البابا تواضروس يكرم خريجي مركز القديسة ڤيرينا للتمريض    مطران الأراضي المقدسة والقدس والضفة الغربية والأردن ل «البوابة»: وقف إطلاق النار في غزة ثمرة رؤية القاهرة الثاقبة    الخطيب يهنئ «رجال يد الأهلي» ببطولة إفريقيا    صدمة فى فرنسا بعد سرقة متحف اللوفر.. سرقة قطع نادرة من معرض «جاليرى دابولون» الذي يضم جواهر التاج الفرنسي    مهرجان الموسيقى العربية يختتم أعماله بإعلان توصيات تؤكد التوازن بين الإبداع الإنساني والابتكار التكنولوجي    مكاسب جنونية.. 130 جنيها زيادة في أسعار الذهب اليوم 20 أكتوبر    الأهلي يتوج ببطولة أفريقيا لكرة اليد رجال في المغرب    سان دييجو المملوك للمصري محمد منصور يصنع التاريخ في الدوري الأمريكي ويتأهل لأبطال كونكاكاف    التحفظ على والد المتهم والنيابة تطلب تحليل DNA للطفل    إنقاذ الأرواح نجاة أسرة من حريق بالطابق ال 16 فى عقار بالإسكندرية    جامعة قناة السويس تعلن نتائج بطولة السباحة لكلياتها وسط أجواء تنافسية    ترامب: الولايات المتحدة تمتلك أسلحة متطورة لا يعلم الآخرون بوجودها    تامر هاشم يدعم صديق عمره أمير عيد في عزاء والدته    هل يشترط وجود النية في الطلاق؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يجب القنوت في صلاة الوتر؟.. أمين الفتوى يجيب    هل تجوز الأضحية عن المتوفى؟.. أمين الفتوى يجيب    أول وحدة لعلاج كهرباء القلب بالفيوم    الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يفتتح الملتقى الثاني لعُلماء باكستان "تنسيق المواقف ووحدة الكلمة"    منتدى أسوان للسلام منصة إفريقية خالصة تعبّر عن أولويات شعوب القارة    روني: لن أتفاجأ برحيل صلاح عن ليفربول    حقيقة مفاوضات حسام عبد المجيد مع بيراميدز    بريطانيا تتراجع 5 مراتب في تصنيف التنافسية الضريبية العالمي بعد زيادة الضرائب    رئيس جامعة كفر الشيخ يتفقد معامل ومدرجات الطب البيطري لمتابعة أعمال التطوير    وكيل تعليم الفيوم يشيد بتفعيل "منصة Quero" لدى طلاب الصف الأول الثانوي العام.. صور    نقابة الأشراف تعليقا على جدل مولد السيد البدوي: الاحتفال تعبير عن محبة المصريين لآل البيت    هيئة السكة الحديد تعلن مواعيد قطارات المنيا – القاهرة اليوم    محافظ أسوان يتفقد مركز الأورام ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل    محمد الحمصانى: طرحنا أفكارا لإحياء وتطوير مسار العائلة المقدسة    نساء 6 أبراج تجلبن السعادة والطاقة الإيجابية لشركائهن    أمينة الفتوى: الزكاة ليست مجرد عبادة مالية بل مقياس لعلاقة الإنسان بربه    تكريم ستة فائزين بمسابقة المنصور الجامعة للأمن السيبراني    المغرب يستضيف بطولة للكرة النسائية بمشاركة تاريخية لمنتخب أفغانستان    «القومي للبحوث» يناقش تطوير علم الجينوم بمشاركة خبراء من 13 دولة    انطلاق الدورة الرابعة من ملتقى التميز والإبداع العربي لتكريم رموز الفن    هشام جمال يكشف تفاصيل لأول مرة عن زواجه من ليلى زاهر    مصدر من الأهلي ل في الجول: ننتظر حسم توروب لمقترح تواجد أمير عبد الحميد بالجهاز الفني    قرار وزارى بإعادة تنظيم التقويم التربوى لمرحلة الشهادة الإعدادية    ليست الأولى.. تسلسل زمني ل محاولة اغتيال ترامب (لماذا تتكرر؟)    مركزان ثقافيان وجامعة.. اتفاق مصري - كوري على تعزيز التعاون في التعليم العالي    الأمين العام الجديد للشيوخ يجتمع بالعاملين لبحث أليات العمل    تشغيل 6 أتوبيسات جديدة غرب الإسكندرية لتيسير حركة المرور    «العمل»: التفتيش على 1730 منشأة بالمحافظات خلال 19 يومًا    مجلس إدارة راية لخدمات مراكز الاتصالات يرفض عرض استحواذ راية القابضة لتدني قيمته    لعظام أقوى.. تعرف على أهم الأطعمة والمشروبات التي تقيك من هشاشة العظام    وزير الصحة يطلق جائزة مصر للتميز الحكومي للقطاع الصحي    المنظمات الأهلية الفلسطينية: الوضع كارثي والاحتلال يعرقل إدخال المساعدات لغزة    اتصالان هاتفيان لوزير الخارجية مع وزيري خارجية فرنسا والدنمارك    الرئيس السيسي يوجه بمواصلة جهود تحسين أحوال الأئمة والخطباء والدعاة    طالب يطعن زميله باله حادة فى أسيوط والمباحث تلقى القبض عليه    تأجيل محاكمة 3 متهمين بالتنظيم الثلاثي المسلح لسماع أقوال شاهد الإثبات الأول    علي هامش مهرجان الجونة .. إلهام شاهين تحتفل بمرور 50 عامًا على مشوار يسرا الفني .. صور    «نقابة العاملين»: المجلس القومي للأجور مطالب بمراجعة الحد الأدنى كل 6 أشهر    موانئ البحر الأحمر: تصدير 49 الف طن فوسفات عبر ميناء سفاجا    روح الفريق بين الانهيار والانتصار    حبس المتهم بانتحال صفة موظف بخدمة عملاء بنك للنصب على مواطنين بالمنيا    تقارير: اتحاد جدة ينهي تجديد عقد نجم الفريق    التنظيم والإدارة يعلن عن مسابقة لشغل 330 وظيفة مهندس بوزارة الموارد المائية    أسعار البقوليات اليوم الاثنين 20-10-2025 في أسواق ومحال محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عادل عامر يكتب: بدعة تحصين القرارات الإدارية
نشر في الدستور الأصلي يوم 05 - 04 - 2013

