بكري : الجماعات الإرهابية تقود حملة لتشويه اتحاد القبائل العربية    رئيس دفاع النواب يهنئ البابا تواضروس والأقباط بعيد القيامة المجيد    الغرف التجارية: مصر تستهلك 175 طنا من الرنجة يوميا.. وتراجع الفسيخ ببورسعيد ل190 جنيها    مراعاة للأغنياء.. الحكومة تؤجل ضريبة أرباح البورصة للسنة العاشرة    مجلس مدينة العريش يشن حملة لإزالة المباني المخالفة    نميرة نجم: أي قرار للمحاكم الدولية سيؤثر على الحراك بالولايات المتحدة    روسيا تعلن تدمير قاعدتين للمسلحين في سوريا    بعد التتويج ببطولة إفريقيا لسيدات الطائرة.. الزمالك يتأهل لمونديال الأندية    عمر وردة: تزوجت من فتاة جزائرية منذ شهور لكي استقر    صلوات وزغاريد وفرحة.. آلاف الأقباط يحتفلون بعيد القيامة بقنا| فيديو    مصرع سيدة صدمها قطار ب سوهاج    بعد شائعات الانفصال.. مها الصغير تستعيد ذكرياتها مع أحمد السقا في الجونة (فيديو)    دعمتم مناقشة هذا الأمر | رمضان عبد المعز يوجه الشكر ل المتحدة    عرض قطري.. أول تعليق من مستشار الرئيس على تأجير المستشفيات الحكومية    مختلف عليه..ما حكم أكل الفسيخ في الإسلام؟    محافظ القاهرة يشهد احتفال الطائفة الإنجيلية بعيد القيامة نائبا عن رئيس الوزراء    أسامة كمال يُحيي صحفيي غزة: المجد لمن دفعوا أعمارهم ثمنا لنقل الحقيقة    قرار من القضاء ضد ممرضة ووالدها بتهمة قتل عامل بالمقطم    قتل «طفل شبرا الخيمة».. أوراق القضية تكشف دور تاجر أعضاء في الواقعة    تعرف على شروط التقديم لمدرسة فريش الدولية للتكنولوجيا التطبيقية 2024-2025    وزير الخارجية الأسبق: نتنياهو لا يريد الوصول لاتفاق مع حماس    قصواء الخلالي: العرجاني وأسرته وأهل سيناء يتباهون بمشاركتهم في تنمية أرض الفيروز    71 مليار جنيه لقطاع التعليم المدرسي والجامعي خلال 24 /25    حكم الصلاة على الكرسي وضوابط الصلاة جالسًا.. اعرف الشروط والأحكام    بدء قداس الاحتفال بعيد القيامة المجيد في المنيا (صور)    لجين عبد الله تفوز بكأس أفضل سباحة في البطولة الإفريقية بأنجولا    أحمد موسى عن شم النسيم: «باكل فسيخ لحد ما يغمى عليا.. وأديها بصل وليمون»    طارق إمام للشروق: المعارض الأدبية شديدة الأهمية لصناعة النشر.. ونجيب محفوظ المعلم الأكبر    مطران إيبارشية أسيوط يترأس صلاة قداس عيد القيامة المجيد 2024    وكيل صحة القليوبية: استقبال 180 شكوى خلال شهر أبريل    تسويق مغلوط للأولويات سيكون له ما بعده..    بالصور.. أهالي قرية عبود بالفيوم يشيعون جثمان الحاجة عائشة    المقاولون 2005 يفوز على أسيوط بثلاثية في دوري الجمهورية للناشئين    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    سفير فلسطين في تونس: مصر تقوم بدبلوماسية فاعلة تجاه القضية الفلسطينية    غدا وبعد غد.. تفاصيل حصول الموظفين على أجر مضاعف وفقا للقانون    القس أندريه زكي يكتب: القيامة وبناء الشخصية.. بطرس.. من الخوف والتخبط إلى القيادة والتأثير    «صحة الفيوم»: قافلة طبية مجانية لمدة يومين بمركز طامية.. صرف الأدوية مجانا    السعودية تصدر بيان هام بشأن تصاريح موسم الحج للمقيمين    خاص| زاهي حواس يكشف تفاصيل جديدة عن مشروع تبليط هرم منكاورع    خبير اقتصادي: الدولة تستهدف التحول إلى اللامركزية بضخ استثمارات في مختلف المحافظات    وكيل صحة الشرقية يتفقد طب الأسرة بالروضة في الصالحية الجديدة    وزير الشباب يفتتح الملعب القانوني بنادي الرياضات البحرية في شرم الشيخ ..صور    لوبتيجي مرشح لتدريب بايرن ميونيخ    مفاجأة- علي جمعة: عبارة "لا حياء في الدين" خاطئة.. وهذا هو الصواب    موعد ومكان عزاء الإذاعي أحمد أبو السعود    لاعب تونسي سابق: إمام عاشور نقطة قوة الأهلي.. وعلى الترجي استغلال بطء محمد هاني    محمد يوسف ل«المصري اليوم» عن تقصير خالد بيبو: انظروا إلى كلوب    جدول امتحانات الثانوية العامة 2024 والثانوي الأزهري    استعدادًا لفصل الصيف.. محافظ أسوان يوجه بالقضاء على ضعف وانقطاع المياه    الانتهاء من 45 مشروعًا فى قرى وادى الصعايدة بأسوان ضمن "حياة كريمة"    رويترز: قطر قد تغلق مكتب حماس كجزء من مراجعة وساطتها بالحرب    ما حكم تلوين البيض في عيد شم النسيم؟.. "الإفتاء" تُجيب    ماريان جرجس تكتب: بين العيد والحدود    التموين: توريد 1.5 مليون طن قمح محلي حتى الآن بنسبة 40% من المستهدف    القوات المسلحة تهنئ الإخوة المسيحيين بمناسبة عيد القيامة المجيد    هل بها شبهة ربا؟.. الإفتاء توضح حكم شراء سيارة بالتقسيط من البنك    برج «الحوت» تتضاعف حظوظه.. بشارات ل 5 أبراج فلكية اليوم السبت 4 مايو 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمود صلاح يكتب: كيف تنكر الهضيبي واختفى بعد الحادثة وقصة القبض عليه
نشر في الدستور الأصلي يوم 16 - 02 - 2013


