أبدى عدد من الاقتصاديين تشاؤما إزاء فرص الاقتصاد المصري في 2013، وقالوا إن العوامل السياسية هي السبب الرئيسي في الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها البلاد حاليا داعين إلى مزيد من المكاشفة والشفافية في إدارة الملف الاقتصادي. وقال عالم الاقتصاد جلال أمين خلال لقاء «الاقتصاد المصري: توقعات 2013»، الذي استضافته الجامعة الأمريكية في القاهرة أمس الأربعاء إن التنبؤ أصعب من المعتاد في الحالة المصرية في ظل عدم الاستقرار الأمني وغياب الثقة وهو ما عزاه إلى «خطاب سياسي لا يدعو إلى الثقة ولا يدعو إلى الاطمئنان ... خطاب سياسي يدعونا للعودة إلى العصور الوسطى».
وقال مؤلف كتابي «ماذا حدث للمصريين؟» و«فلسفة علم الاقتصاد»: «إذا كان الخطاب السياسي هو العودة إلى العصور الوسطى فلا تتوقع ألا يرجع الاقتصاد أيضا إلى العصور الوسطى. التنمية غير ممكنة في مثل هذه الظروف».
كما أبدى بعض المثقفين تشككا إزاء توجهات وسياسات الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين ويقولون إنها تسير بالبلاد على طريق «الأخونة» أو إخضاع مؤسسات الدولة لأعضاء الجماعة ومبادئها، والملف الاقتصادي ليس بمعزل عن بواعث القلق تلك.
القلق بشأن المستقبل هاجس واضح لدى المصريين والسؤال الذي يتردد على الألسنة عند أي لقاء بمسؤول أو مفكر هو «إلى أين تتجه مصر؟».
صعوبة الإجابة على السؤال لخصها أمين بقوله «من الصعب أن تتنبأ وخاصة إذا تعلق الأمر بالمستقبل»، لكن هذا لم يمنع من محاولة تلمس إجابات وإن مال معظمها إلى التشاؤم.
وحتى يستطيع التنبؤ افترض أحمد كمالي رئيس قسم الاقتصاد بالجامعة الأمريكية أن الأوضاع السياسية لن تتغير لعامين أو ثلاثة وعلى هذا الأساس توقع أداء اقتصاديا ضعيفا بنمو لا يتجاوز 2.5 بالمئة في 2013 واستمرار تراجع الجنيه ليصل إلى سبعة جنيهات للدولار قبل منتصف العام مع «شعور غالبية المواطنين بوطأة الأزمة الاقتصادية وزيادة نسبة الفقر».
وتمر مصر بأزمة اقتصادية حادة؛ حيث فقد الجنيه 11 بالمئة من قيمته منذ أحداث الثورة، وتهدف إجراءات الحكومة وقرض الصندوق إلى معالجة عجز مزدوج في الموازنة وميزان المدفوعات بينما عمد البنك المركزي أواخر العام الماضي إلى استحداث نظام جديد لبيع وشراء الدولار عن طريق عطاءات دورية بهدف المحافظة على احتياطيات النقد الأجنبي التي يقول البنك إنها انخفضت إلى مستوى حرج، وبلغت الاحتياطيات الأجنبية لمصر نحو 15 مليار دولار في ديسمبر.
واستعرض كمالي عددا من المؤشرات الاقتصادية المقلقة للاقتصاد المصري حيث تراجع معدل الاستثمار من 16 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2011-2012 إلى 11 بالمئة في الربع الأول من 2012-2013 في حين أن التنمية المستدامة ومعدلات النمو الاقتصادي المرتفعة تتطلب «أن يكون الاستثمار بين 20 و25 بالمئة من الناتج».
وقال إن الاستثمار الأجنبي المباشر سجل 13.2 مليار دولار في 2007-2008 انخفضت إلى ملياري دولار في 2011-2012 أي ما يعادل حوالي 0.5 بالمئة من الناتج وفي الربع الأول من السنة المالية الحالية تواصل الانخفاض ليصل الرقم إلى 108 ملايين دولار «وهو رقم هزيل جدا».
واضاف كمالي «الصادرات انخفضت العام الماضي 2.3 بالمئة أما الواردات فثابتة لأنها سلع أساسية مثل القمح والبترول».