إن الدستور يجسم عبقرية الشعب الخاصة، ومرآته الصافية التي تعكس تطلعاته و ثمرة إصراره ونتائج التحولات الاجتماعية العميقة التي أحدثها، وبموافقته عليه يؤكد بكل عزم وتقدير أكثر من أي وقت مضى سمو القانون"تأسيسا على مقتضيات مبدأ المشروعية، ولكفالة احترام السلطات العامة للقانون، استقر الأمر على ضرورة ترتيب القواعد القانونية التي تكون عناصر المشروعية في مراتب متعددة متتالية، بحيث يسمو بعضها على البعض الأخر، في تدرج يشمل كافة هذه القواعد التي تمثل التنظيم القانوني للدولة، فتخضع القاعدة الأدنى مرتبة للقاعدة الأعلى منها مرتبة، فلا تستطيع مخالفتها و إلا عدت غير مشروعة ويتفق الفقه والقضاء أن تدرج القواعد القانونية هو تدرج شكلي من ناحية، وهو تدرج للمرتبة الإلزامية لتلك القواعد: - التدرج الشكلي للقواعد: والذي يرتكز على مرتبة السلطة التي أصدرت القاعدة القانونية، والإجراءات المتبعة في ذلك. - تدرج المرتبة الإلزامية للقواعد القانونية: والذي يعني أن بعض القواعد يتمتع بقوة إلزامية أعلى مما تتمتع به القواعد الأخرى التي تليها في المرتبة. و نود إن نوضح ما هي قاعدتي تدرج القواعد وتقابل الإشكال"

والحقيقة أن مظاهر التدرج تقتصر حقا على القوة القانونية للقاعدة، أو قوتها أو مرتبتها الإلزامية، ومقتضى ذلك أن مبدأ تدرج القواعد القانونية يشمل كافة القواعد القانونية،إن التسليم بالطبيعة القانونية لمبادئ الشريعة الإسلامية، والاعتراف لها بكونها احد عناصر المشروعية، يفرض التساؤل عن مرتبتها بين مصادر القانون الأخرى طبقا لمبدأ تدرج القواعد القانونية؟

