الاقتصاد الأمريكي يسجل انتعاشا بنسبة 3% في الربع الثاني من العام    الإمارات ترحب بإعلان المملكة المتحدة عزمها الاعتراف بدولة فلسطين    وزير الخارجية: مفاوضات غزة جارية.. وبعض المسائل تتطلب جدية وإرادة سياسية من إسرائيل    نقابة الصحفيين الفلسطينيين: 232 صحفيا وصحفية استشهدوا منذ بدء العدوان    جاكسون بديل ليفاندوفسكي في برشلونة    مجلس اليد يحضر ودية منتخب الناشئين أمام تونس لتحفيز اللاعبين قبل المونديال    لويس إنريكي يحسم موقف باريس سان جيرمان من التعاقد مع بديل لحكيمي    تصادم سيارتي مياه بوسط سيناء يُسفر عن إصابة 3 من الإسماعيلية    اجتماع موسع بشركة الصرف الصحي بالإسكندرية استعدادا لموسم الأمطار    فيديو.. الأب بطرس دانيال يكشف تفاصيل وفاة لطفي لبيب: بناته سلّمن أمرهن لله في ساعاته الأخيرة    وزارة الثقافة تعلن تسجيل مصر مبنى متحف الخزف الإسلامي في سجل التراث المعماري والعمراني العربي    الصحة: افتتاح وتطوير عدد من أقسام العلاج الطبيعي خلال النصف الأول من 2025 لتعزيز الخدمات التأهيلية    رئيس جامعة المنيا يحفّز الأطقم الطبية قبيل زيارة لجان اعتماد مستشفيي الكبد والرمد الجامعيين    برواتب تصل ل50 ألف جنيه.. فرص عمل في البوسنة والهرسك ومقدونيا الشمالية    أهمية دور الشباب بالعمل التطوعي في ندوة بالعريش    ركود السوق يهبط بأسعار الأجهزة الكهربائية 35%.. والشعبة: لا تشترِ إلا عند الحاجة    توقعات الأبراج في شهر أغسطس 2025.. على برج الثور الاهتمام بالعائلة وللسرطان التعبير عن المشاعر    ترامب: الهند ستدفع تعريفة جمركية بنسبة 25% اعتبارًا من أول أغسطس    محافظ المنوفية تنهي استعداداتها لانتخابات مجلس الشيوخ 2025 ب 469 لجنه انتخابية    "الواد وقع".. سائق ميكروباص يعتدي على أسرة بمفك على الدائري    وظائف وزارة التضامن الاجتماعي 2025.. الإعلان الرسمي والتخصصات المطلوبة وخطوات التقديم    سباحة - الجوادي يحقق ذهبية سباق 800 متر حرة ببطولة العالم    التنسيقية تعقد صالونًا نقاشيًا حول أغلبية التأثير بالفصل التشريعي الأول بمجلس الشيوخ    حركة فتح: إعلان نيويورك إنجاز دبلوماسى كبير وانتصار للحق الفلسطينى    زياد الرحباني... الابن السري لسيد درويش    أحمد درويش: الفوز بجائزة النيل هو تتويج لجهود 60 عاما من العمل والعطاء    تغطية الطرح العام ل "الوطنية للطباعة" 8.92 مرة في ثالث أيام الاكتتاب    التحقيق مع صانعة محتوى شهرت بفنانة واتهمتها بالإتجار بالبشر    ختام موسم توريد القمح في محافظة البحيرة بزيادة 29.5% عن العام الماضي    بعد ترشحه لرئاسة ساحل العاج.. من هو الحسن واتارا؟    جامعة بنها الأهلية تختتم المدرسة الصيفية لجامعة نانجينج للطب الصيني    مدرب ألمانيا: شتيجن هو الحارس الأول بعد اعتزال نوير    المشدد 7 سنوات لعاطلين في استعراض القوة والبلطجة بالسلام    35 ألف طالب تقدموا بتظلمات على نتيجة الثانوية العامة حتى الآن    مصر تواجه تونس في ختام الاستعداد لبطولة العالم لكرة اليد تحت 19 عام    في 156 منطقة.. الجيش الروسي يستهدف نقاط تمركز للقوات الأوكرانية    تكثيف أمني لكشف جريمة الزراعات بنجع حمادي    "زراعة الشيوخ": تعديل قانون التعاونيات الزراعية يساعد المزارعين على مواجهة التحديات    الطائفة الإنجيلية تنعي الفنان لطفي لبيب    النيابة العامة: الإتجار بالبشر جريمة تتعارض مع المبادئ الإنسانية والقيم الدينية    الرعاية الصحية تعلن تقديم أكثر من 2000 زيارة منزلية ناجحة    محافظ أسوان يوجه بالانتهاء من تجهيز مبني الغسيل الكلوي الجديد بمستشفى كوم أمبو    انكسار الموجة الحارة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة    ما حكم كشف وجه الميت لتقبيله وتوديعه.. وهل يصح ذلك بعد التكفين؟.. الإفتاء تجيب    جو شو: التحول الرقمي يبدأ من الإنسان.. والتكنولوجيا وسيلتنا لتحقيق تنمية عادلة    علي جمعة يكشف عن حقيقة إيمانية مهمة وكيف نحولها إلى منهج حياة    هل التفاوت بين المساجد في وقت ما بين الأذان والإقامة فيه مخالفة شرعية؟.. أمين الفتوى يجيب    ما معنى (ورابطوا) في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا)؟.. عالم أزهري يوضح    اليوم.. حمزة نمرة يطرح ثاني دفعات ألبومه «قرار شخصي»    33 لاعبا فى معسكر منتخب 20 سنة استعدادا لكأس العالم    استراتيجية الفوضى المعلوماتية.. مخطط إخواني لضرب استقرار مصر واستهداف مؤسسات الدولة    ترامب يكشف عن تأثير صور مجاعة قطاع غزة على ميلانيا    وفري في الميزانية، طريقة عمل الآيس كوفي في البيت زي الكافيهات    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 1447-2026    «مألفناش اللائحة».. رد ناري من رابطة الأندية على تصريحات عضو مجلس الزمالك    هنا الزاهد: حسيت إني بعيش فيلم ريستارت بعد اللي حصل في مصر (فيديو)    رسميًا.. جدول صرف مرتبات شهر أغسطس 2025 بعد تصريحات وزارة المالية (تفاصيل)    محمد السادس: المغرب مستعد لحوار صريح ومسؤول مع الجزائر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جوار شجرة البرتقال.. عفريت
نشر في بص وطل يوم 16 - 03 - 2010


(1)
الخبيث..
فعلها وهرب، كان يعلم نتاج فعلته، لذا قبل أن يبتعد تمامًا، استدار للخلف وابتسم بمكر لم تعرفه الثعالب!
الخبيث..
لعبته كانت متقنة، وما فعله كان قاسيًا، لكنه بكل تأكيد كان يملك سببًا وجيهاً..
الخبيث..
لم نعرف حتى الآن من هو، ولمَ- بالضبط- فعلها!.
(2)
في المقهى الذي نجتمع في ليلاً، نتبادل الأحاديث والحكايات، رأيتهم يلتفون حول (سيَّد)، ويستمعون إليه باهتمام شديد..
اقتربت منهم، فسمعته يروي:
- بينما أنا عائد بعد صلاة العشاء، رأيته..
سألته: ما هو؟
أجابني وهو يرتعش:
- العفريت!.
- عفريت؟؟
- "نعم نعم.. كان ضخمًا، وطويلاً كجزع شجرة.. كان يمسك بيده عصا ضخمة.. قفزت في مكاني أول ما رأيته، قلت: بسم الله الرحمن الرحيم.. خفت أن يفتك بي.. أسرعت أعدو إلى الدار".
خاف؟ (سيد) يخاف؟. ولمَ لا، الخوف أصدق المشاعر البشرية وأكثرها تأصلاً في طبيعة الإنسان، لكن (سيد) كان يصر على أنه "لا أعرف الخوف"، ذات مرة واجه عصابة كاملة من اللصوص وحيدًا، عندما حاولت سرقة جاموسته وخرافه. لم يصب سوى بخدوش بسيطة نتيجة عراك جسدي مع أحدهم، مع أن العصابة كانت مسلحة بالبنادق. (سيد) يبدو دومًا كصخرة ثابتة، لكن الآن يبدو أن هذه الصخرة كانت مجرد قشرة خادعة.
سأله أحد الرجال الملتفون حوله: أين رأيته؟
أجابه: عند الغيط المجاور لعزبة (ممدوح باشا). بجانب شجرة البرتقال الضخمة تلك.
قال (جابر)، الغفير ضئيل الجسد الذي يعمل عند (ممدوح باشا)، من بين الرجال، بصوت خافت مذعور:
- إذن فلم أكن أتخيل!.
سألوه وقد عرفوا الإجابة مسبقًا:
- أنت أيضًا رأيته؟؟
- نعم.. لكنه لم يكن بهذا الحجم عندما رأيته، كان يبدو أصغر، وبرغم أنني لم أتمعن ملامحه، إلا أنني أؤكد أن الدهاء والشرور بديا واضحين في وجهه. وكان في نفس المكان بالضبط!
