الدراسات تؤكد أن السبب هو نقص التغذية ومصر في مقدمة الدول التي تتزايد بها أعداد الأقزام هل تتحول مصر إلي دولة أقزام في غضون عام علي الأكثر؟ تفادياً لسوء الظن.. السؤال السابق ليس علي سبيل السخرية من البلد الذي يعاني حالة من التقزم في كل شيء، ولا ضرباً من الخيال.. لكنه ضرورة تفرضها هذه المعلومة التي وردت علي لسان مشيرة خطاب وزيرة الأسرة والسكان مؤخراً وذكرت أنه طبقاً لمسح سكاني وعدد من الدراسات فإن 29% من الأطفال من سن يوم وحتي 4 سنوات مصابون بالتقزم (قصر حاد في الطول) نتيجة لسوء التغذية في المقام الأول بناء علي منحني النمو الخاص بمنظمة الصحة العالمية الذي تجريه وزارة الصحة بشكل دوري كل أربع سنوات بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية واليونيسيف. هذه صدمة بكل المقاييس.. ففي أجل قريب ستكون لدينا ملايين الأطفال الأقزام لأن ثلث المواليد في مصر طبقاً للدراسة السابقة سيكونون من مرضي «التقزم» أو القصر الحاد للقامة. وهذه صدمة أخري.. هل تعلم أن عدد الأقزام في العالم طبقاً لأحدث إحصائية بلغ 200 ألف قزم وعددهم في مصر فقط 70 ألفاً وهو ما يعني أن نسبة الأقزام في مصر 35% من إجمالي أقزام العالم، وهي نسبة تضعها في مركز متقدم قائمة الدول التي تتزايد بها أعداد الأقزام. الدراسات والأبحاث الطبية تؤكد أن «التقزم» يحدث نتيجة تباطؤ النمو لدي الأطفال ويبدأ التقزم لدي الأفراد الكبار في السن بمستوي طول 148 سنتيمتراً فما دون ذلك وأسباب ذلك تنحصر في 200 سبب أغلبها جنسية سواء عند الرجال أو السيدات. أما أهم أسباب التقزم فهي تأتي نتيجة نقص التعظم الغضروفي الذي تسبب في 70% من حالات التقزم وغالباً ما يكون الطفل من أبوين متوسطي الطول كما يؤكد الدكتور بركات الطنطاوي - استشاري النساء والتوليد - مشيراً إلي أن القزامة هي الاسم العلمي لمرض قصر القامة والتي تحدث عندما يكون هناك نقص في هرمون النمو أثناء فترة الطفولة، والذي يتم إفرازه بواسطة الغدة النخامية التي تعرف باسم الغدد الصماء أو المايسترو كما يطلق عليها المتخصصون وهذا الهرمون وظيفته التحكم في عملية التمثيل الغذائي خاصة البروتين، وأوضح طنطاوي أن هذا المرض يمكن علاجه طبياً في الصغر ونسب النجاح تكون كبيرة. والغريب أن الحكومة لا تهتم بهذه الشريحة التي تتزايد باستمرار وتتعامل معهم علي أنهم مواطنون من الدرجة الثانية لا يستحقون أي اهتمام يذكر وهو ما انعكس علي أوضاعهم المأساوية. «جزيرة الأقزام» ليس اسماً لفيلم حاول صناعه جذب الأنظار له باسم مثير للفضول والدهشة، أو عنواناً لكتاب يرصد مؤلفه هالة خيالية قابلة للتحقيق علي أرض الواقع. جزيرة الأقزام اسم لمقهي مصري حاول أصحابه والعاملون فيه أن يعلنوا صرختهم للجميع بأنهم منسيون، مهمشون، لا يشعر بهم أحد في عالم مظلم تضيع فيه مطالبهم بمعاملتهم معاملة سوية كأفراد عاديين لهم ما للأسوياء من حقوق. جميع عمال المقهي الذي