الرأي الذي يدافع عنه اتجاه في الفقه وجرى العمل به، هو كون مبادئ الشريعة الإسلامية ليست أكثر من مصدر مادي للتشريع من جهة، ومصدر رسمي احتياطي يلجأ إليه القاضي إذا عازه النص التشريعي من جهة أخرى، غير أن هذا الرأي تعوزه الأسانيد القانونية الكفيلة بالإقناع به ، عكس الرأي الثاني الذي يرى في تلك المبادئ مصدرا رسميا للقانون،تهدف الرقابة على دستورية القوانين , إلى تعزيز أسس وأركان الدولة القانونية القائمة على سيادة القانون والحيلولة دون الخروج على الدستور باعتباره المنظم للقواعد الأساسية الواجبة الاحترام في الدولة وللدفاع عن إرادة الشعب الذي أصدر الدستور و حماية الحقوق والحريات الأساسية للأفراد , ولضمان وجود الرقابة على دستورية القوانين لابد من الإيمان بمبدأ المشروعية ووجود قضاء مستقل , وعلى الرغم من أن الرقابة على دستورية القوانين ليست مرتبطة ارتباط السبب بالنتيجة بوجود قضاء دستوري متخصص , فقد توجد الرقابة الدستورية حتى في غير وجود قضاء دستوري , , فالرقابة السياسية على دستورية القوانين ذات خصوصية فرنسية دعت الظروف السياسية والتاريخية والفلسفية إلى إبعاد القضاء من رقابة الدستورية خشية تغوله على السلطات الأخرى وأصبحت الرقابة السياسية ذات مكانة مرموقة في دستور الجمهورية الخامسة الفرنسي لعام 1958 , وأناط مهمة الرقابة إلى هيئة اسماها المجلس الدستوري.

في حين كانت الرقابة القضائية ذات خصوصية أمريكية طوال القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين , رغم عدم وجود قضاء دستوري متخصص , لكن المحكمة العليا الأمريكية التي هي في قمة التنظيم القضائي أقرت لنفسها حق الرقابة الدستورية منذ عام 1803 في الحكم الشهير الذي حكم به القاضي مارشال في القضية المشهورة ماربوري ضد ماديسون .

ومن ثم فان عدم النص على تنظيم الرقابة الدستورية لا يعني نفيها بل إنها تخضع للمبادئ العامة والعرف الدستوري , ولكن التصور المنطقي والتحليل الواقعي هو الذي دفع بالسلطة في العديد من الدول إلى التفكير بخلق هيئة قضائية للرقابة على دستورية القوانين تكون مهمتها العمل على فرز التصرفات التي وضعت في غير السبيل الذي حددته الأحكام القانونية لحدوثها , ويترتب على ذلك أن عملية الرقابة تؤدي إلى تأكيد صحة التصرفات التي أجريت كما حددها القانون لها لتحقيق المشروعية كما تؤدي إلى تحديد التصرفات الخاطئة لإعادة تقيمها ضمن الحدود القانونية وباتت الحاجة إلى وجود هيئة قضائية مستقلة تأخذ على عاتقها النظر في موضوع الرقابة على دستورية القوانين أمر في غاية الأهمية خصوصا" في البلدان النامية حيث الرأي العام ضعيف أو معدوم وحيث المؤسسات الدستورية هشة والسلطة التنفيذية متسلطة فلا بلائمها لرقابة الدستورية إلا وجود محكمة دستورية تشكل جزءا" من سلطة قضائية تقف على قدم المساواة من السلطتين التشريعية والتنفيذية , فإذا كانت السلطة التنفيذية ذات محتوى سياسي فان السلطة القضائية تتغيا إلى تطبيق القانون بروح الحق والإنصاف والعدالة وتغليب حكم الدستور على سائر القوانين والأنظمة واللوائح وهذا ما يعرف بمبدأ علوية الدستور , وعلى هذا الأساس غالبا" ما تتقاطع تلك الغايات خصوصا" في المسائل ذات المحتوى السياسي والتي تكون الكلمة الفصل فيها للقضاء , وتتسم تلك العلاقة بالتوتر إذا ما انبثقت الحكومة بطريق غير شرعي كالانقلابات العسكرية إذ تعمل جاهدة لتطويع القضاء لخدمة برامجها وأهدافها في إحكام قبضتها على السلطة وقد تظهر المشكلة أيضا" في البلدان ذات الحكومات الشرعية إلا أنها تعاني من خلل توازن السلطات وبالأخص إذا ما عمدت دساتيرها إلى تقوية السلطة التنفيذية على حساب السلطتين التشريعية والقضائية .

