبد الناصر.. وأنا أعتقد أن الاشتراكية نفسها خرجت من هيكل.. والميثاق الوطني أيضاً كلام هيكل.. وعبد الناصر لم يكن يفهم كل هذا الكلام، هذه هي أفكار هيكل.. ولهذا كان اعتقاد هيكل بأنه الوريث الشرعي للحكم بعد موت عبد الناصر.. لأنه هو الذي صعد هذه الأفكار.. وهو صانع الاشتراكية.. فأنا أؤكد أن صانع خرافة الاشتراكية ليس عبد الناصر ولكنه هيكل.. فعبد الناصر لم يكن لديه وقت يقرأ فيه أو يعرف شيئاً عن كل هذه الأفكار ولم يكن يعرف ماركسية ولا ماركسي ولا كل هذه الأفكار.
هل كان هيكل من وجهة نظرك هو الحاكم الفعلي لمصر من وراء ستار؟!
- كان هو الحاكم الفعلي، وكان وراء كل هذه الاتجاهات التي حدثت ابتداء من الاتجاه الاشتراكي حتي كل الأحداث التي عشناها.
هل كلمة هيكل لك أحدثت نوعاً من الرقابة علي سن قلمك؟.
- لا لم تكن هناك رقابة من داخلي ولكنني أحسست من هو الذي أتعامل معه؟. نوعية السلطة التي أتعامل معها؟.. فأنت في لحظة تكون داخل السجن وحتي ما يمكن أن تكتبه لا يخرج إلي حيز الوجود فما هي قيمة التضحية إذن؟!.. قديماً كان الكاتب يعبر عن رأيه وينشره ثم بعد ذلك يتم إعدامه، ولكن بعد أن تكون كلمته قد وصلت إلي الناس بالفعل.. إنما في حالتنا هذه فإن الكلمة لن تصل، وغاية ما هناك أنك سوف تسجن ولا يعرف أحد أين أنت؟ ولا يعرف أحد من قتلك؟! إذن ليست هناك أي قيمة لأي تضحية يمكن أن تضحي بها؟
ألم تحدث رقابة داخلك من الخوف بعد عودتك إلي الكتابة.. ماذا كنت تكتب بعد هذه المرحلة؟!
- بدأت أكتب موضوعات غريبة عن أينشتاين وغيره، وكأنني لست في مصر ولكن في المريخ! لكن كنت في الوقت نفسه أحس كأنما هناك شيء داخلي يريد أن يخرج.. كنت أريد أن أقول رأيي في الاشتراكية ولكني كنت مخنوقاً.. ولكن كيف أقول رشأيي إذن.. اهتديت إلي طريقة هي أن أكتب وأحفظ ما أكتبه في «سحارة» ولهذا فقد كتبت كتاب «الإسلام والماركسية» كاملاً في ذلك الوقت ووضعته في السحارة حتي مات عبد الناصر وجاء عصر السادات، وبعد ذلك أخرجت الكتاب لينشر في صباح الخير.. وكان وقتها عبد الرحمن الشرقاوي رئيساً لمجلس إدارة المؤسسة واعترض صلاح حافظ وزملاؤه بالطبع علي نشر هذا الكتاب فذهبت فوراً إلي صديقي عبد القادر حاتم وكان وزيراً للإعلام وصارحته بالأمر فقال لي: سوف أتصل بالرئيس السادات فقال له السادات: كتاب مصطفي محمود ينشر كاملاً وبصورة لائقة في صباح الخير!
فأبلغ حاتم ما قاله السادات للشرقاوي وقال له: هذه هي أوامر الرئيس!
ولكن يبدو أن الشرقاوي ظن أن هذا الكلام غير حقيقي فلم يهتم بالكتاب.
فقلت ثانية لعبد القادر حاتم فحدد موعداً للشرقاوي في الأهرام لمقابلته.. وما أن رآني الشرقاوي في مكتب حاتم بالأهرام حتي أخذني بالأحضان وقال لي: كتابك تحفة رائعة وأنا سوف أنشره ابتداء من هذا الأسبوع؟!
هل تستطيع علي حد تعبير الشاعر محمد إقبال أن نطبق الإسلام كنظام اجتماعي وأن نرفضه كنظام سياسي؟
- هناك فرق بين أن تستمد وتستلهم الأصول، وبين أن تطبق تطبيقاً مشرفاً لعصر سلفي لدرجة أن يخرج من يقول: إن الناس كانت تأكل بأصابعها ويجب أن نأكل بأصابعنا.. وإن الذقون كانت الشكل الفلاني.. طويلة كانت أو قصيرة ويجب أن نقلدها.. ويجب أن نقصر الثوب ونركب البغلة!
هؤلاء للأسف الشديد فهموا السنة فهماً خاطئاً.. فالسنة ليست الأعراف السائدة لعصر من العصور.. ماذا تأكل؟ وماذا تشرب؟ وهل نأكل بملاعق أو سكاكين أم نأكل بأصابعنا؟!
ليست هذه هي السنة.. ولكن السنة هي أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام.
فما فائدة أن يقصر الإنسان ذقنه أو يطولها وهو في الأصل إرهابي؟ وهل هناك ذقن أكبر من ذقن الخميني؟ بل إن ذقن كارل ماركس أطول من ذقن الخميني.. ما الفائدة أن تطول ثوبك أو تقصره؟ المهم هو الأخلاق أولا وأخيراً.
الآن تجد البعض يقف في خطبة الجمعة ساعتين بينما كان الرسول صلي الله عليه وسلم يلقي خطبة لا تتعدي دقائق معدودات.. لماذا لا نأخذ السنة في هذه؟!
النبي صلي الله عليه وسلم كان يخفف علي الناس.. كان لا يسبب رعباً أو يثير مشاعر الناس بل كان رحيماً بهم. فالنبي حين دخل مكة منتصراً سأل الذين كانوا يضربون المسلمين.. ما تظنون أني فاعل بكم؟!
قالوا:
أخ كريم وابن أخ كريم
قال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء.
ولكن حين دخل الخميني ماذا فعل بخصومه؟ علقهم علي الأبواب بأحبال المشانق!!
هذا إسلام وهذا إسلام.. ولكن أيهما الإسلام الحقيقي؟
ولا بد أن نكون متفهمين لجوهر الموضوع؛ فالإسلام أولاً: إحياء ضمائر وإصلاح أفراد من غيرهم لا يتقدم المجتمع.
هل تري تطبيق الشريعة الإسلامية كلياً مثل تجارب إيران والسودان أو تري تطبيقها تدريجياً؟!
- لا شك أن الشريعة الإسلامية هي المطمع الذي لا يختلف عليه اثنان، ولكن أن يأتي طالب ساقط ثانوية عامة ويمسك شمروخاً في يده محاولاً عمل انقلاب إسلامي في 24 ساعة من أجل تطبيق الفضيلة في 24 ساعة فهل يمكن أن يتحقق ذلك في 24 ساعة؟!.. هل يمكن أن تأتي الفضيلة بمرسوم وزاري؟!
هؤلاء فهموا المسائل خطأ.. فلا يغير الله ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم.. يبقي الأول تغيير النفس.. هذه هي المرحلة الأولي: إذن.. أن تطبق الشريعة أولاً علي نفسك ثم بعد ذلك علي المجتمع.
أريد أن أوضح مسألة في غاية الخطورة وهي أن عملية التغيير الاجتماعي لا يستطيع أن يقوم بها إلا الله سبحانه وتعالي.
فالله عز وجل يخاطب النبي صلي الله عليه وسلم «لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم».
إذن فالله يقول: أنت يا نبي ومعك الأموال لن تستطيع، فهل يمكن لساقط ثانوية عامة أن يمسك في يده شمروخاً ويعمل وحدة عربية كيف؟! إذا كان النبي ومعه أموال الدنيا كلها لم يستطع، إذن فالمرحلة الأولي ابدأ بنفسك.. وهذا منتهي التدريج، طبق الشريعة علي نفسك أولاً.. ربنا يقول لعيسي في حديثه القدسي:
«يا عيسي عظ نفسك فإذا اتعظت فعظ الآخرين وإلا فاستح مني».
إذا كان الإسلام تقدمياً بطبعه وديناً اجتهادياً معاصراً فلماذا إذن العودة إلي السلفية الجامدة؟!.
هذا خطأ كبير، وأمراض نفسية أولاً وأخيراً فكل شخص يتصور أنه مفتي الإسلام، وإذا اختلفت معه في رأي يكفرك.. وهذه أصلاً أخلاق غير إسلامية.. الإسلام دين اجتهاد، ودين عقل، ودين معاصر جداً، وليس ديناً شكلياً أو دين طقوس لدرجة أنه لا يوجد شيء اسمه زي إسلامي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.