استغرق قانون الآثار الجديد وقتاً كبيراً لإعداده وتقديمه إلى مجلس الشعب، وكما يقول زاهي حواس -أمين عام المجلس الأعلى للآثار- فقد استغرق إعداده خمس سنوات بناء على تكليف من وزير الثقافة فاروق حسني. وثار حوله جدل كبير داخل أروقة مجلس الشعب، مما يعكس وجود روح وطنية لدى بعض المسئولين في مصر الذين لا يرغبون في التفريط في تراثها الذي لا يجوز التنازل عنه. أسباب صدور القانون الجديد جاء القانون الجديد لتحقيق هدفين أساسيين هما: منع تنقيب الأهالي عن الآثار وبيعها بمعرفتهم للداخل أو الخارج، وكذلك ضمان عودة الآثار المصرية المهرّبة من الخارج، والاحتكام في هذا الشأن إلى القانون المصري، وليس قانون الدولة التي تم تهريب الأثر إليها. وكانت هناك مجموعة من الأسباب وراء ضرورة إقرار قانون الآثار الجديد وتغليظ العقوبات به، ومن أبرزها قيام الأهالي بالتنقيب عن الآثار بأنفسهم وأسفل منازلهم خاصة في المناطق الأثرية كمناطق الدرب الأحمر أو الجمّالية، حيث نسمع من حين لآخر عن انهيار منزل ووفاة بعض العمال تحت أنقاضه، والسبب ليس أعمال الترميم، وإنما البحث عن آثار، أو في أسوأ تقدير البحث عن الزئبق الأحمر؛ لأن من يحصل عليه يمكن أن يصبح معه "جِنّ" يُسخّره لقضاء حوائجه على غرار فيلم الفانوس السحري لإسماعيل ياسين. كما أن مصر تعاني من تعديات على الآثار وصلت إلى ثمانية آلاف تعدٍّ، والمصيبة أن العقوبة على هؤلاء المعتدين وفق القانون القديم هي دفع 50 جنيهاً غرامة فقط، وهي بالطبع عقوبة غير رادعة تدفع الشخص لتكرار المحاولة مرة بعد أخرى على اعتبار أن تجارة الآثار ذات عائد ضخم ربما يكون أكبر من تجارة المخدرات، وهناك بعض القرى الفقيرة في الصعيد تحوّل بعض مواطنيها إلى أثرياء في يوم وليلة؛ بسبب التجارة في الآثار، ويمكن الذهاب إلى قرية اللّشت في العيّاط لرؤية منازل -أقصد قصور- هؤلاء الفلاحين "تجار الآثار". والسبب الثاني لصدور القانون هو استعادة آثارنا المنهوبة في الخارج، والتي تتزين بها كبريات المتاحف العالمية.. فلكي يتم التفاوض على عودة أي أثر خرج من دولة إلى دولة أخرى عن طريق المنازعات القضائية، يتم الرجوع للقانون المحلي للدولة صاحبة الأثر المتنازع عليه -مصر في هذه الحالة- لذا لا بد أن ينص القانون المصري على عدم السماح بوجود آثار لها في الخارج ويطالب الدول الأجنبية بردها، أما إذا كان القانون المصري يبيح التجارة في الآثار، فلن تستطيع الدولة استرجاع آثارها من الخارج؛ لأن قانونها الداخلي سيصبح مباحاً فيه تجارة الآثار. لماذا الاعتراض على عزّ؟ هذا الهدف السابق الخاص بحظر تجارة الآثار في داخل مصر من أجل المطالبة باسترداد آثارنا في الخارج كان أحد أسباب الاعتراض على ما جاء في قوانين بعض الدول الأخرى التي تبيح التجارة في الآثار، وهي القوانين التي جاء بها المهندس أحمد عز للمجلس لكي يسترشد بها في إقراره للقانون، كما أن تجارة الآثار في الخارج تتم في الآثار غير الوطنية بمعني أنها ليست ملك الدولة، أما في مصر فهذه الآثار مملوكة للدولة. تشديد العقوبات ولعل هذه الأهداف السابقة هي التي دفعت إلى تشديد العقوبة على كل من يقوم ببيع الآثار أو إتلافها، على اعتبار أن ما يحدث في مصر من تهريب أو تشويه للآثار لا يحدث في أي بلد آخر، لذا وفقا للقانون الجديد يُعاقَب كل معتدٍ على أرض أثرية أو يهدم أثراً بعقوبة السجن مدة لا تقل عن خمس سنوات, وغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه، كما يعاقب كل من يشوّه أثراً أو يتلفه متعمداً بالحبس مدة لا تقل عن سنة.. ولولا هذه العقوبات الجديدة لاستمرت التعديات وزادت أعمال السرقة والتشويه. كما نصّ القانون الجديد على مقاضاة الأجانب الذين يقومون بتهريب الآثار في الداخل؛ لأن إقامة الدعوى في الخارج تتكلف ملايين الدولارات. ما هو الأثر? لقد ثار خلاف كبير بين نواب مجلس الشعب فيما يتعلق بما هو الأثر، ووافق الجميع على الصيغة التي توصّل إليها سرور، والتي تنص على أنه يعتبر كل عقار أو منقول أثراً "مثل تمثال أو غيره" أنتجته الحضارات المختلفة أو أحدثته الفنون والعلوم والأديان منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى ما قبل مائة عام، وجد على أرض مصر، وكانت له صلة تاريخية بها. أبرز بنود القانون وضع القانون تعريفات لحرمة الأثر والأبنية المحيطة به وأراضي المنافع العامة التابعة للآثار، والأراضي المرافقة لها, وتنص بنود القانون الجديد على منع خروج القطع الأثرية النادرة للمعارض الدولية، وإمكانية الموافقة على احتفاظ الأفراد بالقطع الأثرية ووراثتها، مع منع تداولها خارج البلاد أو الاتجار بها، بمعنى منع التجارة في المنقولات الأثرية، على خلاف ما أراد أحمد عز، وهي من أهم النقاط التي ثار جدل كبير بشأنها، كما يجرّم القانون تواجد الباعة الجائلين والحمير والجمال داخل الآثار أو فى الشوارع والمناطق الأثرية، أي أن الجمال يفترض أن تختفي من المناطق الأثرية كالأهرام وأبو الهول، كما تم تقليل مدة تسجيل الأثر إلى 6 أشهر فقط بدلاً من سنتين –بناء على اقتراح الحكومة- حتى لا يتم التوسع في الاتجار بالآثار في فترة السماح التي يقرّها القانون القديم وهي عامان، كما نصت المادة 8 على حظر تداول الآثار المنقولة من تماثيل أو غيرها، ولن يسمح بالتصرف فيها أو بيعها؛ لأن المجلس الأعلى للآثار أولى بشرائها، أما بالنسبة للآثار الثابتة كالعقارات، فسيسمح لحائزيها بتداولها بالتبعية -الوراثة- دون السماح بالتصرف فيها. آثار عدم تطبيق القانون عدم تطبيق هذا القانون معناه العودة لأيام السبعينيات عندما كانت تجارة الآثار مباحة، وهو ما جعل متاحف العالم جميعا تمتلئ بآثار مصر، بل إن المتاحف أصبح بها جناح خاص لعرض الآثار المصرية، ولعلنا نتذكر قضية الآثار الكبرى، والتي اتُّهم فيها مصريون وإنجليز وأمريكان, بسرقة الآثار من مخازن الآثار وهي مغلقة.. لذا جاء تشديد العقوبات ليضرب بيد من حديد على هؤلاء المفسدين الذين يرغبون في التجارة "البيزنس" في أي شيء حتى لو كان ذلك عِرْض مصر المتمثل في آثارها.