مدّ بائع الكتب يده لي بالكتاب في مكتبة "تنمية" بشارع هدى شعراوي، قائلا: هذا كتاب جيد، لم أكن أعرف من هي "أثير عبد الله النشمي" ولم أسمع بالكتاب، ولكن عندما رأيت علامة الطبعة السابعة اشتريت الكتاب رغم أن سعره 80 جنيها، ورغم غلافه التقليدي للغاية. ظل الكتاب راقدا في مكتبتي لأربعة أشهر قبل أن أتم قراءته في يومين، فيأخذني معه، أو يأتي لي، فثلاثة أرباع الرواية تدور أحداثها في كندا، فقد جعلت الكاتبة بطلها يسافر في كل مرة ليخونها في مونتريال، ولكنها لم تذكر المدينة التي سكنوها.. دخلت للبحث عن الكاتبة، وأعجبني كثيرا كونها سعودية، وأنها أيضا مواليد 1984، وأن هذا هو كتابها الثاني. تدور أحداث القصة في 326 صفحة من القطع المتوسط، على لسان راوٍ واحد هو البطلة "جمانة" تلك الفتاة التي تشبه كثيرا الصورة التقليدية للمرأة السعودية في تربيتها وتصرفاتها وزينتها، ولكنها تتميز بكونها بنت عائلة متفتحة وافقت على سفرها للدراسة بكندا.. وإن كان هذا القرار مبعث قلق وإحساس بالذنب طوال القصة، تقابل "عزيز" وهو أيضا نموذج موجود بكثرة للرجل الشرقي، تزيد عليه عُقد الرجل السعودي وازدواجية مجتمع يقتصر تديّنه في التعامل مع أمور النساء. في القصة أيضا شخصيات فرعية منها صديقتاها الكويتيتان، وصديقا عزيز السعوديان زياد ومحمد، وهناك المرأة التي كانت يخونها عزيز معها "ياسمين"، والعائلة الكندية التي يحيا عزيز معها، وعائلة كلا البطلين. تدور كل أحداث الرواية حول مواقف بسيطة تحدث بين شخصين متحابين خلال سنوات الدراسة -نحو 5 سنوات- لذلك ستبدو للبعض قصة حب وخيانة وجرح شديدة الكلاسيكية، تشبه في لغتها وأسلوبها كثيرا الكاتبة "أحلام مستغانمي"، ولم تنفِ الكاتبة على لسان البطلة إعجابها بأحلام وتأثرها بها. ولكن من هذه المشاهد البسيطة الشديدة الخصوصية قد ترى مجتمعا كاملا كالمجتمع السعودي، وجيلا يتخبط في ازدواجية لا حل لها، ربما لم تعانِ منها الأجيال السابقة مثلنا لعدم وجود كل قنوات الاتصال هذه، وكل هذا الانفتاح على الثقافات الأخرى والمعلومات.. ولكن الآن، بعد أن خرج من هذه المجتمعات بعض أبنائهم، ورأوا ما يحدث في الداخل والخارج وعاصروا كل شيء، هل سيظل الحب والحنين إلى الوطن الأصلي كما هما؟! فتحكي جمانة عن زياد: "كنت في الثامنة عشرة عندما وصلت، جئت في وقت كانت للمعارضة السعودية تحركاتها النشطة، عاصرت الهجوم على أمريكا من هنا، ومن ثم الحرب على أفغانستان والعراق.. تشتتّ ما بين معارضة صاخبة ووطنية نشأت عليها، ما بين عروبتي التي تنزف وما بين الإنسانية التي انتهكت باسم الدين، ما بين وطني الذي أعشق وما بين الدولة التي أقيم فيها وأتعلم من خلالها كيف تكون الحياة، كان صراعا فكريا وعقائديا وسياسيا، كنت أؤمن بفكر وبعقيدة وأؤمن بنقيضها في الغد.. كانت مرحلة انتقالية في حياتي، تعبت كثيرا حتى اتّزنت". تقابل الحبيبان لأول مرة في العيد الوطني السعودي، كما تسمي البطل على اسم "الموحد" عبد العزيز عبد الرحمن آل سعود، ورغم أن الرواية لا تتناول قضايا أساسية كبيرة أو تنادي بشعارات، أو حتى تعرض الأفكار بشكل مباشر، لكن من يتأمل بين ثنايا قصة الحب، سيجد كل القضايا الأساسية والشعارات والأفكار التي تهم المجتمع العربي الآن معروضة في بساطة وعفوية، وهذا ما أعجبني في رواية أثير عبد الله النشمي، فتذكروا هذا الاسم جيدا، لأن خلفه أديبة واعدة.