يوجد بالقرب من منطقة الكوم الأخضر بشارع الهرم «أقزام» أو قصار القامة كما يحبون أن يطلق عليهم، والطريف أن عمال المقهي نجحوا في جذب زبائن من الأسوياء، بالإضافة إلي قصار القامة، رغم أن الطاولات صغيرة ومصممة لتناسب أطوال العاملين التي لا تتعدي 85 سنتيمترا. صاحب المقهي مرشد سياحي لم يسع للمكسب التجاري من المكان خاصة أن ميزانيته بالكاد تكفي احتياجاته وأجور العاملين به، ولكن دافعه الرئيسي كان حالة التأثر التي صاحبته عندما رأي قزماً يسير مع زوجته في الشارع فتهكم عليه العديد من الأطفال وظلوا يقذفونه بالطوب ويسخرون منه، فكان هذا الحادث الشرارة التي لمعت منها فكرة إنشاء مقهي جزيرة الأقزام، بالإضافة لارتباطه بصديق قزم كان يحكي له عن معاناته اليومية. ورغم المعاناة والصعوبات الكبيرة التي واجهت مجموعة العاملين بالمقهي من الأقزام أثناء التدريب علي خدمة الزبائن فإن التجربة توجت بالنجاح، ربما لأنها المرة الأولي التي يشعرون فيها بنظرة جديدة تختلف عن نظرات التهكم والسخرية أثناء السير في الشارع أو حتي عندما يقدمون فقرات فنية في المسارح علي أرصفة الشوارع، حيث كان الجمهور يسخر من الأقزام ولا يضحك علي عرض يقدمه فنانون. نعود ل«جزيرة الأقزام» التي صممت طاولاتها بأحجام تسمح للأقزام بتقديم الطلبات للزبائن بسهولة، لأن أطوالهم لا تتعدي 85 سنتيمتراً، بالإضافة لصغر أياديهم. يتقاسم العمل بالمقهي ثمانية أقزام ستة ذكور وفتاتان ولون الزي الرسمي للعاملين بالمقهي هو البرتقالي وأحدهم يتولي تقديم المشروبات والمأكولات ورغم سعادته بالتجربة ونجاحها، فإنه لم ينس حلمه القديم وشغفه بالعمل كمذيع وتكون معاناة الأقزام أول القضايا التي يطرحها في برامجه ولهذا درس الإعلام وحصل علي شهادته الجامعية بدرجة جيد جداً وتعمل بالمقهي فتاة إسكندرانية تحمل مؤهلا متوسطا التحقت به عن طريق أحد أصدقائها أثناء تقديمها مسرحية علي خشبة المسرح القومي للطفل، أما «سلطان الشيشة» بالمقهي فهو عبدالرحمن، لم يكمل تعليمه واكتفي بالإعدادية نظراً لحالة العزلة التي كان يعاني منها نظراً لسخرية الناس منه وضحكهم عليه بصورة دائمة. القاسم المشترك بين جميع العاملين بالمقهي كان حالة النشوة والأمل التي يشعرون بها بعد سنوات كانوا يعانون فيها من سخرية الناس ومعاملتهم كأنهم مخلوقات غريبة تثير الضحك والسخرية التي تحولت إلي معاملة طيبة ونظرات دهشة تصل لحد الإعجاب بأشخاص كانوا يتعاملون معهم منذ أسابيع قليلة علي أنهم كائنات من كوكب آخر. عالم الأقزام غريب وقاس لدرجة التوحش يختلط فيه البكاء بالضحك، عالم يولد أفراده ويموتون علي الهامش محتوياً علي أسرار ومفارقات غريبة للعلم والطبيعة والبشر والغريب أن الأقزام رغم وجودهم بشكل ملحوظ ومرئي لا يتم التعامل معهم إلا بشكل هوسي عندما يحاول أحد المراكز البحثية أو المجالس الحكومية أن يظهر نوعاً من الاهتمام الشكلي فقط، فيتعامل مع الأقزام علي أنهم رقم فحسب وكأن مهمة الدولة ومراكز الأبحاث والدراسات هي إخبارنا بنسبة الأقزام أو عددهم وإن كانت كل الإحصائيات حتي الآن لم تظهر أعداداً دقيقة لهم، وأسباب انتشار ظاهرة التقزم دون أن تدير بالها، لأن هناك أقزاما يعيشون دون أن يهتم بهم أحد أو ينظر لمطالبهم.