أحيانا أسأل نفسي : وماذا استفاد وزير الإعلام أنس الفقي عندما حاصر قنواتنا المحلية الإقليمية «السابعة والثامنة» علي وجه الخصوص وقام بحرمانها من البث علي القمر الصناعي نايل سات وكأنها كانت عارا فضائيا علي الإعلام المصري ينبغي التخلص منه أو التستر عليه وتخبئته؟. لم أفهم حتي الآن ما الذنب الذي اقترفته تلك القنوات حتي يتم حرمانها من أن تطل علي العالم الخارجي مع أنها -وحسب معلوماتي المتواضعة -هي قنوات مصرية تتحدث عن مصر وناس مصر بل ربما تكون هي قنوات تنفرد بالحديث عن مصر الحقيقية مصر البعيدة التي لا تعرفها فضائيات القاهرة والبزنس . يصيبني الحزن والإحباط كثيرا كلما سافرت إلي أهلي في الصعيد وسألتهم: هل يشاهدون القناة الثامنة أم لأ؟، وتكون إجابتهم دائما «عليا» ساخرة وكأن سؤالي كان ساذجا «وح نشوفها فين إذا كانت مش موجودة علي الدش» فغالبية الناس في الصعيد لم تعد تشاهد القنوات التليفزيونية المصرية الأرضية وأصبحوا مشاهدين أسري لوصلات الدش وذوق ومزاج صاحب الوصلة . أتصور أن حرمان هذه القنوات من البث علي النايل سات قد قتلها وقتل طموحاتها ودفن الأهداف التي كانت تسعي الدولة من وراء إنشائها وإطلاقها تحت سابع أرض، فعلي الأقل وإن لم يكن متاحا الآن وأن إطلاق هذه القنوات فضائيا يحتاج إلي تكلفة مالية كبيرة ، فإن تخصيص برنامج ولو لمدة ساعة يوميا علي الفضائية المصرية بعنوان «من الصعيد الجواني» يتضمن الأفضل من مختارات البرامج التي تنتجها هذه القنوات وتتميز بها، أعتقد أنه قد يكون مفيدا وربما يخرج هذه القنوات من عزلتها ويعيدها إلي دائرة الضوء واهتمامات المشاهد الجنوبي مرة أخري. لا أغالي إذا قلت إنه ومنذ مدة طويلة وأنا مشغول بهذه المسألة وقد سبق لي أن تكلمت وأشرت إلي ذلك وكلما أتيحت لي فرصة الكلام في برنامج أو لقاء تليفزيوني، وتحضرني الذاكرة هنا أن هذه القضية تحديدا وربما قضايا أخري كانت ومازالت يعج ويئن منها الصعيد، لا تأتي فضائيات القاهرة لها بسيرة لا من قريب ولا من بعيد قد ناقشها وخصص لها حلقات خمس برنامج «حالة حوار» الذي يقدمه الكاتب الصحفي الدكتور عمرو عبد السميع ، ولأن الشيء بالشيء يذكر يكاد «حالة حوار» هو الحالة التليفزيونية المصرية الوحيدة التي تنبهت إلي إلقاء الضوء علي بعض قضايا ومشكلات وأحوال الصعيد وكنت واحدا من ضمن الذين شاركوا في مناقشة هذه القضايا بصحبة نخبة متميزة من المثقفين والخبراء من أهله وأبنائه مثل «الأبنودي وجمال الغيطاني وجمال أسعد وضياء رشوان والراحل حامد العويضي وعاطف العبد والأخوين مصطفي ومحمود بكري»، كنا نتنافس في طرح المخبأ والمجهول من قضايا الصعيد وعاداته وتقاليده وأسراره وكنوزه التي مازال الكثير منها مجهولا حتي علينا نحن أهل الصعيد، وكان الدكتور عمرو عبد السميع بحرفيته المهنية العالية وقدراته الثقافية وانتمائه المصري الوطني يحول هذا التنافس والاستعراض إلي كرة من اللهب تتنطط بين مقاعد السادة المسئولين «محافظون ووزراء» فيشتعل النقاش والجدل ويردون علي تساؤلاتنا بمنتهي الصراحة وبما يحترم عقولنا وكانت لا تنتهي الحلقة إلا والشعور الغالب لدينا أن شيئا إيجابيا ما سيحدث وأن هناك فائدة آتية لا ريب في ذلك . . دونا عن هذا البرنامج لا أتذكر ولا أستطيع أن أقول إن هناك برنامجا أو فضائية من تلك الفضائيات «الشو» ضبطت متلبسة تهتم وتناقش وتفتش عن الصعيد ذلك الكنز المجهول. والحق أني تصورت أن «مودرن مصر» المولود الحديث والثاني في مجموعة «مودرن الفضائية» عندما أعلنت أنها خصصت يوم الأربعاء للصعيد وقضاياه وأهله، لم أكن أتوقع أن ُتحوله إلي مجرد برامج مسابقات وجوائز عبيطة وساذجة وتافهة أو برنامج كروي لا يختلف عن غيره من البرامج الرياضية « المرطرطة» علي شقيقتها مودرن سبورت، ليس فقط هذه الفضائية، هناك أيضا برنامج آخر أشاهده أحيانا بالصدفة اسمه «نبض الصعيد» لا علاقة له بالنبض علي الإطلاق، فهو برنامج ولد ميتا ولا مضمون ولا معني له وملك لأعضاء المجالس المحلية والحزب الوطني ولا شيء غير ذلك . السؤال إذن: ما الحل لكي يأخذ الصعيد حقه إعلاميا ويعرف الناس عنه ما لم تقله عنه «التوك الشو» للطم الخدود والتي لا تعرف الصعيد ولا تقترب منه إلا في المناسبات والكوارث. الحل أن يعيد وزير الإعلام النظر في قراره ويرفع الحظر عن هذه القنوات المحلية لتكون عوضا عن هذا التقصير الإعلامي في حق الصعيد أو يتم اختصار القناتين «السابعة والثامنة» في فضائية واحدة وتسمي «نايل صعيد مثلا » يكون بها علي الأقل برنامج « توك شو» يومي يناقش ويحلل العديد من القضايا والمشكلات التي يغرق فيها هذا الجزء الجنوبي المهم من جغرافية وحاضر وتاريخ هذا الوطن، وأنا واثق أن ذلك لو حدث سوف يأتي إليه المستثمرون وسيعرف العالم أن في مصر جنوباً يحلم بأن يكون خاليا من الجهل والفقر والمرض جنوباً يبحث عن العلم والمعرفة والأم . أكتب لكم هذه الكلمات وأنا أفكر في كتابة برنامج «توك شو» إذاعي لراديو مصر اسمه «كلام صعيدي» لعل وعسي أن يقتنع الوزير أن للصعيد أيضا حقاً في موجات «الإف إم».