العداء سمة سيئة للغاية.. العداء نقيصة يُنكب بها المرء في الدنيا.. وذنب يعاقب عليه في الآخرة.. العداء لمن يخالفك الرأي ديكتاتورية.. العداء لمن يختلف عنك في العقيدة ذنب للمؤمن الحق.. فالمؤمن الحق، يدعو لمن يختلف معه بالهداية.. ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة.. هذا ما أمر به ربه عز وجل.. ولو كان فظا غليظ القلب، لانفض الناس من حوله.. وهذا ما حذّره منه ربه سبحانه وتعالى.. والمؤمن الحق يدرك بإيمانه أنه على الناس بمذكّر، وليس عليهم بمسيطر.. ويدرك أكثر أن الخالق جل جلاله قد استنكر عليه أن يكره الناس، حتى يكونوا مؤمنين.. فالإيمان موطنه القلب.. والإيمان جوهر لا مظهر.. مضمون وليس منطوق.. نور يغمر القلب، ويتصاعد إلى العقل، ويذوب في الدماغ.. فكيف يمكن أن ينشأ قهرا وقسرا؟! كيف؟! كيف؟! احسبوها أنتم.. واتفاق الناس على أمر واحد، شيء لم يحدث قط، منذ بدء الخليقة.. ولن يحدث، حتى نهاية الكون.. فلماذا كل هذا؟! لماذا العداء؟! والغضب؟! والعنف؟! لماذا؟! دعونا نتفق جميعا على أن التيارات الإسلامية قد عانت الكثير، في السنوات الستين الأخيرة.. عانت الظلم.. والقهر.. والسجن.. والاعتقال.. والتعذيب.. والاستعباد.. عانت.. وعانت.. وعانت.. حتى قامت الثورة.. الثورة التي أشعل فتيلها شباب مصر الحر.. الشباب من كل الفئات.. وكل الأنماط.. وكل الاتجاهات الفكرية.. والدينية.. وأكثر من استفاد من الثورة ونجاحها، كان التيارات الدينية نفسها.. وكان هذا اختبارا من الله سبحانه وتعالى.. صعد بهم إلى السلطة ليختبرهم.. وضعهم على رأس العباد ليرى، ويرى العباد كيف وماذا يصنعون، عندما تصبح السلطة في أيديهم قبل الثورة، كان دورهم هو الدعوة.. وبعد الثورة صاروا هم السلطة.. وعندما يصبح صاحب الدعوة صاحب سلطة، تكون مسئولية هائلة.. فهو لن يحكم فحسب.. إنه سيحكم ويدعو في آن واحد.. وهذا يؤدي دوما إلى أحد طريقين.. إما صعود الحكم.. وإما هبوطه.. إما ارتفاع الدعوة.. وإما تفككها.. والدعوة الحقة لا تكون بالتفرقة بين الناس.. ولا بالانتقام.. أو التشفي.. أو العداء.. إنها تكون فقط بما أمر الله العزيز الحكيم، المعز المذل، والمنتقم الجبار.. بالحكمة.. وبالموعظة الحسنة.. ولكن ما حدث على أرض الواقع كان يختلف.. لقد أسفرت التيارت الإسلامية عن أنياب، لم يكن ينبغي أبدا أن تكون لها.. تعاملت مع كل من عداها باعتباره عدوا.. كل من اختلف معها في الرأي عادته في شراسة.. كل من عارضها هاجمته في عنف.. وكل من قال لها لا، توعده بالعقاب.. أمر عجيب، لم يحدث في أي عصر من العصور الإسلامية الأولى.. ولم يفعله صحابي جليل واحد.. فلماذا كل هذا؟! المسلمون الأوائل لم يتعاملوا حتى مع الكفار وعبدة الأوثان بهذا الأسلوب.. حتى الكفار لم يهاجموهم أو يتوعدونهم، في أي بلد فتحوه.. سماحتهم وعدالتهم ورقي نفوسهم، كلها كانت السبيل الأساسي لتعاملهم، والجاذب الأول إليهم.. جذبوا النفوس بسماحتهم.. بهروا العقول بعدالتهم.. وخفت القلوب لرقي وسمو نفوسهم.. ببساطة واختصار، صاروا قدوة حسنة، يحلم الكل بالاقتداء بها.. والإنسان يسعى دوما للاقتداء بمن يبهره.. لا بمن يخيفه.. ويرهبه.. ويهدده.. ويتوعده.. هذا لأن هناك أمرين، يستحيل أن يجتمعا معا.. الحب.. والخوف.. فالخوف يصنع نفاقا، ولا يصنع إيمانا.. أما الحب، فهو ينبع من القلب.. ويدخل إلى القلب.. ومعه الإيمان.. الإيمان الحقيقي.. العميق.. الخالص.. النقي.. والحب لا ينشأ بقوانين قهرية.. أو بدستور فاسد.. أو بتحمير الأعين، وعقد الحواجب، وغلظة القول، واتهام كل من يخالف.. الحب ينشأ بقوانين عادلة.. ودستور متوافق.. وحرية حقيقية.. فلا حب دون عدالة.. ولا حب بلا حرية.. احسبوها أنتم، واطرحوا السؤال.. لماذا كل هذا؟! لماذا؟!