منها مبادلة الديون.. مصر والصين توقعان مجموعة وثائق لتعزيز التعاون المشترك    «النقل» تستهدف جذب مليون سائح سنويًا من محطات الكروز السياحية    مباحثات مصرية كندية للتعاون بمجال تطوير عمليات البحث والتنقيب عن البترول والغاز    بريطانيا وفرنسا توقعان اتفاقية بشأن تنسيق الردع النووي    وزير الدفاع التونسي: مشروع "إعلان تونس" سيكون مرجعا دوليا لحماية المدنيين    زعيم الحوثيين: هجماتنا في البحر الأحمر تأتي ردا على محاولة إعادة تشغيل ميناء إيلات    رسميًا.. انتقال أقطاي عبد الله إلي صفوف إنبي    علي جبر: بيراميدز يمتلك أقوى إسكواد في إفريقيا.. و"عوامل خارجية" سبب خسارتنا للدوري والكأس    بالصور.. بحضور فتحي عبد الوهاب وبيومي فؤاد ونجم المنتخب زيزو    مهرجان الإسكندرية السينمائي ينعى المخرج سامح عبد العزيز: فقدنا أحد صناع الصورة المبدعين    "السقطي" يوضح تداعيات حريق سنترال رمسيس على قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة    3 مرشحين فى اليوم الأخير.. 13 مرشحا يتقدمون بأوراقهم لانتخابات الشيوخ بالأقصر    آرسنال يضم الدنماركي كريستيان نورجارد كصفقة ثالثة في الميركاتو الصيفي    شيكابالا يوجه رسالة دعم لإبراهيم سعيد: "لا شماتة في الأزمات"    الأهلي يراقب إياد العسقلاني تحسبًا لرحيل أشرف داري    "أما براوه".. طالبات الثانوية العامة بكفر الشيخ يحتفلن بانتهاء الامتحانات بالمزمار والطبل البلدي (صور)    متحدث الوزراء: الدولة لا تعتمد على سنترال واحد ومنظومة الاتصالات أثبتت كفاءتها    أوبك تخفض توقعات الطلب العالمي على النفط للسنوات الأربع المقبلة    وزيرا الإنتاج الحربي والكهرباء يبحثان تدبير احتياجات شركات الكهرباء من الخامات والمستلزمات    إشادات واسعة ل سارة التونسي بعد تألقها في مملكة الحرير بدور ريحانة    تعليم البحيرة تعلن بدء المرحلة الأولى لتنسيق القبول بمدارس التعليم الثانوي الفني    محافظ كفر الشيخ يهنئ أبطال المحافظة المشاركين في تتويج منتخب مصر البارالمبي للكرة الطائرة ببطولة إفريقيا    تقارير تونسية: انتقال غربال إلى الزمالك يبدو صعبًا.. وأوروبا أولوية اللاعب    «بمشاركة صلاح».. موعد مباراة ليفربول وبريستون والقنوات الناقلة    بعد مقتل إسرائيلي في هجوم فلسطيني بالضفة.. أبوعبيدة: من الخليل إلى جنين يواصل الفدائيون بطولاتهم    «قصر العيني» تستقبل سفير كوت ديفوار لبحث التعاون في إطلاق البرنامج الفرنسي الطبي «KAF»    محامٍ يسلم نفسه لتنفيذ حكم بالسجن 10 سنوات في قضية تزوير توكيل عصام صاصا    الأمن الاقتصادي: ضبط 5600 قضية في حملات موسعة خلال 24 ساعة (تفاصيل)    تحرير 521 مخالفة ل«عدم ارتداء الخوذة» وسحب 943 رخصة خلال 24 ساعة    رئيس الوزراء يفتتح مقر مكتب خدمات الأجانب بالعاصمة الإدارية الجديدة    "وزير قطاع الأعمال: العمال العمود الفقري ولن يتطور القطاع دون مشاركتهم    ما لك وما عليك.. تطبيق قانون العمل الجديد رسميا أول سبتمبر    لشباب الباحثين.. إطلاق البرنامج التدريبي الصيفي للسلامة والأمان الحيوي بجامعة بنها    مشاركة متميزة لقنصلية دولة فلسطين في معرض مكتبة الإسكندرية للكتاب    إغلاق باب المشاركة في دورة «كوكب الشرق» ب ملتقى القاهرة للمسرح الجامعي    ياسر ربيع يكتب : من قلب ال " فيلينج " للتشكيلية مها الصغير: " انا لا ارسم ولكني اتجمل"    وزير الصحة يعقد اجتماعًا لمتابعة العمل بمنظومة خدمات نقل الدم القومية    وزير الصحة يعقد اجتماعًا لمتابعة مستجدات العمل بمنظومة خدمات نقل الدم القومية    المفتي السابق يوضح حدود الاستمتاع بين الزوجين أثناء الحيض    لله درك يا ابن عباس.. الأوقاف تنشر خطبة الجمعة المقبلة    أحمد عصام السيد فديو بلوجر في فيلم "الشاطر" أمام أمير كرارة وهنا الزاهد    وكالة الأنباء المغربية: إعادة فتح سفارة المملكة المغربية في دمشق    الهيئة العليا للوفد تطالب عبد السند يمامة بالاستقالة    "الصحة" تنظم أول ورشة عمل في مصر بالتعاون مع مركز برشلونة لسرطان الكبد    تصل للفشل الكبدي والأورام.. دليلك للوقاية من مضاعفات الكبد الدهني    جمال شعبان يحذر من ألم البطن.. علامة خادعة تنذر بأزمة قلبية    قراءة مبسطة فى قانون الإيجارات القديمة بعد التعديلات.. إجابات للمستأجرين والملاك    أهالي القنطرة شرق ينتظرون تشييع جثمان الفنان محمد عواد وسط أجواء من الحزن    باريس سان جيرمان ينهي سجل ريال مدريد المثالي في كأس العالم للأندية    حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 10 يوليو 2025    «التضامن» تقر قيد وتوفيق أوضاع 5 جمعيات في 4 محافظات    متحدث «الصحة العالمية»: مئات الشاحنات تنتظر خارج معبر كرم أبو سالم    طلاب الثانوية العامة بفيصل: امتحان الرياضة التطبيقية مباشر    أمين الفتوى يحذر من الزواج العرفي: خطر جسيم على المرأة (فيديو)    رابط الاستعلام عن نتيجة التظلمات في مسابقة 20 ألف وظيفة معلم مساعد    وزير الدفاع الأمريكي يبحث مع نتنياهو عملية "مطرقة منتصف الليل"    عصام السباعي يكتب: الأهرام المقدسة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 10-7-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عادل عامر يكتب: بدعة تحصين القرارات الإدارية
نشر في الدستور الأصلي يوم 05 - 04 - 2013