الحادثة.. بقلم الباقورى وتوفيق الحكيم!
رجلان.. غير هيكل والتابعى كتبا يصفان حادثة الشروع فى اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر فى ميدان المنشية بالإسكندرية.
الأول.. شيخ وعالم!
والثانى.. فنان وكاتب!
الأول كان أحمد حسن الباقورى وزير الأوقاف أيامها.
والثانى كان الأديب الكبير توفيق الحكيم.
الباقورى.. كان مع عبد الناصر فى المنصة.

وكتب مقالا عنوانه: رأيت الجانى يطلق الرصاص!
والحكيم.. كان فى بيته إلى جوار الراديو يستمع إلى خطاب جمال عبد الناصر عندما وقعت الحادثة.
وكتب قصة قصيرة!
فماذا قال كل منهما؟
كان أحمد حسن الباقورى وزير الأوقاف يجلس ليلة حادثة المنشية فى المنصة وراء الرئيس جمال عبد الناصر مباشرة.
ونهض الرئيس ليتحدث إلى الجماهير..
وما هى إلا ثلاث دقائق حتى دوّى صوت الرصاص.
وأصيب الباقورى بالصدمة.. والذهول!
ونظر.. فارتجف.
عندما شاهد بقعة حمراء على صدر جمال عبد الناصر!
تصور أن الرئيس أصيب فى قلبه.
لكن عبد الناصر نجا من محاولة الاعتداء.
وعاد الباقورى فى اليوم التالى إلى القاهرة.
وجلس ليكتب مقالا عما حدث قال فيه:
«كانت المحاولة الباغية للاعتداء على حياة الرئيس جمال عبد الناصر نعمة أسبغها الله عليه!

بل كانت منحة اختارت لها عناية الله صورة المحنة حتى لا يحسد عليها!
فقد وقف الرئيس فى مكانه من شرفة دار التحرير فى ميدان المنشية. ثم أعلن أنه سيتحدث إلى الحشد الحاشد فى الميدان. حديثا هادئا بعيدا عن خيال الشعر ولهجة الخطابة. لأنه يريد أن يخاطب العقل. وليس يريد أن يهيج العواطف. حيث كانت حاجة البلاد اليوم. إلى البيان المقنع والعقل المقتنع. أبين من حاجتها إلى اللهجة المثيرة والعاطفة الثائرة.
ونزولا على حكم هذا المنطق.. طلب الرئيس من المواطنين فى لهجة صارمة حاسمة. أن يكفوا عن اللغو والهرج وأن يكفوا عن الهتاف والتصفيق.
ثم مضى إلى غايته من الحديث الذى يريده فى صوت وقور هادئ. وبذات منزلة واثقة. ووقفة عسكرى. امتزج فيها شموخ الهامة باستواء القامة. وتلاقى عندها إيمان الوطنى بشجاعة الجندى.