وانتقد الإجراءات التقشفية التي تعتزمها الحكومة المصرية لمعالجة عجز الميزانية في إطار اتفاق على قرض بقيمة 4.8 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي محذرا من أنها ستؤدي إلى انخفاض في الأداء الاقتصادي وتراجع الاستهلاك والاستثمار مما سيؤدي إلى هبوط معدلات النمو.
وتساءل «أين الضرائب التصاعدية على الدخل؟ أين الضرائب العقارية؟» التي قال إنها يمكن أن تحقق عدالة أفضل في توزيع الدخل.
كانت الحكومة قررت في ديسمبر زيادة أسعار بعض السلع الأساسية لكن سرعان ما تراجعت عن الإجراء قائلة إنها تريد طرح الأمر للحوار المجتمعي أولا.
ومن المستبعد أن تحظى إجراءات التقشف ورفع الدعم بقبول شعبي رغم تأكيدات الحكومة بأنها لن تمس الفقراء في بلد يعيش 40 بالمئة من سكانه تحت خط الفقر لكن حتى الخبراء يبدون امتعاضهم إزاء توصيات صندوق النقد الدولي.
وقال سامر عطا الله مدرس الاقتصاد في الجامعة الأمريكيةبالقاهرة إن التجربة أثبتت في الداخل والخارج أن إطلاق قوى السوق بلا قيود لا ينفع مدللا على ذلك بالنمو الاقتصادي الذي شهده أواخر عهد مبارك لكنه لم يكن نموا متكافئا ولم تصاحبه تنمية بشرية أو تصحيح «للخلل الاجتماعي والاقتصادي في مصر».
وقال «سياسات الحكومة منحازة للمستثمرين على حساب جموع المصريين ولن تحقق نقلة نوعية في حياة المواطنين»، وتوقع أن تكون السنة المالية 2013-2014 فترة صعبة ... على الاقتصاد المصري وعلى عموم المصريين.
وأضاف أن الاحتجاجات الاجتماعية والاقتصادية ستزداد بفعل ارتفاع متوقع في التضخم - جراء انخفاض قيمة الجنيه المصري وارتفاع أسعار السلع الأساسية - وبسبب «غياب رؤية واضحة أو خطة محددة لمعالجة ملف الأجور».
واستبعد عطا الله أن تتدفق استثمارات كبيرة من الخارج نظرا لعدم وجود استقرار سياسي إضافة إلى وضع الاقتصاد العالمي الذي يعاني من تباطؤ وتدن في حركة تدفقات رؤوس الأموال.
وقال «من الأفضل في حالة الركود أن تحفز الحكومة – باعتبارها الوحيدة القادرة على الاقتراض - النشاط باتباع سياسة مالية توسعية»، مضيفا أن السياسات التقشفية وبرنامج صندوق النقد سيعودان بالسلب على النشاط الاقتصادي في مصر.
لكن التوقعات للأمد الطويل لم تكن بهذا السوء حيث أبدت منال عبد الباقي المدرسة بقسم الاقتصاد في الجامعة الأمريكية ثقة في فرص مصر على الأجل الطويل بل ووصفتها «بالوردية».
وقالت منال المتخصصة في الأسواق الناشئة إن من الطبيعي أن تكون المرحلة الانتقالية في غاية الصعوبة «لكنها قد تطول أو تقصر» وهي في حالة مصر قد تطول بعض الشيء بسبب الانقسام الشديد وعدم الالتفاف حول قائد.
وعددت مقومات النمو في الاقتصاد المصري مثل السكان حيث تتجاوز نسبة من هم أقل من 35 عاما الستين بالمئة وتوافر العمالة غير المكلفة وقطاع مصرفي وأسواق مال يتسمان بالعمق وتوافر الخبراء.
لكنها رهنت هذا التفاؤل «بخطة استراتيجية طويلة الأمد وعقد اقتصادي على غرار الدول التي استطاعت أن تقلع مثل الصين»، مشيرة إلى فكرة وضع خارطة طريق يلتزم بها أي فصيل سياسي في الحكم أيا كانت توجهاته.
وتناول اللقاء مسألة الصكوك الإسلامية التي نظر إليها البعض بتوجس شديد واعتبرها مدخلا لخصخصة مرافق الدولة وإخضاعها لسيطرة أجنبية بينما اعتبرها آخرون «أداة مالية مفيدة» لكنها لا تقدم حلا سحريا لمشاكل الاقتصاد المصري.