إن الدستور يجسم عبقرية الشعب الخاصة، ومرآته الصافية التي تعكس تطلعاته و ثمرة إصراره ونتائج التحولات الاجتماعية العميقة التي أحدثها، وبموافقته عليه يؤكد بكل عزم وتقدير أكثر من أي وقت مضى سمو القانون"تأسيسا على مقتضيات مبدأ المشروعية، ولكفالة احترام السلطات العامة للقانون، استقر الأمر على ضرورة ترتيب القواعد القانونية التي تكون عناصر المشروعية في مراتب متعددة متتالية، بحيث يسمو بعضها على البعض الأخر، في تدرج يشمل كافة هذه القواعد التي تمثل التنظيم القانوني للدولة، فتخضع القاعدة الأدنى مرتبة للقاعدة الأعلى منها مرتبة، فلا تستطيع مخالفتها و إلا عدت غير مشروعة ويتفق الفقه والقضاء أن تدرج القواعد القانونية هو تدرج شكلي من ناحية، وهو تدرج للمرتبة الإلزامية لتلك القواعد: - التدرج الشكلي للقواعد: والذي يرتكز على مرتبة السلطة التي أصدرت القاعدة القانونية، والإجراءات المتبعة في ذلك. - تدرج المرتبة الإلزامية للقواعد القانونية: والذي يعني أن بعض القواعد يتمتع بقوة إلزامية أعلى مما تتمتع به القواعد الأخرى التي تليها في المرتبة. و نود إن نوضح ما هي قاعدتي تدرج القواعد وتقابل الإشكال"