وتجلت مصر الفتية ساعئتذ فى جمال تجليا رائعا..

يسوء العدو.. ويسر الصديق!
وفى هذا الجو المهيب..

الذى يلذّ فيه الحديث للمتحدث. كما يلذّ الاستماع للمستمع. انطلقت الرصاصات الباغية يريد بها الجانى المخدوع. أن يشب نار الفتنة. ويبلبل خواطر الأمة.
ويريد الله جلت حكمته أن تزداد بها الثورة قدرة على العمل وقوة فى الإنتاج. وأن يتحول بها جمال عبد الناصر. من قائد مرهوب الجانب. مخشىّ البأس. إلى زعيم تأتلف من حوله المشاعر وتمشى فى موكبه القلوب.
ولم يدر بخاطرى قط وأنا أجلس إلى جانبه أن هذه الرصاصات التى أسمع زئيرها إنما يطلقها عليه الحقد، وتمشى بها إلى صدره البغضاء. إن جمالا لم يأت عملا يثير حقدا أو يبعث على بغضاء. لا من حيث هو شاب وطنى، عاش عمره لوطنه، وحمل رأسه على كفه دفاعا عن شرف هذا الوطن. ولا من حيث هو صاحب سلطان حرص فى سلطانه على العدل والخير بمقدار ما يطيق البشر. وفى حدود ما يستطيع الإنسان.
وإنما الذى دار بخاطرى.. أن بعض الفخورين به من أبناء الصعيد أراد أن يعلن عن شدة فرحه، وقد أخطأه التوفيق فأطلق رصاصة إعلانا عن هذه الفرحة.
على عادة أهل الصعيد فى ذلك.
.. ولعل الرئيس قد طاف بذهنه هذا الخاطر نفسه!
فقد رأيته وهو واقف فى الشرفة التى ترتفع عن أرض الميدان نحو ثمانية أمتار ينحنى إلى الأمام لكى يتثبت من هذا الخاطر. ثم رأيته يميل إلى الخلف فى سرعة البرق ليتفادى الطلقات بعد أن تبين أن المسدس مصوب إليه!
وراح يصيح فى زئير الأسد الهصور: مكانكم أيها الرجال.. مكانكم أيها الأحرار!
ثم تقدم من الميكرفون مرة أخرى..
ليتابع النداء ويواصل الزئير: مكانكم أيها الرجال.. مكانكم أيها الأحرار!
ولعله كان يعتقد أنه قد أصيب!
فهو جندى يعرف حق المعرفة أن الرصاص حين يستقر فى جسد لا يجد الإنسان له مسّا ولا يشعر معه بألم.
ولهذا لم تفارق لسانه كلمات الحرية والكرامة والمجد والتضحية والاستشهاد. يسوقها مساق الحكم الخوالد على مر الزمن وتتابع الأجيال.
ولقد اعتقد كثير من الجالسين فى الشرفة كذلك أنه أصيب!
ومنشأ هذا الاعتقاد أنه كان فى جيبه قلم أحمر ترك بقعة حمراء على صدره من شدة احتكاك الجماهير. فبعد أن انطلق الرصاص اتجهت الأبصار إلى صدره ورأوا البقعة الحمراء فحسبوها بقعة دم!
ويشاء سوء التصرف أن يسرع أحد الحاضرين إلى الشيخ الجليل والد الرئيس. ويسر إليه الخبر على هذه الصورة المفزعة. فتتسارع إليه عاطفة الأبوة الحنون.. بإغماء ثقيل طويل!
حدث كل ذلك فى لحظات خاطفة..
والشعب يهتف فى الميدان طالبا الاطمئنان على جمال.
وجمال يتردد على الميكروفون ليقول لهم إنه فداء لمصر وفداء لعزتهم وكرامتهم وحريتهم.
وأخيرا أعلن أنه بخير لم يمس بأذى ولم يصبه سوء.
وهنا بدأت السكينة تغشى أنفس الجماهير وتهيمن على مكان الاحتفال. ولم تبق هناك نفس يحكمها القلق ويهيمن عليها الانزعاج إلا نفسى. فقد كنت أتمنى على الله بعد نجاة الرئيس أن لا يكون الجانى من الإخوان المسلمين!
فقد كان مجرد هذا التصور يثير فى نفسى الألم، مشبوب النار مسعور الأوار. ولم يكن ذلك لأن هناك شخصا أفكر فيه أو أشفق عليه، وإنما كان الإشفاق على الإسلام نفسه، وأن يحمل عليه الخاطئون خطاياهم، ويمسحوا فيه أوزارهم.
والإسلام أجلّ عند الله وعند المسلمين من أن يكون أداة قلق فى مجتمع أو وسيلة شهوة إلى انتقام أو ظهر مطيّة إلى سلطان!
ونحن نعلم أن أعداءنا خارج بلادنا من الكثرة ومن القوة بحيث يستطيعون أن يرسموا للإسلام صورة مصبوغة بالدم مجللة بالإرهاب ومستمدة من صنيع هذا الجانى وأمثاله الآثمين.
ذلك الخاطر الأليم..
هو ما كان يدور بنفسى ويعصف بقلبى.