أن القانون الإداري يعترف للاداره العامة, بسلطة تقديريه أو بقدر من حرية التصرف في مباشره معظم اختصاصاتها ومسئوليتها القانونية - باعتبارها الامينه علي المصلحة العامة - مثل هذه السلطة أو هذا القدر من حرية التصرف يعد بمثابة الشرط الأول لحياة وبقاء كل أداره, خاصة بعد تعاظم الدور الذي أصبحت تضطلع به الاداره العامة في الوقت الراهن, نتيجة تشعب وتداخل مجالات ومسئوليات الدولة الحديثة وتطبيقا من المشرع لهذه السلطة التقديرية التي منحها للاداره , فقد أعطاها الحق في سحب بعض ما تصدره من القرارات , إذا كانت هذه القرارات غير مشروعه قانونا أو كانت قرارات غير ملائمة ابتغاء للصالح العام وحسن سير المرافق العامة , وللتخفيف من علي عاتق القضاء ,الذي يسهر علي رقابه مشروعيه القرارات الاداريه بالإلغاء والتعويض , فمنح الاداره سلطه سحب قراراتها ليقلل بذلك من حالات اللجوء للقضاء من اجل الطعن في هذه القرارات . ولذلك فانه يجوز للجهة الاداريه سحب القرارات الاداريه المعيبة بعيب عدم المشروعية, وذلك مثل القرارات الاداريه التي لا تولد حقوقا أو لاعتبارات عدم الملائمة,أما بالنسبة للقرارات الاداريه المشروعة هل يجوز للجهة الاداريه مصدره القرار إن تسحب هذا القرار المشروع,استقر قضاء مجلس الدولة الفرنسي ونظيره المصري علي انه لا يجوز سحب القرار الإداري السليم , إلا وفقا للحدود المقررة في القانون في هذا الشأن, وهذه القاعدة مبنية علي أساس عدم رجعيه القرارات الإدارية. إذا كان مقتضى مبدأ المشروعية هو خضوع السلطات العامة لحكم القانون خضوع الأفراد له، فإن أهم الضمانات الكفيلة بذلك هو مبدأ تدرج القواعد القانونية، إذ أن النتيجة الطبيعية له هي خضوع كل سلطة عامة تنشئ القواعد القانونية أو تنفذها إلى أحكام القواعد القانونية التي تعلوها مرتبة، حتى يكون عملها مطابقا لمبدأ المشروعية، فإذا خرجت عليها وخالفت نتائج تدرج القواعد القانونية، فإنها تفقد أعمالها قيمتها القانونية فتجيء باطلة ولا تترتب آثارها المبتغاة منها . وعلى ذلك فمن الضروري تحديد النتائج المترتبة على تدرج القواعد القانونية، ونظرا لأهمية وخصوصية القواعد الدستورية فستتم دراسة نتائج المرتبة التي منحت لها في سلم التدرج القانوني (مطلب أول ) ثم دراسة نتائج التدرج القواعد القانونية الأخرى تأسيسا على مبدأ تدرج القواعد القانونية، تلتزم كل سلطة عامة تنشئ أو تنفذ أو تطبق القواعد القانونية باحترام نتائج هذا المبدأ، ومن بينها تقرير سمو القواعد الدستورية، وفي ذلك احترام لمبدأ الشرعية، الذي يشكل أساس القضاء، فيقع على كافة جهات القضاء- سواء منها المنتمية لسلك القضاء العادي أم الإداري- عبء تطبيق القواعد القانونية، وعلى رأسها القواعد الدستورية على ما يعرض عليها من منازعات . وعلى ذلك فالسلطة القضائية مخاطبة بالخضوع للقواعد الدستورية والنزول عند مقتضياتها، بل وتطبيقها مباشرة دون وساطة القواعد التشريعية متى كانت تقبل ذلك، غير أن هذا الرأي غير مستساغ من البعض، فالقاضي لا يخضع إلا للقواعد التشريعية بالنسبة إليهم، وهو ما يفرض مناقشة هذه المسألة لبيان مدى التزام القاضي بالخضوع للقواعد الدستورية مباشرة (أولا) ثم تحديد مظاهر هذا الخضوع (ثانيا). لذا فإن يوسف عليه السلام- وحتي في زمن الإجراءات القضائية الشفهية- هو أول من استخدم حق الطعن في الحكم الذي صدر في قضية التحرش الجنسي النسائي المشهورة مصداقاً لقوله تعالي بشأن يوسف:

... فَلَمّا جَآءَهُ الرّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىَ رَبّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النّسْوَةِ اللاّتِي قَطّعْنَ أَيْدِيَهُنّ إِنّ رَبّي بِكَيْدِهِنّ عَلِيمٌ . قَالَ مَا خَطْبُكُنّ إِذْ رَاوَدتُنّ يُوسُفَ عَن نّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ للّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوَءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الاَنَ حَصْحَصَ الْحَقّ أَنَاْ رَاوَدْتّهُ عَن نّفْسِهِ وَإِنّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ. ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ. وَمَآ أُبَرّىءُ نَفْسِيَ إِنّ النّفْسَ لأمّارَةٌ بِالسّوَءِ إِلاّ مَا رَحِمَ رَبّيَ إِنّ رَبّي غَفُورٌ رّحِيمٌ. وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمّا كَلّمَهُ قَالَ إِنّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ( ).

فالمستفاد من هذه النصوص من الوجهة العلمية/ التاريخية/ القانونية، هو أن حق الدعوي يختلف عن حق التقاضي الذي يتسع مضمونه لأكثر من دعوي واحدة، لكنه لا يتسع لأكثر من دعويين متعاقبتين زمانياً، وبالتالي فالأصل أن التقاضي علي مرحلتين بالأقل وبالأكثر.

وأيضاً المستفاد، هو أن حق الطعن الجنائي أسبق في الوجود تاريخياً من حق الطعن غير الجنائي، الذي ينبغي أن يؤرخ علمياً له بعد يوسف عليه السلام بأكثر من ألفي سنة تقريباً، أي منذ عصر خاتم الرسل (610- 632 م) في مطلع القرن السابع الميلادي، وذلك سواء بالنسبة لحق الطعن في دعاوي الأسرة، أو بالنسبة لحق الطعن في غيرها من الدعاوي غير الجنائية:

[1] فثابت في الدستور الآلهي المعاصر (القرآن)، أن أول من استخدمت حق الطعن في دعاوي الأسرة، هي «المجادلة» التي استأهلت بهذا أن تكون عنواناً لسورة كاملة من سور القرآن الكريم، هي سورة المجادلة.

فهي قد أتت إلي خاتم الرسل (صلي الله عليه وسلم) في حضور عائشة رضي الله عنها( )، التي روت أن المجادلة عرضت قضيتها علي الرسول مرة تلو مرة تلو مرة- في نفس الوقت- بشأن زوجها الذي ظاهرها(2). وفي كل مرة كان الرسول (صلي الله عليه وسلم) يقضي في هذه القضية بقوله (ما أعلمك إلا قد حرمت عليه)(3). فقالت المجادلة: أشكو إلي الله وما نزل بي وأبا صبيتي(4)، فنزلت في حينه الآيات، بدءاً من قوله تعالي:  قَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيَ إِلَى اللّهِ وَاللّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ...(5).

فالمستفاد من ذلك من الوجهة العلمية/ التاريخية/ القانونية هو أن المجادلة قد صدر في حقها وزوجها حكماً قضائياً من خاتم الرسل بصفته قاضياً في دعوي أسرية، فاستأنفت (إشتكت) هذه الدعوى إلي الله تعالي، الذي قبل استئنافها، وألغي الحكم موضوعاً، وأنزل أحكام الظهار الموضوعية التي تتدارسها المؤلفات الشرعية جيلاً بعد جيل.