والحقيقة أن مظاهر التدرج تقتصر حقا على القوة القانونية للقاعدة، أو قوتها أو مرتبتها الإلزامية، ومقتضى ذلك أن مبدأ تدرج القواعد القانونية يشمل كافة القواعد القانونية،إن التسليم بالطبيعة القانونية لمبادئ الشريعة الإسلامية، والاعتراف لها بكونها احد عناصر المشروعية، يفرض التساؤل عن مرتبتها بين مصادر القانون الأخرى طبقا لمبدأ تدرج القواعد القانونية؟

الرأي الذي يدافع عنه اتجاه في الفقه وجرى العمل به، هو كون مبادئ الشريعة الإسلامية ليست أكثر من مصدر مادي للتشريع من جهة، ومصدر رسمي احتياطي يلجأ إليه القاضي إذا عازه النص التشريعي من جهة أخرى، غير أن هذا الرأي تعوزه الأسانيد القانونية الكفيلة بالإقناع به ، عكس الرأي الثاني الذي يرى في تلك المبادئ مصدرا رسميا للقانون،تهدف الرقابة على دستورية القوانين , إلى تعزيز أسس وأركان الدولة القانونية القائمة على سيادة القانون والحيلولة دون الخروج على الدستور باعتباره المنظم للقواعد الأساسية الواجبة الاحترام في الدولة وللدفاع عن إرادة الشعب الذي أصدر الدستور و حماية الحقوق والحريات الأساسية للأفراد , ولضمان وجود الرقابة على دستورية القوانين لابد من الإيمان بمبدأ المشروعية ووجود قضاء مستقل , وعلى الرغم من أن الرقابة على دستورية القوانين ليست مرتبطة ارتباط السبب بالنتيجة بوجود قضاء دستوري متخصص , فقد توجد الرقابة الدستورية حتى في غير وجود قضاء دستوري , , فالرقابة السياسية على دستورية القوانين ذات خصوصية فرنسية دعت الظروف السياسية والتاريخية والفلسفية إلى إبعاد القضاء من رقابة الدستورية خشية تغوله على السلطات الأخرى وأصبحت الرقابة السياسية ذات مكانة مرموقة في دستور الجمهورية الخامسة الفرنسي لعام 1958 , وأناط مهمة الرقابة إلى هيئة اسماها المجلس الدستوري.

في حين كانت الرقابة القضائية ذات خصوصية أمريكية طوال القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين , رغم عدم وجود قضاء دستوري متخصص , لكن المحكمة العليا الأمريكية التي هي في قمة التنظيم القضائي أقرت لنفسها حق الرقابة الدستورية منذ عام 1803 في الحكم الشهير الذي حكم به القاضي مارشال في القضية المشهورة ماربوري ضد ماديسون .

ومن ثم فان عدم النص على تنظيم الرقابة الدستورية لا يعني نفيها بل إنها تخضع للمبادئ العامة والعرف الدستوري , ولكن التصور المنطقي والتحليل الواقعي هو الذي دفع بالسلطة في العديد من الدول إلى التفكير بخلق هيئة قضائية للرقابة على دستورية القوانين تكون مهمتها العمل على فرز التصرفات التي وضعت في غير السبيل الذي حددته الأحكام القانونية لحدوثها , ويترتب على ذلك أن عملية الرقابة تؤدي إلى تأكيد صحة التصرفات التي أجريت كما حددها القانون لها لتحقيق المشروعية كما تؤدي إلى تحديد التصرفات الخاطئة لإعادة تقيمها ضمن الحدود القانونية وباتت الحاجة إلى وجود هيئة قضائية مستقلة تأخذ على عاتقها النظر في موضوع الرقابة على دستورية القوانين أمر في غاية الأهمية خصوصا" في البلدان النامية حيث الرأي العام ضعيف أو معدوم وحيث المؤسسات الدستورية هشة والسلطة التنفيذية متسلطة فلا بلائمها لرقابة الدستورية إلا وجود محكمة دستورية تشكل جزءا" من سلطة قضائية تقف على قدم المساواة من السلطتين التشريعية والتنفيذية , فإذا كانت السلطة التنفيذية ذات محتوى سياسي فان السلطة القضائية تتغيا إلى تطبيق القانون بروح الحق والإنصاف والعدالة وتغليب حكم الدستور على سائر القوانين والأنظمة واللوائح وهذا ما يعرف بمبدأ علوية الدستور , وعلى هذا الأساس غالبا" ما تتقاطع تلك الغايات خصوصا" في المسائل ذات المحتوى السياسي والتي تكون الكلمة الفصل فيها للقضاء , وتتسم تلك العلاقة بالتوتر إذا ما انبثقت الحكومة بطريق غير شرعي كالانقلابات العسكرية إذ تعمل جاهدة لتطويع القضاء لخدمة برامجها وأهدافها في إحكام قبضتها على السلطة وقد تظهر المشكلة أيضا" في البلدان ذات الحكومات الشرعية إلا أنها تعاني من خلل توازن السلطات وبالأخص إذا ما عمدت دساتيرها إلى تقوية السلطة التنفيذية على حساب السلطتين التشريعية والقضائية .

