هناك مسلسلات تليفزيونية كثيرة قيّمة وتحقّق نجاحات هائلة على مستوى العالم، لكن لا يُدركها الجمهور لأنها لم تصل إليه عبر قنواته، أو لأن أعمالا أقل في القيمة والجودة استحوذت على دعاية أكبر.. وهنا سنحاول أن نعيد مشاهدة تلك الأعمال لنستمتع بها، وندلّكم على القنوات والمواقع التي يمكنكم مشاهدتها بها. من الأشياء المهمة التي تركز عليها شركات الإنتاج السينمائية، وشبكات التليفزيون المحترمة، رصد النجاحات المستمرة للأعمال الأدبية، وكل شركة تختار ما يروق لذائقتها ومنهجها، وتمتاز شبكة التليفزيون العملاقة HBO بانتقائها للأعمال الأدبية الراقية، والتي تبلغ حدا من الجودة، تجعلها صالحة للتحويل على شاشتها المتميزة، إلا أن من عيوب هذه الشبكة أنها تفرط في استخدام مشاهد العنف الدموية لإضفاء جوّ من الواقعية، وكذلك استخدامها للمشاهد الإباحية، وكأنها تريد إضافة الفجور إلى تلك الواقعية! في الآونة الأخيرة قامت HBO بتحويل سلسلة روايات "أغنية الجليد والنار"،للكاتب الأمريكي جورج آر.آر.مارتين (مكونة من 7 كتب، صدر منها خمسة حتى الآن، والسادس سينشر في 2014) إلى مسلسل متعدد المواسم، مستندة على أول رواية منها بعنوان "لعبة عروش"، ليذاع الموسم الأول في 2011، ويحقق نجاحا كاسحا على مستوى العالم، مما شجّع الشركة لإنتاج بقية السلسلة، وهكذا أذيع الموسم الثاني في العالم التالي، ويُنتظر أن يُعرض الثالث في آخر مارس المقبل، ولو أنك دخلت موقع تقييم الأفلام، ستجد شيئا لم تفعله من قبل، حيث وضع بدلا من صورة المسلسل التقليدية تاريخ العرض القادم 31/3/2013. نسيت أن أذكر أن المسلسل أخذ تقييم 9.4 في موقع IMDB، وحسب معلوماتي فإنه أعلي تقييم أخذه مسلسل على الإطلاق. الآن.. أغمض عينيك.. تخيّل أنك تنسحب بوعيك إلى عالم آخر.. عالم مختلف عن عالمنا الذي نعرفه ونألفه.. ذلك العالم المختلف يتشابه مع عالمنا في جوهره، ففيه بشر، وفيهم كل الصفات البشرية المعتادة: الغدر، القسوة، الوحشية، الرغبة التي تصل إلى حد القتل من أجل تحقيقها، وقليل منهم الصادق الذي تأتمنه على حياتك. في ذلك العالم -الذي ذهبت إليه- توجد أشياء أخرى مثيرة، توجد ساحرات جميلات يرين المستقبل، ويتوقعن لك ولأمثالك المجد، وهناك تنانين ترقد منتظرة من يحررها من بيضها، لتنفث النيران وتعيد لذلك العالم مجده وأساطيره! وهناك ذلك الحائط... حائط ضخم، يمتد بطول العالم ذاته، تحيط به الثلوج من كل مكان، يحفظ شعوب البشر بكل أجناسها، من خطر داهم عظيم، يرقد بغموض وجلال بالخارج، والويل كل الويل لمن يخرج! لكن ماذا لو قرر ذلك العدوّ الرهيب الدخول؟ هناك بطولات ستنشأ.. سترى كيف يتحول الأقزام إلى أبطال عظام، وسترى كيف يتحول المصارعون القساة إلى جبناء يذرفون دموعهم! ستشعر بشبكة معقّدة من المؤامرات والدسائس، وستشعر بعدم الأمان، غير أنك لن ترى، فذلك العالم ليس بهذا الوضوح الذي تتصوره! والسؤال هنا: لماذا تُثار كل هذه الضجة بخصوص ذلك المسلسل؟ النص الأدبي "أغنية الجليد والنار".. هذا هو اسم السلسلة الأدبية التي كتبها الأديب، وكاتب السيناريو والمنتج جورج.آر.