قراءة فى نصوص لروائيين ينتمون لفترات زمنية متابينة. رغم الدعاوى المتكررة والنظرة المتوجسة من جانب المبدعين إلى النقاد الأكاديميين والاتهامات التى تلاحقهم بأنهم لا يغادرون أسوار الجامعة ولا يكادون، فإن منهم من يمارس النقد خارج هذه الأسوار ويقرأ النصوص الراسخة والجديدة على قدم المساواة ويتابع النتاج الإبداعى فى كل أشكاله وصوره ويشارك بمساهمة فاعلة ومنتجة فى الحركة النقدية والإبداعية، وإن كان نصيبهم من الظهور والانتشار دون ما يكافئ جهدهم ونشاطهم.
فى كتابه الجديد «ميادين الغضب.. قراءات فى روايات مصرية»، يواصل حمودة تقديم قراءاته اللافتة لعدد من أهم وأبرز النصوص الروائية المصرية منذ نجيب محفوظ حتى ميرال الطحاوى، ضمن مشروع طويل وممتد لدراسة النتاج الروائى المصرى، وتتبع نصوصه المهمة والكشف عن دلالاتها وارتياد آفاق جديدة لتأويلها. هذه القراءات التى تضمنها الكتاب، وحسب حمودة فى تقديمه لها، ليست أكثر من محاولة للإصغاء إلى نبرات فى نصوص مجموعة من الروايات المصرية كتبها روائيون وروائيات ينتمون إلى فترات زمنية متباينة وإلى اتجاهات متعددة وإلى طرق متنوعة فى الكتابة. وعبر قسمى الكتاب، يتجلى بوضوح الاتساق النظرى للناقد مع القراءات التطبيقية، فكل عمل أدبى يقترح على ناقده الكيفية المناسبة التى يمكن أن تفيد من هذا المنهج أو ذاك أو أن تمزج بين مناهج متعددة أو أن تسعى إلى البحث عن منهج آخر.
القسم الأول مخصص لأعمال روائية مفردة، قارب فيها روايات (الحرام) ليوسف إدريس، و(فساد الأمكنة) لصبرى موسى و(واحة الغروب) لبهاء طاهر، و(صخب البحيرة) لمحمد البساطى، و(الطواحين) ليوسف أبو رية، و(نبيذ أحمر) لأمينة زيدان، و(شبرا) لنعيم صبرى.
أما القسم الثانى فيضم معالجات ل«ظاهرة» بعينها يتتبعها الناقد عبر عدة نصوص، أو «تجربة» يترصد معالمها ويلملم خيوطها فى نصوص أخرى، وهو جهد استقصائى تأملى فى المقام الأول، ينبنى على متابعة دقيقة ووافية لنصوص كثيرة يصعب حصرها.
واستهل حمودة دراسات هذا القسم بتحليل ثلاثة أعمال ينتمى أصحابها إلى جيل الستينيات الكبار «صنع الله إبراهيم، وعبد الحكيم قاسم، وضياء الشرقاوى»، تقاطعت حول فكرة «المدينة سجنا.. العالم سجنا»، وهى التى شكلت الدراسة الأولى من هذا القسم. أما كتابة البنات أو التى اصطلح على تسميتها كذلك فى منتصف التسعينيات من القرن الماضى، فخصص حمودة لبعض نماذجها دراسة بعنوان «سرد الروايات».
وتبقى الدراستان الأخريان فى القسم الثانى من الكتاب من أهم ما قدم حمودة من استبصارات نقدية كاشفة فى سياحاته الطويلة فى مدونة الروايات المصرية خلال نصف القرن الأخير، حيث رصد فى أولاهما (فجيعة الموت، فجيعة الغياب تناولات الموت فى نماذج من الرواية المصرية)، بينما قدم فى الثانية؛ وعنوانها «ميادين الغضب، قراءة فى مشاهد روائية»، استقراءً متأنيا للمشاهد الروائية التى دارت حول حدث «الثورة» فى خمس روايات تعد علامات فى تاريخ الرواية المصرية.