ولم أستطع الإفلات منه إلا حين تذكرت أن عناية الله التى أنجت جمالا ووَقَته يد الغدر وردت عنه عادى السوء قادرة على أن تنجى الإسلام مما يلصقه به السفاكون الغادرون».
■ ■ ■
أما توفيق الحكيم..
فقد نشرت له «أخبار اليوم» قصة عنوانها «دمى من دمكم»، وقال فيها الحكيم:

«حجرة جلوس بها جهاز راديو مغلق ومرآة فى الحائط.. وقد جلست الزوجة أمام ماكينة خياطة بجهاز الراديو تطرز ثوبا.. بينما الزوج منهمك فى حلاقة ذقنه أمام المرآة وهو يغنى..
الزوج يمر بآلة الحلاق على صدغه المطلى بالصابون..
ويغنى مترنحا: يا ظالمنى.. يا ظالمنى.
- الزوج صائحة: أرجوك.. صوتك المزعج للغاية.. يصدع رأسى!
- الزوج: وصوت ماكينتك المطرب للغاية لا يصدع رأسك؟!

- الزوجة: صوت ماكينتى فيه على الأقل فائدة لا يمكن أن تنكر.

- الزوج: باختصار.. تريدين أن أسكت أنا وتغنى ماكينتك؟

- الزوجة: أريد فقط أن تبطل هذه العادة السخيفة.. عادة الغناء وأنت تحلق!
- الزوج: أيضايقك كثيرا احتمال سخافتى لمدة خمس دقائق؟
- الزوجة: تقصد كل يوم خمس دقائق.. أى كل عام ثلاثين ساعة.. أى مدى حياتنا الزوجية الطويلة إن شاء الله.. احسب من فضلك.
- الزوج: ماذا تقولين؟
- الزوجة: أمسك الورق والقلم واحسب.. لتعرف كم أنا مظلومة معك.

- الزوج: لا.. لا داعى للحساب.. حتى فى هذا تمسك الورق والقلم ونحسب.. ألا يكفينا حساب أول الشهر؟ وهو كذلك يا سيدتى.. الامتثال أحسن.. لا لزوم للغناء.. سأحلق على الناشف والأمر لله!

- الزوجة: إذا كان لا بد من الغناء وأنت تحلق افتح الراديو.. هل تزعم أيضا أن صوتك أجمل من صوت مطربى الإذاعة؟!
- الزوج: معاذ الله!

الزوجة تدير مفتاح جهاز الراديو، وتقول: أليس من الحماقة أن تغلق الراديو وتفتح فمك؟
- الز وج مستسلما: افتحى الراديو!
- المذيع يصيح من الجهاز: نحن الآن فى ميدان المنشية.. الجماهير محتشدة لتسمع خطاب الرئيس. أكثر من ربع مليون نسمة تتطلع إلى المنصة.. الزعيم يتكلم.
الزوجة لا تحرك الماكينة وتصغى باهتمام.

- الزعيم يرتفع صوته من جهاز الراديو: أيها المواطنون.
- الزوج هامسا: ارفعى صوت الراديو قليلا.