تأملت وجوههم جميعًا، فرأيت إمارات الخوف الكامنة في ملامحهم!
(3)
بعدها بيومين، رأته –العفريت أو أيًا كان – زوجة (مرزوق)..
عرفنا هذا من (مرزوق) ذاته، الذي حكى لنا عما رأته امرأته، عندما خرجت لتأتي ببعض الماء من ال(طلمبة)..
سألناه: ما هو تحديدًا؟
فقال:
- حسنًا.. ربما هي إحدى تخاريف النساء المعتادة، لكنها تقسم على أنها رأت النداهة تجوب الحقول..
- النداهة؟!
قلناها جميعًا مندهشين في نفس واحد، فأكد قائلاً:
- نعم.. النداهة.. هذا ليس بعفريت عادي.
وحكا (مرزوق) قائلاً وهو يلوح بيده:
- أنتم تعلمون أنني أسكن على مقربة من العزبة، لسنا بجوارها، لكن الطلمبة، التي تحضر منها زوجتي الماء، كذلك.. كنت قد عدت للتو للدار، عندما وجدتها تجري عائدة، وتقول أنها رأتها..
وأكملت أنا: بالطبع بجوار شجرة البرتقال الضخمة.. فأومأ.
هتف (عبد الغفور)، الخفير في الوحدة الصحية:
- لكن لا يوجد شيء اسمه النداهة.. إنها مجرد خرافة!
فقال (مرزوق) ببساطة:
- يمكنك الخروج للغيط وتتأكد بنفسك.!
ابتلع (عبد الغفور) لسانه، وصمت.. حقيقة أن الظلام المدلهم بالخارج من حولنا ربما – مجرد ربما – يكون فيه وحش من نوع ما، هي حقيقة مخيفة فعلا.. ماذا يوجد وراء هذا الجدار الأسود، الذي يعمينا ولا يحمينا؟؟
قال (جابر) في تردد:
- أظن أن السر في عزبة ال(باشا)..
حل الصمت لدقيقتين، فقلت أنا:
- يجب أن نذهب في الصباح لنرى الموضوع!
تبادلوا النظرات، ولم ينطقوا كلمة واحدة للحظة، قبل أن يقول (مرزوق) فجأة:
- سمعتم عن الحادثة التي وقعت بالطريق الذي يمر بجانب القرية.. يقولون أن أثنى عشر شخصًا مات.
- لا حول ولا قوة إلا بالله!
(4)
قال الفتى الصغير (عبد الله):
- يقولون أن هناك عفريت بجوار شجرة البرتقال العجوز!
سألته: من يقولون هذا؟
أجابني: الأولاد.. يقول (محمد) أنه سمع أباه يحكي لأمه عنه.
وبادرني بالسؤال:
- هل تعتقدون أن هناك عفريت حقًا؟.
- لا أعلم..
فسارع بالقول:
- لكنني أعلم.. أنا ألعب هناك كل يوم، ولم أرى أي عفريت هناك ولا مرة.
ربتت على كتفه وقلت:
- ربما تكون محقًا.
(5)
أنا لست جبانًا، ولا أحتاج لهم.
الصباح الباكر، أمسكت فأسي وقررت أن أعرف الحقيقة، سأذهب إلى تلك الشجرة وأرى ذلك العفريت أو النداهة، أو أكتشف أن الأمر كان مجرد خيالات مريضة لأشخاص أصاب الجهل عقولهم بالصدأ.
(6)
ضربة واحدة بالفأس وانتهى الأمر..
لماذا؟.. لماذا؟!
الماكر..
كيف جرؤ على مجرد الاقتراب؟؟ كيف سار بتلك الخطوات الواثقة؟، كيف لم يخش نفسه.. أيعقل؟!
الماكر..
وكيف كان بهذا الوثوق؟ كيف أتى بهذا الهدوء..
الماكر...
ولماذا – بعد أن عرف السر- حطم المرآة، التي كانت تعكس لهم حقيقتهم، فيرتجفون خوفًا منها؟!
الماكر

إسماعيل وهدان
التعليق:
قصة جميلة تجمع بين أساطير الواقع والبناء البوليسي المحكم. لغتها سليمة (فيما عدا أخطاء قليلة) ودقيقة، ربما يكون فيها بعض الإطالة وبعض الغموض، لكن هذا ليس خطيراً على كل حال. المهم ان نغوص-بعد ذلك- في دوافع البشر للفعل، وليس مجرد الفعل.
د. سيد البحراوي
أستاذ الأدب العربي الحديث بكلية الآداب، جامعة القاهرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.