[2] وثابت في اللائحة التنفيذية (السنة المحمدية) للدستور الآلهي المعاصر (القرآن)، أن أول استئناف رفع إلي خاتم الرسل (صلي الله عليه وسلم) الذي قضي بقبوله شكلاً ورفضه موضوعاً، وتأييد الحكم المطعون فيه، كان بمناسبة حكم أصدره قاضي اليمن- آنذاك- علي رضي الله عنه في قضية (زبية الأسد).

ويرويها القاضي بنفسه، فيقول «بعثني رسول الله (صلي الله عليه وسلم) إلي اليمن. فانتهينا إلي قوم قد بنوا زبيه للأسد. فبينما هم كذلك يتدافقون، إذ سقط رجل فتعلق بآخر، ثم تعلق الرجل بآخر، حتي صاروا أربعة. فجرحهم الأسد. فانتدب له رجل بحربة فقتله. وماتوا من جراحهم كلهم. فقام أولياء الأول إلي أولياء الأخر فأخرجوا السلاح ليقتتلوا. فأتاهم علي رضي الله عنه على تفقه كذلك. فقال: تريدون أن تقتتلوا ورسول الله (صلي الله عليه وسلم) حي. إني أقضي بينكم قضاء، إن رضيتم به فهو القضاء. وإلا حجز بعضكم على بعض حتي تأتوا النبي (صلي الله عليه وسلم)، فيكون هو الذي يقضي بينكم. فمن عدا ذلك فلا حق له. إجمعوا من قبائل الذين حفروا البئر: ربع الدية، وثلث الدية، ونصف الدية، والدية كاملة. فللأول ربع الدية لأنه هلك من فوقه ثلاثة. وللثاني ثلث الدية، وللثالث نصف الدية، وللرابع الدية كاملة».

ويقول علي رضي الله عنه بشأن استئنافهم وقضاء الرسول فيه «... فأبوا إلا أن يمضوا وأتوا النبي (صلي الله عليه وسلم) وهو عند مقام ابراهيم فقصوا عليه القصة فأجازه رسول الله صلي الله عليه وسلم».

وحاصل ما تقدم، أن نطاق حق التقاضي لا يقتصر علي حق الدعوي المبتدأة وحده، إنما يشمل حق الدعوي المبتدأة وحق الطعن معاً، وليس أكثر من ذلك، ولا- حتي- أقل، وذلك بصرف النظر- حتي- عن تسمية «حق الطعن» في الأدبيات الغربية بعد ذلك ب «حق الاستئناف». فكل ما هناك أن حق الطعن هو حق الطعن في «الحكم» الصادر في الدعوي المبتدأة، بينما حق الاستئناف هو حق استئناف الدعوي المبتدأة ذاتها ونقلها- بالتالي- إلي المرحلة الثانية للتقاضي.

وأيضاً حاصل ما تقدم من الوجهة التاريخية البحتة، هو أن حق الطعن لم ينشأ نشأته الأولي في «الغرب» أصلاً، لا في روما في العصر الإمبراطوري ، ولا- حتي- في فرنسا مع بداية القرن الثالث عشر الميلادي أو مع صدور الأمر الملكي سنة 1541(3). بل كانت نشأته الأولي (في مصر) ونشأته الثانية (في المدينة)، في الشرق العربي. فنشأة حق الطعن قد خضعت للمبدأ المقرر في الدستور الآلهي المعاصر (القرآن) بشأن أي نشأة وكل نشأة، أي مبدأ: النشأة الأولي والنشأة الآخرة، مصداقاً لقوله تعالي: قُلْ سِيرُواْ فِي الأرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمّ اللّهُ يُنشِىءُ النّشْأَةَ الاَخِرَةَ إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(4). فجغرافياً كانت نشأة هذا الحق في الشرق العربي، ولو أن نشأته الأولي كانت في مصر علي يد يوسف عليه السلام، وكانت نشأته الآخرة في المدينة علي يد خاتم الرسل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.