مايجري حاليا في سوق اللحوم الحمراء من تزايد في أسعارها بشكل شبه يومي.. لا يبتعد كثيرا عن الحاصل لأسعار بعض السلع مثل الأسمنت والحديد والسكر.. والتي بات المواطن يراقب بدهشة مؤشر صعودها المتتالي غير المبرر.. في المقابل لا نسمع صوتا أو نقرأ خبرا علي لسان المسئولين.. لذا تزعجني الحكومة بفشلها الدائم في قراءة ترمومتر أسعار السلع.. حتي يكاد يتولد عندي ظن سيئ بأنها (مبسوطة) من زيادة الأسعار.. فما الذي يمكن أن نفهمه عندما ترتفع أسعار اللحوم الحمراء منذ رمضان الماضي بما يتجاوز 30% دون أن تسعي الحكومة لإيقاف هذا الارتفاع عن طريق حزمة من البدائل والحلول؟! تعرف الحكومة منذ سنوات ومع توطن مرض إنفلونزا الطيور في مصر.. أنه قد جري إبادة مزارع دواجن بأكملها.. وعندما بدأت تلك الصناعة تستعيد توازنها.. فإنها لم تعد كالسابق.. وعجزت عن تلبية حجم الطلب السوقي، خاصة أن الدواجن هي البديل المتاح للمواطن عن اللحوم الحمراء.. وعندما ترصد الحكومة تلك الظواهر مجتمعة.. فيجب أن يفطن ذهنها فورا إلي أن خروج أحد جناحي البروتين الحيواني من المعادلة.. سوف يزيد من جشع التجار والجزارين بالمبالغة في أسعار اللحوم الحمراء. كان علي الحكومة التدخل الفوري عن طريق فتح باب الاستيراد علي مصراعيه.. أو دعم الفلاح لزراعة المحاصيل التي تتغذي عليها الماشية.. ولست هنا في معرض وضع الاقتراحات أو الحلول.. لأن ما يشغلني الآن هو سؤال واحد وهو:كيف ولماذا تركت الحكومة مسألة ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء تتصاعد بهذا الشكل الجنوني حتي تحولت إلي أزمة حقيقية؟. المشكلة الحقيقية هي أن ما يجري في سوق اللحوم الحمراء حاصل مثله في سوق حديد التسليح.. حيث زادت أسعاره في ديسمبر الماضي بنسبة 3% ثم في يناير بنسبة 5%.. إلي أن قفز في مارس الجاري 18% دفعة واحدة.. قابلة للزيادة المستمرة غير المبررة.. حيث لم ترتفع أسعار خام البليت المكون الرئيسي لحديد التسليح بنفس النسبة (سعر الطن في ديسمبر 2900 جنيه والآن 3470 جنيهًا).. وأرجع كبار منتجي الحديد وعلي رأسهم أحمد عز زيادة الأسعار إلي تنامي الطلب داخل السوق المصري، خاصة مشروعات البنية التحتية التي تقيمها الدولة.. يسعي التبرير السابق إلي تهيئتنا نفسيا بقبول أي زيادة ستطرأ علي أسعار الحديد خلال الشهور القادمة. ما جري في سوق اللحوم والحديد.. تكرر في سوق الأسمنت عندما قفزت أسعاره بشكل جنوني.. بسبب الأساليب الملتوية التي تمارسها مصانع الأسمنت مثل تعطيش السوق عبر تقليل الإنتاج.. والحجة الجاهزة هي إجراء صيانة للمصانع.. رغم تصديرهم كميات كبيرة من إنتاج الأسمنت إلي الخارج. لا أعتقد بوجود حكومة في العالم تترك المواطنين هكذا في العراء.. وجها لوجه أمام جشع التجار والمصنعين وجماعات رجال الأعمال.. دون أن تتدخل في الأسواق لضبط الأسعار، خاصة أن كل حكومة تمتلك من الأدوات ما يجعلها تحكم السيطرة علي أسعار السلع.. لكن حكومتنا تري أن اقتصاد السوق يعني انتهاء زمن التسعيرة الجبرية.. وتلويحها المستمر بأن اتباع هذه السياسات يمكن أن يؤدي إلي تطفيش المساهمين.. وهذا منطق يخفي وراءه العجز في حده الأدني.. أو التواطؤ في حده الأعلي.. فأي الموقفين تود الحكومة منا أن نراها فيه؟.