أن القانون الإداري يعترف للاداره العامة, بسلطة تقديريه أو بقدر من حرية التصرف في مباشره معظم اختصاصاتها ومسئوليتها القانونية - باعتبارها الامينه علي المصلحة العامة - مثل هذه السلطة أو هذا القدر من حرية التصرف يعد بمثابة الشرط الأول لحياة وبقاء كل أداره, خاصة بعد تعاظم الدور الذي أصبحت تضطلع به الاداره العامة في الوقت الراهن, نتيجة تشعب وتداخل مجالات ومسئوليات الدولة الحديثة وتطبيقا من المشرع لهذه السلطة التقديرية التي منحها للاداره , فقد أعطاها الحق في سحب بعض ما تصدره من القرارات , إذا كانت هذه القرارات غير مشروعه قانونا أو كانت قرارات غير ملائمة ابتغاء للصالح العام وحسن سير المرافق العامة , وللتخفيف من علي عاتق القضاء ,الذي يسهر علي رقابه مشروعيه القرارات الاداريه بالإلغاء والتعويض , فمنح الاداره سلطه سحب قراراتها ليقلل بذلك من حالات اللجوء للقضاء من اجل الطعن في هذه القرارات . ولذلك فانه يجوز للجهة الاداريه سحب القرارات الاداريه المعيبة بعيب عدم المشروعية, وذلك مثل القرارات الاداريه التي لا تولد حقوقا أو لاعتبارات عدم الملائمة,أما بالنسبة للقرارات الاداريه المشروعة هل يجوز للجهة الاداريه مصدره القرار إن تسحب هذا القرار المشروع,استقر قضاء مجلس الدولة الفرنسي ونظيره المصري علي انه لا يجوز سحب القرار الإداري السليم , إلا وفقا للحدود المقررة في القانون في هذا الشأن, وهذه القاعدة مبنية علي أساس عدم رجعيه القرارات الإدارية. إذا كان مقتضى مبدأ المشروعية هو خضوع السلطات العامة لحكم القانون خضوع الأفراد له، فإن أهم الضمانات الكفيلة بذلك هو مبدأ تدرج القواعد القانونية، إذ أن النتيجة الطبيعية له هي خضوع كل سلطة عامة تنشئ القواعد القانونية أو تنفذها إلى أحكام القواعد القانونية التي تعلوها مرتبة، حتى يكون عملها مطابقا لمبدأ المشروعية، فإذا خرجت عليها وخالفت نتائج تدرج القواعد القانونية، فإنها تفقد أعمالها قيمتها القانونية فتجيء باطلة ولا تترتب آثارها المبتغاة منها . وعلى ذلك فمن الضروري تحديد النتائج المترتبة على تدرج القواعد القانونية، ونظرا لأهمية وخصوصية القواعد الدستورية فستتم دراسة نتائج المرتبة التي منحت لها في سلم التدرج القانوني (مطلب أول ) ثم دراسة نتائج التدرج القواعد القانونية الأخرى تأسيسا على مبدأ تدرج القواعد القانونية، تلتزم كل سلطة عامة تنشئ أو تنفذ أو تطبق القواعد القانونية باحترام نتائج هذا المبدأ، ومن بينها تقرير سمو القواعد الدستورية، وفي ذلك احترام لمبدأ الشرعية، الذي يشكل أساس القضاء، فيقع على كافة جهات القضاء- سواء منها المنتمية لسلك القضاء العادي أم الإداري- عبء تطبيق القواعد القانونية، وعلى رأسها القواعد الدستورية على ما يعرض عليها من منازعات . وعلى ذلك فالسلطة القضائية مخاطبة بالخضوع للقواعد الدستورية والنزول عند مقتضياتها، بل وتطبيقها مباشرة دون وساطة القواعد التشريعية متى كانت تقبل ذلك، غير أن هذا الرأي غير مستساغ من البعض، فالقاضي لا يخضع إلا للقواعد التشريعية بالنسبة إليهم، وهو ما يفرض مناقشة هذه المسألة لبيان مدى التزام القاضي بالخضوع للقواعد الدستورية مباشرة (أولا) ثم تحديد مظاهر هذا الخضوع (ثانيا). لذا فإن يوسف عليه السلام- وحتي في زمن الإجراءات القضائية الشفهية- هو أول من استخدم حق الطعن في الحكم الذي صدر في قضية التحرش الجنسي النسائي المشهورة مصداقاً لقوله تعالي بشأن يوسف:

... فَلَمّا جَآءَهُ الرّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىَ رَبّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النّسْوَةِ اللاّتِي قَطّعْنَ أَيْدِيَهُنّ إِنّ رَبّي بِكَيْدِهِنّ عَلِيمٌ . قَالَ مَا خَطْبُكُنّ إِذْ رَاوَدتُنّ يُوسُفَ عَن نّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ للّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوَءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الاَنَ حَصْحَصَ الْحَقّ أَنَاْ رَاوَدْتّهُ عَن نّفْسِهِ وَإِنّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ. ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ. وَمَآ أُبَرّىءُ نَفْسِيَ إِنّ النّفْسَ لأمّارَةٌ بِالسّوَءِ إِلاّ مَا رَحِمَ رَبّيَ إِنّ رَبّي غَفُورٌ رّحِيمٌ. وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمّا كَلّمَهُ قَالَ إِنّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ( ).

فالمستفاد من هذه النصوص من الوجهة العلمية/ التاريخية/ القانونية، هو أن حق الدعوي يختلف عن حق التقاضي الذي يتسع مضمونه لأكثر من دعوي واحدة، لكنه لا يتسع لأكثر من دعويين متعاقبتين زمانياً، وبالتالي فالأصل أن التقاضي علي مرحلتين بالأقل وبالأكثر.

وأيضاً المستفاد، هو أن حق الطعن الجنائي أسبق في الوجود تاريخياً من حق الطعن غير الجنائي، الذي ينبغي أن يؤرخ علمياً له بعد يوسف عليه السلام بأكثر من ألفي سنة تقريباً، أي منذ عصر خاتم الرسل (610- 632 م) في مطلع القرن السابع الميلادي، وذلك سواء بالنسبة لحق الطعن في دعاوي الأسرة، أو بالنسبة لحق الطعن في غيرها من الدعاوي غير الجنائية:

[1] فثابت في الدستور الآلهي المعاصر (القرآن)، أن أول من استخدمت حق الطعن في دعاوي الأسرة، هي «المجادلة» التي استأهلت بهذا أن تكون عنواناً لسورة كاملة من سور القرآن الكريم، هي سورة المجادلة.

فهي قد أتت إلي خاتم الرسل (صلي الله عليه وسلم) في حضور عائشة رضي الله عنها( )، التي روت أن المجادلة عرضت قضيتها علي الرسول مرة تلو مرة تلو مرة- في نفس الوقت- بشأن زوجها الذي ظاهرها(2). وفي كل مرة كان الرسول (صلي الله عليه وسلم) يقضي في هذه القضية بقوله (ما أعلمك إلا قد حرمت عليه)(3). فقالت المجادلة: أشكو إلي الله وما نزل بي وأبا صبيتي(4)، فنزلت في حينه الآيات، بدءاً من قوله تعالي:  قَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيَ إِلَى اللّهِ وَاللّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ...(5).