الزوجة تدير مفتاح الصوت فيرتفع..
- الزعيم فى الراديو: أيها المواطنون.. سنتقدم وسنعمل للمبادئ والمثل العليا. بهذا وحده سنبنى هذا الوطن. لقد بدأت كفاحى فى هذا الميدان. لقد خرجت مع أبناء الإسكندرية. وأنا طالب صغير. أنادى بالحرية والكرامة لبلادى. من هذا الميدان بدأت أكافح مع من كافح من أبنائكم واستشهد من إخوانكم. وها أنا ذا أحتفل فى هذا الميدان بعيد الحرية.. عيد العزة.. عيد الكرامة.
الزوجة تصفق بحركة غير إرادية..
وعندئذ تسمع فى الراديو صوت طلقات نارية.
- الزوج مرتاعا: ما هذا.. ما هذا؟
- الزوجة: دوى تصفيق بلا شك.
- الزوج: بل دوى انفجار.. دوى رصاص!
الزوجة تحدق فى الراديو..
- وتقول: غير معقول!
الزوج يصغى بكل أذنيه.. ويقول: اسمعى.. اسمعى هذه أصوات هرج فى الناس.. أتسمعين؟
- الزوجة وهى تصغى: رصاص؟ رصاص وهو يشيد لمصر بالعزة والكرامة.. غير معقول؟

الزوج يصغى ويضع سبابته على فمه يدعو زوجته إلى الإصغاء..
- الزعيم صائحا فى الراديو: أيها الرجال.. أيها الرجال.. فليبق كل فى مكانه.. أيها الأحرار فليبق كل فى مكانه.. أيها الرجال.. أيها الأحرار.. دمى فداء لكم.. فيقتلونى.. دمى فداء لمصر.

- الزوجة صارخة فى تفجع وذعر: قتلوه؟

الزوج شاحب الوجه لا حراك به.

- الزعيم فى الراديو: أيها الرجال.. أيها الأحرار.. أتكلم إليكم بعد أن حاول المغرضون قتلى.. وإذا كنت قد نجوت.
- الزوجة فى همس: شكرا لك يا ربى.

- الزعيم فى الراديو: إذا كنت قد نجوت من الموت.. فذلك لأزيدكم عزة وحرية وكرامة. دمى من دمكم. وروحى من روحكم. ومشاعرى مشاعركم. أيها الرجال. أيها الأحرار. إذا عشت فأنا معكم. وإذا مت فروحى ستبقى بجواركم. إن حياة مصر ليست معلقة بحياتى. بل هى معلقة بكم أنتم، بشجاعتكم أنتم وكفاحكم أنتم. إن مصر لن تموت، سِيروا نحو المجد.. نحو الحرية.. نحو الكرامة.

- الزوجة صائحة هاتفة: هذا رجل يريدون قتله؟ سلمت لمصر.. سلمت لمصر.. إنى أرتجف.. انظر إلى يدى يا زوجى.. إنى أرتجف.. لماذا خرست أنت الآن؟ ماذا دهاك؟ لماذا لا تنطق بشىء؟
- الزوج: إنى.. إنى.
- الزوجة: ترتجف كل شعرة فيك.. أنت أيضا.
تلتفت الزوجة إلى صدغه..
- وتصيح: يا إلهى.. ما هذا الدم.. هذا الدم فى وجهك؟
الزوج يتحسس وجهه.. ويسألها: أين؟
- الزوجة: قطعت وجهك بالموس وأنت لا تشعر.. انتظر حتى أضمدّ لك.
الزوج يلتفت إلى يد زوجته.. ويسألها: ما هذا الدم؟
- الزوجة وهى تنظر إلى وجه زوجها: فى وجهك؟
- الزوج: بل فى يدك أنت.
- الزوجة: فى يدى؟
- الزوج: تركت إبرة الماكينة تنغرس فى يدك.
- الزوجة: لم أشعر.
- الزوج: فلنضمد جراحنا معا إذن.
- الزوجة: قطرات من دمنا سالت. ولا شك ساعة أن قال...
- الزوج: «دمى من دمكم».
- الزوجة: أتعرف ماذا جرى لى وأنا أسمعه يصيح بهذه الكلمة؟
- الزوج: أعرف.. لقد حرقت قلبى هذه الكلمة.. ونفذت فى قلبى كأنها رصاصة.
- الزوجة: نعم.. نعم.. نعم.
- الزوج: إن الرصاص لا يصيب القلوب؟ ولكنها الكلمات.
- الزوجة: «دمى من دمكم».
- الزوج: كلمة ستبقى.
- الزوجة: فى قلب مصر.. منذ اليوم.
- الزوج: وفى تاريخ مصر.
- الزوجة: إلى الأبد!
■ ■ ■
انتهت القصة..
والتوقيع فى النهاية: توفيق الحكيم.


