علي الرغم من اعتراف الأحزاب السياسية القانونية الأربعة «الوفد والتجمع والناصري والجبهة» بأن مبادرة البرادعي أثارت اهتمام الرأي العام، واعتبرتها تعكس مطالب القوي الديمقراطية وغالبية أحزاب المعارضة، التي تناضل من أجلها منذ عقود.. فإنها تجاهلت تماما دعوة البرادعيِ أوالجمعية الوطنية للتغيير، للمشاركة في مؤتمر الإصلاح السياسي والدستوري لأحزاب الائتلاف الديمقراطي. في البداية، كان حزب التجمع الأكثر تمسكا في عدم دعوة البرادعي للمؤتمر، وشن هجوما عليه أثار بعض الاستياء داخل الحزب نفسه، مما دفع المكتب السياسي للحزب لإصدار بيان يعلن فيه توجيه الدعوة للبرادعي لزيارة حزب التجمع، ويدعي في الوقت نفسه أن البرادعي ضد التعددية الحزبية، وهوادعاء لا يستقيم علي الإطلاق مع كل تصريحات الرجل ودعوته لنظام برلماني ديمقراطي وتداول السلطة، ويدعوا أن الرجل ينكر عليهم نضالهم - وغيرهم من القوي الديمقراطية- من أجل الديمقراطية، ومن أجل الانتقال من جمهورية رئاسية استبدادية إلي جمهورية برلمانية ديمقراطية، رغم أن البرادعي لم يصرح بكلمة ضد أي من الأحزاب، سوي رفضه أن يتقدم بطلب لتشكيل حزب، إلي رئيس لجنة الأحزاب، الذي يتولي في الوقت نفسه منصب الأمين العام للحزب الوطني، ويري في ذلك مفارقة تتنافي مع الحق في حرية تشكيل الأحزاب، مؤكدا أن الأحزاب تتشكل بإرادة أعضائها، وليس بموافقة لجان خاضعة للسلطة التنفيذية أوالحزب الحاكم. الأهم من ذلك، أن أحزاب المعارضة تطالب منذ سنوات بتخلي الرئيس مبارك عن رئاسة الحزب الوطني الديمقراطي، كما تطالب ديباجة بيانها الصادر عن مؤتمر الائتلاف الديمقراطي بأن يكون رئيس الجمهورية غير منتم لأي حزب، وهوموقف يتفق تماما مع إصرار البرادعي علي ترشيح نفسه للرئاسة كمستقل وليس كرئيس لحزب، بل ويتنافي تماما مع موقف الأحزاب السياسية التي ترشح رؤساؤها للرئاسة، بينما تطالب بانتخاب رئاسي غير حزبي. ولو استقامت الأحزاب مع دعوتها لكان البرادعي هوالمرشح المستقل الوحيد للرئاسة، أورشحت غيره من المستقلين غير الحزبيين للرئاسة، ولم ترشح رؤساءها. الغريب أيضا أنه في إطار السعي لتجاهل مبادرة البرادعي وأثرها في الرأي العام، خرجت جريدة الوفد لتعلن علي لسان سفير مصر في واشنطن أن الولاياتالمتحدة لا تدعم ترشيح البرادعي ولم تفصح الجريدة عما إذا كان هذا ضد البرادعي أم لصالحه. علي أية حال، ليس غريبا علي أحزاب المعارضة القانونية مثل هذه ردود الفعل المتناقضة هذه، وغير المفهومة، فقد سبق لها أن تجاهلت أيمن نور -مرشح حزب الغد -في الانتخابات الرئاسية عام 2005 رغم أنه كان أوفر أحزاب المعارضة حظا وأكثرهم حصولا علي الأصوات لكنهم توافقوا علي شن حملة ضده، أوتجاهلوه، ولم يدافع عنه أي من أحزاب المعارضة طوال سنوات التنكيل به، وكان الأولي أن تتكاتف قوي المعارضة الديمقراطية خلف مرشح واحد للرئاسة يحمل برنامجا ديمقراطيا في مواجهة مرشح حزب الدولة. مرة أخري تثار المخاوف من أن تتآلف أحزاب المعارضة ضد البرادعي، أوتتسارع للتنافس معه أوللحط من مبادرته، أواستنزافه في معارك وصراعات وهمية، سواء معه أومع مؤيديه، لتفسد مبادرته من أجل انتقال سلمي لمصر من نظام رئاسة استبدادي إلي نظام برلماني ديمقراطي، ولتبقي علي استمرار الحال علي ما هو عليه، نظام حكم رئاسي استبدادي يتبعه حزب وحيد، وأحزاب ممنوعة من المعارضة ولا أمل لها سوي الحصول علي بضعة مقاعد في مجالس إقرار القوانين. في النهاية، لا أحد يمكن أن ينكر علي كل القوي السياسية والأحزاب وجماعات الضغط تضحياتها ونضالاتها طوال عقود.. وفي الوقت نفسه، لا أحد يمكن أن ينكر الخوف من أن تسارع هذه القوي نفسها للنزاع والتنافس فيما بينها، وتهدر إمكانية أخري لتغيير ديمقراطي ينقل مصر من نظام رئاسي استبدادي إلي نظام برلماني ديمقراطي.