آر. مارتين، والحقيقة أنه يكتب بمزاج وعناية فائقة بالتفاصيل والشخصيات، مما جعل نصّه الأدبي يخرج بأفضل شكل ممكن، بل يكاد يكون هناك تطابق بين أحداث المسلسل والرواية بشكل بعيد عن محاولة خلق رؤية جديدة كما تفعل بعض الشركات، فخيال الكاتب دوما أوسع وأرحب من خيال منفذيه. ولو أنك قرأت سلسلة "هاري بوتر" و"سيد الخواتم" ستعرف أن الكاتب ابتدع عالما من نسج خياله، يرتكز على ما نعرفه في عالمنا، لكن بمفردات مختلفة، ومع ذلك فقد استطاع السيناريو أن يخرج من الروايات خطوطها العريضة والهامة بشكل متناسق وجميل، بل ويستخدم مشاهد معينة بذاتها وردت في الرواية، وكذلك حوارها.. حبكة المسلسل ركزت -بطبيعة الحال- على قصص الممالك السبعة، والتي تحرص أسرها على الفوز بالعرش الحديدي المسيطر على كل الأنحاء، وحيث ترى كل أسرة أنها الأحق بالعرش من البقية، ومن أجل هذه الغاية تخدع وتقتل وتتآمر، فإما أن تفوز به أو تموت من أجله! في نفس الوقت هناك عدو بشع ينتظر بالخارج، وفي لحظة ما يتجه ذلك العدوّ المخيف إلى الداخل.. الوقت نفسه مختلف، فهناك صيف وشتاء وربيع وخريف، لكن ليس بشكل متساوٍ، فالشتاء طويل ومؤلم وقاس، والصيف قصير وآمن! التمثيل لا يوجد ممثل ضعيف أو متوسط، كلهم يمتازون بالموهبة والاجتهاد، لدرجة أنك قد تشعر بواقعية ذلك العالم، وأنه موجود حتما، وأنك محظوظ لأنك لم تولد فيه. كان أداء شين بين متميزا في دور "إدارد ستارك"، السيد النبيل، والرجل الشريف، وبسبب أمانته وشرفه تُقطع رقبته بسبب الملك الصبي "جوفري"، والذي يتسم بحماقة وقسوة لا شكّ فيهما! وهناك الممثل العظيم بيتر هايدين دينكليج الذي أدّى دور "تيريون لانيستر"، هذا الممثل وصل إلى أقصي درجات التألق والوهج، حتى أنه حصل على جائزتي "جولدن جلوب" و"إيمي" على دوره في هذا المسلسل، كما أن بقية الطاقم لا يقلّ في قوته وتمكنه، مما يصعب حصره وتتبعه هنا. التصوير والإنتاج والإخراج تم التصوير في أماكن طبيعية في جميع أنحاء العالم، وأتصور أن هناك جهدا كبيرا صُنع من أجل أن يكون المسلسل مختلفا في الكادرات المرئية فيه، لإعطاء انطباع بأنه ليس عالمنا، لكنه أيضا ليس منفصلا عنه. هناك مشهد مذهل في أول الحلقة الأولى، للجدار العملاق الذي يفصل بين البشر والخطر الداهم الغامض المنتظر بالخارج، وسط الثلوج البيضاء المترامية، عندما ترى ذلك المشهد ستشعر بالوحدة والرهبة، ومع ذلك فهناك حسّ جمالي لا شكّ فيه برغم لعبة الحكم، والرغبة في التسلط، والنفوس المريضة، وقصص الحب الخالدة، والحروب التي يتساقط فيها الأبرياء من أجل رغبات السادة، نعم.. المسلسل ليس منفصلا عن عالمنا. التدفق والانسيابية، والاهتمام الدقيق بكل صغيرة وكبيرة فيه، والإنتاج الضخم، جعل المسلسل يخرج بصورة مبهرة، حازت على إعجاب مشاهديه، حتى أن البعض منهم يقول بأنهم يشاهدون أروع وأفضل مسلسل رأوه حتى الآن. على الهامش: المسلسل يُذاع على قناة OSN، وهي قناة خاصة بالشرق الأوسط، ويمكن شراء المسلسل من منافذ البيع القانونية في مصر، أو من موقع أمازون الشهير. شاهد تريللر المسلسل هنا إضغط لمشاهدة الفيديو: