يوم 28 سبتمير يعني الكثير عند جمال عبدالناصر، فهو اليوم الذي مات فيه مشروع الوحدة مع سوريا ووقع فيه الانفصال بثورة الضباط البعثيين (61)، وهو التاريخ الذي اعترف فيه عبدالناصر بثورة عبدالله السلال في اليمن مع إعلان تأييده لها وهو التأييد الذي مات بسببه كثيرون من الجيش المصري (62)، وفي (70) توفي، وبينما كانت روح عبدالناصر تنتقل إلي الرفيق الأعلي كان يتم نقل معبدي أبو سمبل إلي موقعهما الجديد فوق الهضبة بعيدًا عن بحيرة السد العالي. كان للأزهر كلمة في الزي العام للمجتمع، فقد اعترض الشيخ الخضر حسين شيخ الأزهر (52) علي اقتراح القبعة غطاء للرأس قائلاً: ليس من المحتم علي أي أمة أن تجاري الشكليات التي لا تناسبنا حتي ولو كانت عالمية، تغيرت أيضًا شكليات كثيرة في حياتنا، فقد منع وزير الداخلية في العام نفسه المجاهرة بالإفطار في رمضان في المحال والأماكن العامة، وبعدها بثلاثة أعوام تم تجريم لعب القمار في الأماكن العامة، وبعدها بخمسة أعوام تم تغيير اسم البوليس إلي الشرطة، وتم تغيير اسم المديريات إلي محافظات (مثلما كان النظام السوري يفعل أثناء الوحدة)، وفي سبتمبر «71» تغيَّر الاسم من الجمهورية العربية المتحدة إلي جمهورية مصر العربية ومن مجلس الأمة إلي مجلس الشعب وتغيَّر شعار الدولة من الاتحاد والنظام والعمل إلي العلم والإيمان، وبعد حرب أكتوبر تغيَّر النشيد الوطني من (والله زمان يا سلاحي) إلي (بلادي بلادي) وقد حصل محمد عبدالوهاب علي رتبة لواء بعد أن أعاد توزيع النشيد الجديد وأفقده كل ما به من حماس، مؤلف نشيد (بلادي بلادي) محمود محمد صادق تُوفي قبل أن يسعد بسماع نشيده كسلام وطني، وقد تُوفي قبلها بأشهر قليلة، بينما أسعد الحظ (أندريه رايدر) ملحن (والله زمان يا سلاحي) بالوفاة قبل أن يري سيد درويش يقصيه عن منصة المجد والتاريخ. جانب درامي آخر يمكننا مشاهدته في تواريخ الوفاة، حيث كان بيرم التونسي والشيخ زكريا أحمد فريق عمل متميزًا قدَّم العديد من أغنيات أم كلثوم، تُوفي بيرم التونسي أولاً في يناير «61» وحزن عليه الشيخ زكريا حزن الأرامل، وفي ذكري أربعين بيرم تُوفي الشيخ زكريا، فريق عمل آخر مكون من المخرج فطين عبدالوهاب وإسماعيل يس، تُوفي فطين أولاً في أول مايو «72» وأسرع إسماعيل يس للحاق به قبل نهاية الشهر نفسه، الأمر نفسه حدث مع اثنين يمكن وصف الصداقة الكائنة بينهما بأنها صداقة لدود، حيث كانا في تنافس مستمر وهما أبو السعود الإبياري وجليل البنداري، وكلاهما كان شاعرًا غنائيًا وسيناريست وكاتبًا مسرحيًا، وكان العمل الفني في مصر مقسمًا بينهما تقريبًا، سرق الأول الأضواء برحيله المفاجئ في يوليو «68» وأبي الثاني أن يسرق منافسه البساط من تحت قدميه فلحق به في العام نفسه. ويكشف لي تاريخ الوفيات أسماء فنية تحولت أعمالهم إلي تراث دون أن نعرف أصحابها، بما يعني أن أعمالهم صارت أشهر منهم مثل إبراهيم جكلا ملحن (يالا حالا بالا هنوا أبو الفصاد)، وسيدة حسن مطربة (مبروك عليكي عريسك الخفة)، وحسين المانسترلي مؤلف (وحوي يا وحوي) وصقر علي ملحن نشيد (إسلمي يا مصر) وصالح عبدالحي مطرب (ليه يا بنفسج) وقد رحلوا جميعًا في سنة واحدة (1962)، في المقابل ولد ناصر والسادات في عام واحد (1918) وكذلك شكوكو وإسماعيل يس (1917) وفي هذا العام نفسه ولد حماقي الأول (الملحن محمد الحماقي صاحب لحن آه يا معلم يا معلم) الذي تغنت به صباح والتي ولدت في العام نفسه الذي ولد فيه شريكاها في النجاح (الملحن محمد الموجي والشاعر مرسي جميل عزيز). أما تاريخ 5 يونيو فلم يكن محملاً بالهزيمة فقط، فقد شهد صدور العدد الأول من الأخبار (51)، وفي التاريخ نفسه (56) وقعت جريدة الأهرام عقدًا مع محمد حسنين هيكل لتولي رئاسة تحريرها، أما السادس من أكتوبر فلم يكن يعني النصر فقط لكنه أيضًا التاريخ الذي شهد صدور العدد الأول من جريدة المساء(56) برئاسة خالد محيي الدين عضو قيادة مجلس الثورة، وقد حدد ناصر أن تكون هذه الجريدة يسارية وليست شيوعية، وهو التاريخ الذي حضر فيه السادات ليعلن قبوله قرار المجلس ترشيحه رئيسًا للبلاد (70)، وكان أول قرار صدق عليه هو قبول استقالة هيكل من منصبه كوزير للإرشاد القومي(وهو التاريخ الذي اُغتيل فيه 81)، وفي التاريخ نفسه سنة (56) قامت الحكومة المصرية بنقل اللواء محمد نجيب المعتقل في المرج، قامت بنقله رغمًا عنه وسرًا إلي مدينة طما بصعيد مصر تحديدًا محافظة سوهاج. جدير بالذكر أن الصعيد شهد أول مباراة لكرة القدم في مصر حسب شهادة جريدة الأهرام في يناير (1903) وكانت المباراة بين مدرسة إسنا ومدرسة سوهاج وكان المفتش الإنجليزي حكمًا بينهما (بما يعني أنها المرة الأولي التي تتم فيها الاستعانة بحكام أجانب) وللأمانة التاريخية كان الفوز لتلاميذ إسنا، بالمناسبة كان دخول صعيد مصر أو الخروج منه ممنوعًا إلا لمن يمتلك جواز سفر، وقد ألغت السلطات هذا القانون في يونيو 1919.