وفي ظل هذه الحالة من اللامبالاة التي تتعامل بها الدولة مع الأقزام، فقد حاولوا البحث بأنفسهم عن حلول لمشكلاتهم وكانت فكرة «جزيرة الأقزام» إحدي طرق مواجهة الإهمال الحكومي تجاههم، خاصة أن عددهم كبير إلي حد ما، حيث تشير الدراسات غير الرسمية إلي أن عددهم وصل إلي 70 ألفاً في مصر من بين 200 ألف قزم علي مستوي العالم، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بالنسبة العالمية، ولذلك يحاول الأقزام تأسيس أول جمعية في مصر والعالم العربي للأقزام تهدف إلي تأهيلهم وتوفير الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية لهم ويحاول الأقزام من خلال هذه الجمعية أن يغيروا النظر تجاههم لكسر حاجز الرهبة والخوف لديهم من الاختلاط بأفراد المجتمع، مما يدفعهم للاعتكاف في بيوتهم، كما تهدف الجمعية لإنشاء مركز طبي لرعاية الأقزام صحياً في مختلف التخصصات وإنشاء بنك خاص للمعلومات عن قصار القامة وأماكن وجودهم وإصدار مجلة خاصة بهم يحررونها بأنفسهم، يعبرون من خلالها عن مشاكلهم وأحلامهم وأملهم في تقبل المجتمع لهم، وهم علي هذه الصورة التي لا ذنب لهم فيها، ويأمل الأقزام في إيجاد مصادر تمويل تسمح لهم بتوفير أجهزة كمبيوتر لتطوير ملكاتهم في التعامل معها، لأنها تعتبر المجال الوحيد الذي يناسب ظروفهم الذي يسمح لهم أيضاً بالتعامل مع الآخرين بطريقة طبيعية دون تعرض لنظراتهم القاسية وتعاملهم المستفز في ظل كم المشاكل التي تواجههم والتي تعتبر أهمها ارتفاع نسبة البطالة بينهم والتي تصل ل 95% وعدم اعتراف الدولة بهم كمعاقين، وبالتالي حرمانهم من نسبة ال 5% التي يحظي بها المعاقون في الحصول علي فرصة عمل، بالإضافة لعدم التفات الدولة لهم أو مراعاة ظروفهم، حيث يتعرضون لمتاعب كثيرة أثناء التعامل مع الشارع، فالأرصفة مرتفعة بشكل يعوقهم عن تسلقها، كذلك سلالم المترو ووسائل المواصلات المختلفة، مما يعرضهم لمتاعب شديدة وحرج أمام الآخرين وقلة حيلة في الوقت نفسه بخلاف ارتفاع معدلات العنوسة بينهم نظراً لظروفهم الاجتماعية والاقتصادية، خاصة في ظل تعامل الدولة معهم علي أنهم فئة منسية فلا جمعية خاصة بهم ولا مؤسسة تدير شئونهم، وتقريباً لا يعتمد عليهم إلا في أعمال المهرجين في السينما والمسرح ليضحك المشاهدون علي أوجاعهم ودموعهم. وبقدر صغر أحجام الأقزام تأتي أحلامهم ومطالبهم أكثر بساطة فهم يحتاجون لأذن تسمع لهم، فأقصي مطالبهم مساكن خاصة بهم تراعي ظروفهم بحيث لا تزيد علي الدور الأرضي أو الأول وتخصيص محال ملابس أو أحذية تناسبهم لأنهم لا يجدونها في المحال العادية فيضطرون للجوء لمحال ملابس الأطفال التي تلائم أحجامهم، لكنها بالتأكيد لا تناسبهم في أشكالها وألوانها، إضافة لمراعاة ظروفهم عند إنشاء الأرصفة والسلالم وفي الشوارع والأماكن العامة حتي يتمكنوا من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي. وعلي الرغم من أوجاع الأقزام ومعاناتهم وعللهم الذي يختلط فيها بكاؤهم بضحك الجماهير علي حركاتهم في عروضهم علي المسارح فإن أقصي شعور يتعرضون له هو أن أسر بعضهم تتعامل معهم بشكل فيه تمييز عن باقي إخوتهم، حيث يشير عدد منهم إلي تعامل آبائهم معهم بطريقة أخري عن أشقائهم، خاصة إذا كانوا فتيات، حيث تشير إحداهن إلي أن والدتها تعامل شقيقتيها الصغيرتين بطريقة أفضل فهي تجهزهما للزواج منذ فترة طويلة وعندما تطلب منها أن تعاملها بالمثل تقول لها: لما يبقي حد يطلب إيدك نبقي نجهزك!!. وعلي النقيض تمامًا من الموقف الحكومي الرسمي عبر الوزارات والهيئات المختلفة بإهمال قصار القامة أو الأقزام يأتي الاهتمام العلمي والبحث بهم إلا أن هذه الأبحاث والدراسات تظل حبيسة الأدراج لا تظهر إلا في المؤتمرات والندوات ليظل الواقع، كما هو ألمًا ومعاناة في كل لحظة أحد هذه الأبحاث الصادرة عن المركز القومي للبحوث. وأشار إلي أن الأقزام أشخاص طبيعيون للغاية ويتسمون بمعدل ذكاء مرتفع وخفة ظل ملحوظة وكل مشكلتهم تكمن في عدم تقبل المجتمع لهم مما يضطرهم للانزواء والعزلة، وأوضحت الدراسة أن التقزم هو نتيجة لنقص التعظم الغضروفي الذي يعد أحد أسباب قصر القامة الشديد، مشيرة إلي أن القصر له عدة أنواع منها قصر قامة متناسق وآخر غير متناسق، والأول هو أن يكون الجسم كله قصيرا، لكن حجم الأعضاء متساو والثاني يكون فيه القصر في الأطراف فقط أو في الجذع وهو ما يعد «تقزمًا». وأرجعت الدراسات أن التقزم يعود غالبًا لأسباب وراثية أو وجود خلل في الغدة الدرقية وسوء التغذية، بالإضافة لعدد من الأمراض المزمنة في القلب ومعني هذا أنه ليس بالضرورة أن يكون الأب والأم أقزامًا، كما أنه لا يوجد عنصر وراثي لكي يحدث التقزم، لكن قد تحدث طفرة جينية للجنين أثناء الحمل تؤدي لإصابته بالتقزم. وأشارت الدراسة إلي أن بعضًا من الأقزام يعانون التهابات في الأذن الوسطي وزيادة المياه في المخ، بالإضافة إلي مشاكل العظام وآلام الساقين نتيجة للضغط علي أعصاب العمود الفقري. وحول لجوء المصابين بالتقزم لتناول هرمون النمو، ذكرت الدراسة أن هناك عددًا من الأقزام يتناولون الهرمون يوميًا ولعدة سنوات لكنه أمر مكلف للغاية ولا يتحمله كثيرون لذلك يلجأ بعضهم لعمليات التطويل ولكنها أيضًا باهظة الثمن. وانتهت الدراسة إلي ضرورة الاهتمام بتلك الفئة المنسية بتوفير مدارس لهم وأماكن للعمل ومؤسسات ترعي شئونهم علي غرار ما يحدث في الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث تتولي مؤسسة تدعي «LittLe people of America» شئونهم وترعاهم وتوفر لهم كل ما يحتاجونه. ويشير أحد الباحثين الاجتماعيين إلي أن الأقزام