بدأت تنتشر في مناقشات لجان مجلس الشعب وفي الوقفات الاحتجاجية للعمال هذه الأيام كلمة التأميم، هناك مطالبات بإعلان الدولة تأميم الشركات والمصانع التي باعتها في الخصخصة لمستثمرين انتهكوا حقوق البلد والعمال فلا يصح وقوف الحكومة مستسلمة وخائبة الرجا أمامهم ومن ثم يطلب منها البعض تأميم هذه الشركات وإعادتها لملكية الدولة ! والمشكلة أن الدولة لو قررت فعلا تأميم هذه الشركات فسوف يكون بنفس درجة الفساد والسفه والعشوائية وقلة العقل والسبهللة التي مارستها وهي تبيع هذه الشركات نفسها وتخصخصها ! لا يمكن طبعا أن يجلس عاطف عبيد في بيته ومحمود محيي الدين في مكتبه في أمان وثقة وبغرور فخور إلا في بلد مثل مصر فبعد ما فعلاه في بيع القطاع العام ما كان يمكن لهما أن يتمتعا بذرة من طمأنينة لولا أنهما يعيشان ويعيثان اقتصادا في عهد الرئيس مبارك ونجله ! لم تكن المشكلة فقط في بيع الدولة لشركاتها ومصانعها ولكن كانت المشكلة الأخطر والأفظع هي طريقة البيع برخص التراب وبعشوائية وللحبايب وبدون رقابة ولا محاسبة ولا شفافية ولا متابعة مع مجلس شعب مصفق وإعلام متواطئ وشبكة فساد ممتدة ومتغلغلة في البلد كلها وأجهزة رقابية عاجزة ومشلولة وأمن سياسي متفرغ لمطاردة المعارضة والإخوان ورئيس يعتمد علي أهل الثقة وعبدة حكمته ونجل رئيس مليونير يشتغل بالسياسة ويستند إلي مجموعة من منافقيه ومرافقيه من رجال أعمال عقيدتهم هي البيع والخصخصة والمحصلة هي بيع 236شركة بحوالي اثنين وثلاثين مليارا وسبعمائة وسبعة وثلاثين مليون جنيه، بينما خبراء القطاع العام كانوا قد وضعوا تقديرا لقيمة شركات القطاع العام (والتي تبلغ 314شركة) طبقا لتقرير مركز الأرض لحقوق الإنسان بحوالي ثلاثمائة وعشرين مليار جنيه، شفت هذا الفارق المذهل بين السعر البخس المذل المشبوه الذي باعت به الدولة جميع شركاتها (باستثناء قرابة 78شركة ) والذي وصل لحوالي ثلاثة وثلاثين مليارا بينما القيمة الحقيقية تصل إلي عشرة أضعاف السعر الذي باعت به الدولة في عصر الرئيس مبارك ورؤساء وزارته الغر الميامين عبيد ونظيف وفي وزارة الأخ حكيم الثروة محيي الدين! ولأن هذه الدولة هي نفسها باستبدادها وتعميتها وعدم قدرة أحد علي محاسبتها وبحماية رئيسها وبتزوير انتخاباتها وبسكوت وخضوع شعبها فإن التأميم كما الخصخصة بالضبط سيقود إلي فساد وفوضي وسندخل عصر خصخصة التأميم حيث التأميم للشركة التي لا يشغل صاحبها مخه ولشركات رجال الأعمال ثقلاء الظل بينما الحبايب يظلون علي العهد والود ومبالغ تعويض التأميم ستكون منتفخة للأقرباء والأصهار وستكون ضحلة تافهة للغرب البعاد !! إذن لا خصخصة ولا تأميم فأفضل ما ننشغل به بدلا من إنقاذ شركات مصر من هذا النظام هو إنقاذ مصر نفسها منه !