هيكل.. مع الهضيبى فى السجن الحربى!
انقلبت الدنيا على جماعة الإخوان!
بدأت حملات واسعة فى كل مكان فى مصر؛ لتعقب أفرادها والقبض عليهم منذ اللحظة الأولى لاكتشاف أن محمود عبد اللطيف الذى أطلق الرصاص على الرئيس جمال عبد الناصر فى ميدان المنشية بالإسكندرية عضو قديم فى الجماعة. وبعد اعترافه بأنه نفذ هذه العملية امتثالا لأوامر الإخوان.
وكان السؤال هو: أين حسن الهضيبى المرشد العام لجماعة الإخوان؟
هل هرب بعد فشل محاولة اغتيال عبد الناصر؟
وهل سيسقط فى أيدى أجهزة الأمن التى كانت قد بدأت بالفعل تبحث عنه؟
■ ■ ■
وأخيرًا تم الإعلان يوم 31 أكتوبر 1954 عن القبض على حسن الهضيبى.
وروت جريد «الأخبار» قصة القبض عليه فقالت:
قُبض أمس على الأستاذ حسن الهضيبى، كان مختبئا فى فيلا بالإسكندرية استأجرها تحت اسم مستعار، هو الدكتور حسن صبرى. استطاع البوليس أن يرى الهضيبى بمنظار مكبر على سطح الفيلا. اقتحم البوليس المسكن، وكان الهضيبى يقرأ جرائد الصباح!

وقالت صاحبة الفيلا: إن شابا فى الخامسة والثلاثين هو الذى استأجر منها الفيلا بحضور سمسار، وادعى أنه دكتور فى الجامعة. الإيجار بدأ منذ 15 سبتمبر الماضى مقابل 26 جنيها شهريا. ولم تعرف بعدُ شخصية هذا الشاب!

وتم نقل الهضيبى بعد القبض عليه إلى سجن الأجانب بالإسكندرية. وشهد الجيران بأن زائرين كثيرين كانوا يترددون على الدكتور حسن صبرى ليلا؟ لم يزره أحد بالنهار. وكان خادمه هو الذى يخرج فقط من الفيلا.

وصرح البكباشى زكريا محيى الدين وزير الداخلية. بأن القبض على الهضيبى تم بصفته المحرض على الحوادث الأخيرة. وأن هنداوى دوير قد اعترف اعترافات كاملة صريحة.


■ ■ ■
كان زكريا محيى الدين بصفته وزيرا للداخلية قد علم أن الهضيبى موجود فى الإسكندرية فى الفيلا رقم 14 فى شارع سانت جينى. وهى فيلا مكونة من 6 حجرات. فأصدر أوامره فى الحال إلى حكمدار الإسكندرية الأميرالاى محمد لبيب والبكباشى عبد العزيز الشافعى بضبطه.
وكان مشهد الفيلا يثير الغموض والريبة..
فلم يكن يخرج منها أو يدخل إليها أحد. سوى خادم فى السادسة والعشرين من عمره. قال للجيران إن سيده هو الدكتور حسن صبرى. الأستاذ الجامعى الذى نقل إلى الإسكندرية حديثا!
وراقب رجال البوليس عن قرب..
فشاهدوا الهضيبى وهو يتجول فوق السطوح فى التاسعة صباحا. وكان يضع على رأسه قبعة من الخوص.
وتأكد رجال البوليس من شخصية الهضيبى. لأنهم كانوا ينظرون إليه من خلال منظار مكبر!

وتم إبلاغ زكريا محيى الدين فى الحال..
وصدر الأمر فى مساء نفس اليوم فى ساعة متأخرة بالقبض على الهضيبى. وفى السابعة من صباح اليوم التالى حاصرت فرقة من رجال المباحث يقودها الصاغان السيد فهمى ومحمد حتاتة الفيلا.
ثم اتجه الضابطان إلى باب الفيلا وطرقا عليه..
وفتح لهما الخادم الباب. سألاه عن الدكتور حسن صبرى!
وقبل أن يتمكن الخادم من الرد عليهما. اقتحما المكان ودخلا الفيلا ليجدا حسن الهضيبى جالسا يقرأ صحف الصباح!
وطلب الضابطان من الهضيبى أن يذهب معهما. لكنه بدأ يتحدث معهما فى السياسة!