يعانون الفقر والبطالة والأمية أكثر من غيرهم ويمنع قصر القامة أفراد هذه الفئة من ممارسة حياتهم بصورة طبيعية فينقطعون عن الدراسة في سن مبكرة أو يرفض آباؤهم إدخالهم المدارس خوفًا من التجريح الذي قد يطالهم، وتقل فرصهم في العمل بسبب الأمية المنتشرة في صفوفهم ووضعهم الصحي لذلك من الطبيعي أن يعيشوا علي المساعدات والهبات، حيث ينتشر الفقر في أوساطهم بمعدلات مرتفعة. وعن المعاناة النفسية التي يشعر بها الأقزام يري الباحثون أن أي أقلية تنتمي إلي فئة ما من البشر تشعر دومًا بالاختلاف لذلك يشعر القزم أنه مختلف وأن الآخرين يسخرون منه ولا يقبلونه مما يجعله أحيانًا يتصرف بعدوانية عندما يصطدم بأي شخص أو إلي الانزواء والبعد عن المجتمع، وهنا تتضاعف معاناتهم فتسوء نفسيتهم ويصابون بعقد نفسية من قصر قامتهم وغالبًا ما يكون ذلك في سن مبكرة فتتسبب ملاحظات الأصدقاء أو المعلمين في وضع حاجز بين القزم والمجتمع، كما يتسبب الإعلام في تكريس هذه العقد النفسية لدي القزم وتأكيد نظرة المجتمع له من خلال الاستهزاء به في وسائل الإعلام بتقديمهم في صورة هزلية مهرجة لإضحاك الناس وكأنهم كائنات غريبة عن المجتمع، وتشير الدراسات إلي ضرورة كسر حاجز الخوف الرهيب لدي الأقزام والذي يجعلهم خائفين من الاختلاط بأفراد المجتمع ولا سبيل لذلك إلا بتأسيس جمعية للأقزام تهدف لتأهيلهم وتوفير الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية لهم وتدافع عن حقوقهم وتطالب الجهات المسئولة بتوفير فرص عمل لهم، وتمنع حالات التسرب من التعليم وتنظم رحلات ولقاءات جماعية لهم وحفلات زواج لتحسين حالاتهم النفسية. وتهتم جميع الأبحاث التي أجريت علي الأقزام بضرورة الالتفات للمشاكل الحياتية التي يعانيها الأقزام، خاصة التي يراهم فيها الآخرون مثل ارتفاع الأرصفة والسلالم ووسائل النقل، مما يضطرهم لطلب مساعدة الآخرين، حيث يرتادون المقاهي أو المطاعم ولا يجدون مقاعد خاصة بهم، كما أنهم لا يجدون ملابس أو أحذية تناسبهم، مما يضطرهم لاستعمال ملابس الأطفال، كما أن الدولة لا توفر لهم مساكن خاصة لا تزيد علي الدور الأرضي، أو الأول لمراعاة وضعهم الصحي الذي لا يسمح لهم باستعمال السلالم. المدهش أن جميع مطالب الأقزام ورغباتهم في الاندماج في المجتمع بصورة طبيعية لم تكن موجودة في عهد الفراعنة، لأن المجتمع كان يعاملهم وقتها باحترام شديد علي عكس ما يحدث الآن، حيث كشفت أدلة علمية أن المصريين القدماء كانوا يتعاملون مع الأقزام علي أنهم عاديون جداً، وأن بعضهم تقلد وظائف عليا في الدولة، وكان أحدهم يدعي «سنب» وزيراً في الأسرة الخامسة من تاريخ الفراعنة التي حكمت مصر حتي آخر حكامها «كليوباترا السابعة» المنحدرة من السلالة البطلمية، وتشير نتائج أحد الأبحاث الذي نشرته المجلة الأمريكية لعلوم الجينات الطبية، إلي أن صورة الأقزام في مصر القديمة كانت إيجابية للغاية وتقول إحدي المتخصصات في طب