نحن شعب مولع بالتكرار، بل يكاد يكون جينا خاصا في سمات المصريين، وربما لهذا السبب ستجد مجموعات تسمى الثورة الثانية والثورة الثالثة... تقريبا وصلوا إلى الخامسة حتى الآن فيما أظن والعدّادة بتحسب! وأصبحنا كما نحتفل بأعياد الميلاد نحتفل بأعياد الأحداث، ونكررها بحذافيرها.. ولهذا أنصحك أن تحتاط لنفسك في ذكرى البرد الذي أصابك السنة اللي فاتت لأن "الدور بيرجع"! وصل الأمر إلى أن ثوار الاتحادية كانوا يحسبون لمرسي خطاباته اقتداء بسلفه، على أساس إن التالتة تابتة، وفرحوا جدا عندما انقطعت الإنترنت ذات يوم ليشبهوه بيوم جمعة الغضب! الأمر لا يقتصر على الثوار، ولكن الجميع يعاني نفس الحالة، مثلا الفلول أو الطرف الثالث يكررون ما قاموا به تماما في نفس المواعيد، الأجهزة الحكومية أيضا تهوى تكرار نفس الأخطاء في نفس الأيام، وهو ما يتضح في السطور التالية: موقعة الجمل = مذبحة بورسعيد في الثاني من فبراير 2011 اقتحمت الخيول والجمال ميدان التحرير، حيث كان الشباب يهتفون بإصرار لإسقاط النظام الذي خرج ليلة أمس يحتال عليهم بخطاب عاطفي، هاعيش وأموت في مصر علشان مش هينفع أسرق في أي مكان تاني!! هاعين نائب من بين الثوار هو المرحوم عمر سليمان اللي كتير عاش مع المعارضة في زنزانة واحدة مش هتفرق يعني كان بيتعذب ولا كان بيعذب!! مش مهم الواد الكبير يمسك مكان أبوه.. عادي أنا عندي شفافية أعترف بأن حافظ الأسد طلع أنصح مني! المهم أن الخيول والجمال كانت خير برهان على أن مبارك قال فصدق.. ووعد فأوفى.. وكلكم أولادي.. ومرت سنة.. (عبارة تكتب تحت كده في الجنب).. خضّر بقى أرضية الميدان وخططها شكل ملعب الكورة، واقتحمت الجماهير أرض الملعب؛ حيث كان الشباب يهتفون بإصرار لانتصار الأهلي.. وبمجرد أن أطلق الحكم صافرة النهاية هجمت الجماهير البورسعيدية على روابط مشجعي النادي الأهلي الذين ذهبوا لتشجيع ناديهم من القاهرة وحتى بورسعيد في رحلة عادوا منها ناقصين 74 شهيدا.. بالطبع كانوا أقلية، ولم يكن معهم قوة تحمي الميدان، ولم تكن هناك حجارة، ولذا انتصرت إرادة الجمال.. أقصد البلطجية في سحق أرواح الأولتراس الذين اتهموا الداخلية بالتخلي عنهم لأن بينها وبينهم "تار بايت".. يوم 2 فبراير أصبح يوم النحس.. أصبح أنحس من يوم 29 من نفس الشهر! ولكن ليس هذا هو المثال الوحيد.. محمد محمود محمد محمود! هذا ليس اسما رباعيا لأسرة عندها نرجسية مفرطة.. هذا اسم لرجل واحد لا علاقة له بما نحن بصدده، ولكن قدره أن اسمه كُتب على شارع يوصلك لوزارة الداخلية، احتشد فيه المتظاهرون أول مرة في نوفمبر 2011 بعد أن هاجمت الوزارة -الذكية جدا- اعتصامهم بالتحرير يوم 19 نوفمبر.. وهو ما ساهم في إشعال الأحداث، وما بين محاولات اقتحام للوزارة، وإلقاء الجنود للحجارة وقنابل الغاز على المتظاهرين لإثارتهم، وما بين دعوات لتطهير الوزارة.. وتدخلات للوساطة من رجال الدين والسياسيين اللي كانوا حلوين زي محمد أبو حامد مثلا! كانت عيون المصريين تُفقأ ودماؤهم تسيل وأرقام الضحايا تتزايد.. حملت أحداث محمد محمود آثارا نفسية قاسية على الثوار، وخصوصا أنها كانت قبيل وأثناء إجراء الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية الأولى بعد الثورة، وبالطبع اتجه الإخوان قولا واحدا ناحية الصندوق، وقالوا إن الداخلية وأطرافا أخرى تريد إشعال الموقف لتعطيل مسيرة الانتخابات والمسار السلمي، وهو ما اعتبره الثوار خيانة، وحدث انفصال تاريخي في رحلة الثورة بين الإسلاميين والثوار.. له أسباب ليس هنا المقام المناسب لشرحها.. ومرت سنة (عبارة تكتب كده في نفس الجنب).. أما في محمد محمود 2012 فقد كان الثوار أكثر وضوحا تجاه الإخوان؛ حيث كتبوا لافتة صفراء على مدخل الشارع تقول: "ممنوع دخول الإخوان"، وإن كان هتافهم العام الماضي ضد المجلس العسكري والداخلية فقد أصبح هتافهم اليوم ضد مرسي والداخلية برضه.. وتطوّرت الأحداث تماما كالعام الماضي، سقط شهداء، أي نعم أقل عددا ولكن كان هذا كفيلا بتأكيد أنه ما زال الدم يهدر والداخلية أو الطرف المجهول يستخدم الرصاص والخرطوش.. وعزمنا بعض على حفلة شم غاز مسيل للدموع والذكريات! ولكن هناك تطور مهم في أحداث محمد محمود 2012 وهو ميلاد ميدان اسمه "سيمون بوليفار".. أنا شخصيا كانت أول مرة أعرف إن فيه ميدان بالاسم ده.. أنا في الأول افتكرته محل حلويات!! أعلم أن الثورة متجددة.. وأن الشعب المصري ذكي بحيث لن يسمح بانحراف مسار الثورة دون أن يخرج لتقويم الانحراف وضبط المؤشر على الأهداف الأولى؛ ولكن ذلك يتم مع مراعاة المزاج العام أو الإجماع أو حتى رأي الأغلبية.. وأعلم أننا جميعا مدينون بالكثير للشهداء الذين سقطوا بجوارنا وحمّلونا دماءهم.. وأن كشف حساب الثورة يتجدد مع كل ذكرى حزينة.. ولكن دماء الشهداء لن يوفيها حقها الغضب ثم مزيد من الغضب، فبالغضب هدمنا نظاما وبالعقل نبني آخر.. ولذا الانتصار للشهداء يأتي بالقصاص العادل وفق مساراته القانونية وتحقيق أهداف الثورة وجعل حلم التغيير واقعا في حياة من بقوا.. هكذا يرتاح الشهداء في قبورهم..