- فقال له الضابطان: ليس لدينا وقت..

إلا لترتدى ملابسك لتذهب معنا!
هكذا تم القبض على حسن الهضيبى.
وقام رجال الباحث بتفتيش الفيلا فعثروا على منشورات وأوراق مهمة مكتوبة باسم الهضيبى وعقد إيجار الفيلا محررا باسمه المستعار.
واصطحب الضابطان الهضيبى فى سيارة إلى سجن الأجانب بالإسكندرية.
وطوال الطريق كان الهضيبى ينظر إلى الشوارع والمارة بشغف.
- وقال: أنا لم أر الشوارع أو الناس منذ شهرين!
لكن أول ما لاحظه الضابطان فى اللحظة الأولى التى دخلا فيها الفيلا ووجدا الهضيبى داخلها.. كان شيئا غريبا!
فقد كان الهضيبى حليق الشارب.. والذقن!

■ ■ ■
وتم نقل حسن الهضيبى إلى السجن فى القاهرة..

وكان النائب العام حافظ سابق قد طلب استدعاء الهضيبى للتحقيق معه؛ لأن تحقيقات النيابة كانت قد بدأت بالفعل مع هنداوى دوير ومع الضابط السابق الصاغ صلاح شادى «ياور حسن الهضيبى».
وكان النائب العام قد اجتمع بأحمد حسن وزير العدل..
وبعد ذلك اجتمع برؤساء النيابة مصطفى الهلباوى رئيس نيابة أمن الدولة وفخرى عبد النبى وعلى نور الدين والمحامى العام محمد عطية إسماعيل. واستعرض معهم مراحل التحقيقات فى الحادثة وتطوراتها.
وفى نفس اليوم كان الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل «المحرر بأخبار اليوم ورئيس تحرير مجلة آخر ساعة» قد حقق السبق الصحفى العالمى الثانى. بعد أن حقق الأول بحديثه مع محمود عبد اللطيف الذى أطلق الرصاص على عبد الناصر.

كان هيكل يدخل فى نفس اليوم زنزانة حسن الهضيبى المرشد العام للإخوان فى السجن الحربى فى ثكنات العباسية.. ليجرى معه حديثا مهما!
قد قدم هيكل لهذا الحديث بقوله: قابلت حسن إسماعيل الهضيبى فى السجن الحربى.
كان ساعة قابلته يعيش تحت تأثير تجربة من نوع جديد!

كانت الساعة الواحدة ظهرا..
وهى الساعة التى يخرج فيها للنزهة والسير فى فناء السجن مع غيره من أعضاء جماعة الإخوان المعتقلين.
وفى كل يوم.. وفى هذه الساعة يسمع حسن الهضيبى والذى معه تسجيلان. تخرج أصواتهما مجلجلة من ميكروفون ينقل ما فيهما بأعلى صوته. ويدفعه إلى فناء السجن الحربى ويذهب به بعيدا لترتد أصداؤه. عندما تلامس التلال الرملية البعيدة على حافة الأفق!
أولهما..

تسجيل للخطبة التى ألقاها جمال عبد الناصر ووجهت إليه الرصاصات الثمانى أثناء إلقائها!
والثانى..
تسجيل لأغنية أم كلثوم التى تهنئ فيها جمال عبد الناصر.. والتى مطلعها «يا جمال يا مثال الوطنية»!
ورأيت الهضيبى وهو يسمع التسجيل الأول..
خطبة جمال عبد الناصر.. والرصاصات الثمانى التى دوت واحدة بعد الأخرى.. ثم فترة الصمت.. التى قطعها صوت جمال عبد الناصر ينادى الرجال الأحرار!
وكان حسن الهضيبى صامتا مغلقا لا تعبير على قسماته!
وشاهدته يستمع إلى التسجيل الثانى..
وهو تسجيل حفلة نادى الضباط.. وعندما وصلت أم كلثوم إلى المقطع الذى تطلب فيه من الحاضرين أن يغنوا «يا جمال يا مثال الوطنية.. أجمل أعيادنا يوم نجاتك يوم المنشية»!
وجلست بعدها أمام حسن إسماعيل الهضيبى فى مكتب قائد السجن الحربى..
جلس حسن الهضيبى على مقعد..وعلى مقعد المكتب جلس قائد البوليس الحربى..
وجلست أنا على المقعد الثالث فى مواجهة الهضيبى.