فالمستفاد من ذلك من الوجهة العلمية/ التاريخية/ القانونية هو أن المجادلة قد صدر في حقها وزوجها حكماً قضائياً من خاتم الرسل بصفته قاضياً في دعوي أسرية، فاستأنفت (إشتكت) هذه الدعوى إلي الله تعالي، الذي قبل استئنافها، وألغي الحكم موضوعاً، وأنزل أحكام الظهار الموضوعية التي تتدارسها المؤلفات الشرعية جيلاً بعد جيل.

[2] وثابت في اللائحة التنفيذية (السنة المحمدية) للدستور الآلهي المعاصر (القرآن)، أن أول استئناف رفع إلي خاتم الرسل (صلي الله عليه وسلم) الذي قضي بقبوله شكلاً ورفضه موضوعاً، وتأييد الحكم المطعون فيه، كان بمناسبة حكم أصدره قاضي اليمن- آنذاك- علي رضي الله عنه في قضية (زبية الأسد).

ويرويها القاضي بنفسه، فيقول «بعثني رسول الله (صلي الله عليه وسلم) إلي اليمن. فانتهينا إلي قوم قد بنوا زبيه للأسد. فبينما هم كذلك يتدافقون، إذ سقط رجل فتعلق بآخر، ثم تعلق الرجل بآخر، حتي صاروا أربعة. فجرحهم الأسد. فانتدب له رجل بحربة فقتله. وماتوا من جراحهم كلهم. فقام أولياء الأول إلي أولياء الأخر فأخرجوا السلاح ليقتتلوا. فأتاهم علي رضي الله عنه على تفقه كذلك. فقال: تريدون أن تقتتلوا ورسول الله (صلي الله عليه وسلم) حي. إني أقضي بينكم قضاء، إن رضيتم به فهو القضاء. وإلا حجز بعضكم على بعض حتي تأتوا النبي (صلي الله عليه وسلم)، فيكون هو الذي يقضي بينكم. فمن عدا ذلك فلا حق له. إجمعوا من قبائل الذين حفروا البئر: ربع الدية، وثلث الدية، ونصف الدية، والدية كاملة. فللأول ربع الدية لأنه هلك من فوقه ثلاثة. وللثاني ثلث الدية، وللثالث نصف الدية، وللرابع الدية كاملة».

ويقول علي رضي الله عنه بشأن استئنافهم وقضاء الرسول فيه «... فأبوا إلا أن يمضوا وأتوا النبي (صلي الله عليه وسلم) وهو عند مقام ابراهيم فقصوا عليه القصة فأجازه رسول الله صلي الله عليه وسلم».

وحاصل ما تقدم، أن نطاق حق التقاضي لا يقتصر علي حق الدعوي المبتدأة وحده، إنما يشمل حق الدعوي المبتدأة وحق الطعن معاً، وليس أكثر من ذلك، ولا- حتي- أقل، وذلك بصرف النظر- حتي- عن تسمية «حق الطعن» في الأدبيات الغربية بعد ذلك ب «حق الاستئناف». فكل ما هناك أن حق الطعن هو حق الطعن في «الحكم» الصادر في الدعوي المبتدأة، بينما حق الاستئناف هو حق استئناف الدعوي المبتدأة ذاتها ونقلها- بالتالي- إلي المرحلة الثانية للتقاضي.

وأيضاً حاصل ما تقدم من الوجهة التاريخية البحتة، هو أن حق الطعن لم ينشأ نشأته الأولي في «الغرب» أصلاً، لا في روما في العصر الإمبراطوري ، ولا- حتي- في فرنسا مع بداية القرن الثالث عشر الميلادي أو مع صدور الأمر الملكي سنة 1541(3). بل كانت نشأته الأولي (في مصر) ونشأته الثانية (في المدينة)، في الشرق العربي. فنشأة حق الطعن قد خضعت للمبدأ المقرر في الدستور الآلهي المعاصر (القرآن) بشأن أي نشأة وكل نشأة، أي مبدأ: النشأة الأولي والنشأة الآخرة، مصداقاً لقوله تعالي: قُلْ سِيرُواْ فِي الأرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمّ اللّهُ يُنشِىءُ النّشْأَةَ الاَخِرَةَ إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(4). فجغرافياً كانت نشأة هذا الحق في الشرق العربي، ولو أن نشأته الأولي كانت في مصر علي يد يوسف عليه السلام، وكانت نشأته الآخرة في المدينة علي يد خاتم الرسل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.