الأطفال في جامعة واشنطن إن المصريين القدماء شاركوا في جميع مناحي الحياة بمصر الفرعونية، ولم يكن ينظر لهم علي أنهم مصابون بإعاقة أو مختلفون في الشكل الطبيعي عن عموم المصريين، في حين تضاربت أقوال الأثريين المصريين حول نشأة الأقزام في مصر القديمة فيري بعضهم أن ظهور الأقزام يعود في الأساس لزواج الأقارب، ويري الآخرون أن معظم الأقزام جاءوا من خارج الحدود المصرية من بلاد «بونت» ثم توالدوا وتكاثروا، إلا أن فريقاً ثالثاً يري أن الأقزام موجودون في تاريخ مصر القديمة في رسومات المعابد منذ عصر البداري، أي ما قبل التاريخ. وعن تعامل المصريين القدماء مع الأقزام باحترام تكشف لوحة القزم «سنب» الذي كان وزيراً وتزوج من إحدي وصيفات القصر الفرعوني عن مدي الاحترام الذي كانوا يعاملون به، فهو يجلس علي كرسي عال ويقدم له الخدم والموظفون فروض الطاعة والولاء، كما تشير بعض الكتابات القديمة إلي أن المصريين القدماء عبدوا قزماً شهيراً سموه «بس» قبل أن يغادر مصر إلي إيران القديمة، وكان متخصصاً في المرح والفرفشة وله معبد خاص في الواحات البحرية بالصحراء الغربية لمصر. وتشير هذه الكتابات القديمة إلي أن الأقزام كانوا متخصصين في صناعة المجوهرات والحلي، وكذلك الترويح عن الملوك ورجال القصر الملكي، لأن تصرفاتهم كانت تثير الغبطة والفرح في نفوس الحاشية الملكية وقد ترك المصريون القدماء موروثاً ضخماً من السجلات ممثلة في رسومات ومنحوتات علي جدران المعابد وما كتبوه علي أوراق البردي عن حياة الأقزام في مصر القديمة، بالإضافة للهياكل العظمية للأقزام في المقابرالمصرية، ويرجع تاريخها ل 4500 سنة قبل الميلاد، وأخري تعود للدولة القديمة التي يعود تاريخها لما بين 2700 و2190 عاماً قبل الميلاد. وحسب دراسات وأبحاث علمية ترجع ظاهرة التقزم لأكثر من 200 سبب أغلبها جينية معظمها يظهر جراء طفرة جينية في خلايا البويضة أو الحيوان المنوي قبل الحمل، و هناك أسباب أخري تتعلق بجينات ورثت عن أحد الوالدين أو كليهما، ويمكن لوالدين قزمين إنجاب طفل ذي قامة عادية، حتي الآن لم تتضح بعد الأسباب وراء مثل هذه الطفرة الجينية، حيث يبدو التحور الجيني عشوائيا ومن المتعذر منعه. أما النمط الأكثر انتشاراً من التقزم بحسب البحوث فيتمثل في نقص التعظم الغضروفي ويمثل قرابة 70% من حالات التقزم، وغالباً ما يحدث هذا النمط في أسر يتسم الوالدان فيها بقامة متوسطة الطول، وفي الواقع فإن 85% من الأطفال ممن يعانون «نقص التعظم الغضروفي» يتسم آباؤهم وأمهاتهم بقامة متوسطة الطول، ويتسم هذا النمط بقصر الأطراف، ويقع بمعدل 1 في نسبة تتراوح بين 26 ألفاً و 40 ألفاً من الأطفال من جميع الأعراق وفي هذه الحالة عادة ما يكون حجم الجزء العلوي من الجسد طبيعياً، بينما تكون الأطراف بالغة القصر، وعادة ما يكون الرأس ضخماً علي نحو غير اعتيادي، ويعتقد أن نقص التعظم الغضروفي يرتبط علي نحو مباشر بالتزاوج بين الأقارب.