ومرت لحظات صمت..
كنت خلالها أتأمل وجهه وأدقق النظر فيه.. ويبدو أنه أحس بالذى أفعله. فأطرق برأسه ثم رفعه وحاول أن يبتسم. لكن أعصابه خذلته!
فلم تكمل الابتسامة على شفتيه!
وإنما مر عليهما شبح باهت شاحب لمحاولة ابتسامة‍‍!
وكان الصمت ثقيلا.. على أعصابى!

■ ■ ■
- قلت له: هل يبيح القرآن القتل والإرهاب؟
- قال الهضيبى: لا.
- قلت له: وهذه الرصاصات الثمانى.. هذه التى سمعتها بأذنيك الآن فى الميكروفون؟
- قال الهضيبى: يسأل عنها الذى أطلقها!
- قلت: وهل أطلقها من نفسه هكذا دون تحريض؟
- قال الهضيبى: ومن أين لى أن أعلم أن هناك من حرض؟
- قلت له: ألم يكن التنظيم السرى تابعا لك مباشرة؟

- قال الهضيبى: أنا كنت مرشدا عاما. أبحث رؤوس المسائل وأقررها. ولا أدخل فى التفاصيل! على سبيل المثال. أنا أقول مثلا إن من أهدافنا أن ننشر الدعوة. وهذا رأس مسألة أتركها لمعاونى يبحثون التفاصيل ويشرفون على التنفيذ. ولا أذهب أنا مثلا لكى أنشر الدعوة بنفسى. وأحض ملايين الناس على الفضيلة. شأن هذا شأن التنظيم السرى، كنت أعلم أنه موجود، ولكنه كان بالنسبة لى رأس مسألة، أما التفاصيل فقد كان يشرف عليها اثنان، خميس وفرغلى.
- قلت له: إذن أحور سؤالى.. هل ترى أن الإسلام يبيح إنشاء تنظيمات سرية مسلحة للإرهاب، هل السياسة فى هذا البلد والحريات التى نتطلع إليها يمكن أن تسمح بقيام منظمات سرية مسلحة؟
سكت الهضيبى فترة.. أطرق خلالها برأسه إلى الأرض.

- ثم قال: من قال هذا؟

- قلت له: أنت قلته الآن. لقد قلت أنك كنت تعرف أن هناك تنظيما سريا. ولكن الذى نفيته عن نفسك. أنك أنت الذى كنت تصدر إليه الأوامر. لقد قلت لى أنك كنت تعرف كرأس مسألة. ولكنك لم تكن تعرف تفاصيل الظروف التى يعمل فيها، ألم أكن محقا أن أفهم من كلامك الذى فهمته؟

- قال الهضيبى: لكن لست أنا الذى أنشأ التنظيم السرى. هذا التنظيم أنشأه حسن البنا سنة 1946. وكان الغرض الأول منه محاربة أعداء الإسلام.
- قاطعت الهضيبى متسائلا: أين؟

- قال: أليس للإسلام أعداء؟ أليست بلاد المسلمين كلها محتلة؟ أليس هناك إنجليز فى الأردن وفى العراق؟ وأليس هناك غير الإنجليز أيضا؟
- سألته: وماذا فعل التنظيم السرى لأعداء الإسلام هؤلاء؟

- قال حسن الهضيبى: الذى حدث بعدها أن هذا التنظيم السرى انحرف عن هدفه الأصيل واتجه إلى أعمال العنف والاغتيال. فلما جئت أنا منذ ثلاث سنوات. وتوليت منصب المرشد العام كان أول ما فعلته أن قلت إننى لا أريد تنظيمات سرية. أخرجت من الجماعة فعلا أولئك الذين عرفت أنهم كانوا يتزعمون الإرهاب المسلح. وأقمت مكان النظام القديم نظاما جديدا حددت له أهدافه. وهو أن يقوم أفراده بنشاط رياضى وكشفى.
- قلت له: وهل التدريب على السلاح والمفرقعات يدخل ضمن الأعمال الكشفية والرياضية؟
- قال: لقد أعدت النظام الخاص إلى أصل دعوته. أعدته لكى يحارب أعداء الإسلام. وحاولت أن أبعده عن الإرهاب!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.