استطاع الكاتب الشاب أحمد مراد أن يثبت وجوده ويحجز له مكاناً علي الساحة الأدبية بروايتي «فيرتيجو» و«تراب الماس»، حيث حققتا نجاجاً كبيراً كما يجري حالياً تحويلها لشاشتي السينما والتليفزيون. حيث اتخذ من الجريمة والإثارة عنصراً أساسياً في الروايتين، مؤكداً أن أقوي أنواع الإثارة هي المقترنة بجريمة ولكنه لن يتعمد الكتابة عن الجريمة بدون داع لذلك.. «القاهرة» التقته فكان الحوار التالي. تحمل روايتك الأولي اسم «فيرتيجو». فهل تعمدت اختيار اسم غير معروف لجذب القارئ؟ ربما يأتي هذا الأمر في المقام الثاني بالنسبة للاختيار، لكن «فيرتيجو» هو اسم بار وعادةً ما تحمل البارات أسماء أجنبية فأياً كان الاسم سيكون غريباً بالطبع للقارئ، وعندما يحمل العمل اسم به غموض دائماً ما يجذب القارئ لمعرفة ما يدور بداخله. «فيرتيجو» مرتبط بأن القاهرة جميعها تتشكل من هذا المكان. والبار يلف ويصنع دواراً لمن فيه وهو الحالة التي يتعرض لها البطل. بطل الرواية مصور وهو نفس المجال الذي تعمل به. فلماذا كانت البداية بنفس مجال عملك؟ - هذه أول رواية لي وكان لابد عندما أعمل علي نص أدبي اختار مجالا لاأفكر فيه، أعرف المهنة وتفاصيلها جيداً حتي أفرغ نفسي للأسلوب والحوار، بمعني ألغي من دماغي جزئية مهنة البطل والسبب الأساسي هو أن المصور دائماً في بلادنا غير مفهوم ماذا يفعل أو كيف يعيش، لذا اخترت المصور كأداة تسجيل. فعمله هو الوحيد الذي يظل في الزمن. تبقي الصورة. عمل المصور في النهاية يظل في المجتمع والذاكرة. فهو شخص مهم جداً في تسجيل كل شيء ومع هذا نجد اهتماماً ضئيلاً به. لذا اخترته كشخص علي الهامش لأني مهتم بأن يكون البطل علي الهامش.وكذلك كوني مصوراً فلم أكن لأبذل مجهوداً كبيراً للإلمام بهذه المهنة وتفاصيلها. ماذا عن روايتك الثانية «تراب الماس». وكيف انبثقت فكرتها؟ -البطل فيها صيدلي يعيش مع والدة حياة بسيطة. ثم يموت الوالد فجأة في ظروف غامضة فيتخيل أنها جريمة قتل لمجرد الانتقام من شخص يكرهه في الحي، لكنه يكتشف أن الموضوع أكبر من ذلك بكثير فيقود سلسلة كبيرة من الغموض والقتل. نعود للتاريخ في مناطق غريبة حيث نري أحداثاً كانت تمر بها البلد في الخمسينات وامتد تأثيرها حتي جيلنا هذا. كما تُظهر لنا سبب القبح الذي وصلنا إليه. يجري حالياً تحويل هاتين الروايتين لشاشة السينما والتليفزيون.فماذا تمثل لك تلك التجربة وأنت في بداية المشوار الأدبي؟ - أحمد الله كثيراً علي هذه الفرصة. فليس لي تدخل فيها، لكن ربما كان النوع الخاص بأسلوب الكتابة لهذين العمليين ملائماً للشاشة لأني درست هذا الأسلوب بمعهد السينما ومن ثم كان أقرب للغة السينمائية.وربما وجدها المنتج أقرب إيضاً للغة التي يحتاجها ليحولها لصورة مرئية لأن هناك فرقاً كبيراً بين الرواية العادية والتحويل. وهذا لاينفي أن هناك أعمالاً أفضل كثيراً وفي النهاية السينما المصرية تخضع لتخيلات مختلفة. تم تغيير شخصية البطل «فيرتيجو» لأنثي عند تحويلها للتليفزيون، فما مدي تأثير ذلك علي العمل؟ - تغيير الأحداث يناسب مكان الشخصية الأنثي. وقد سعدت بأن الموضوع بعيد عني ككتابة. تجربة جديدة تشبه المناظرة الشعرية. أصبح لدي نصان أحدهما تليفزيوني وآخر ورقي من خلال الرواية التي ستظل مقرؤة. كون النص التليفزيوني مختلفاً عن الورقي ربما يصب في مصلحته حيث إنه لن يحرق الرواية المكتوبة. هي تجربة مهمة موازية للرواية وفي النهاية الدراما مليئة بالحلول. إلي أي مدي تؤمن إذن بمقولة نجيب محفوظ والتي تؤكد مسئوليته فقط عن النص الأدبي؟ - هناك مقولة خاصة في حياتنا وهي أن العمل إذا لم يتم تحويله كما كُتب يشوبه بعض النقص والإجحاف من المسئول عن تحويله فنياً. نجد أفضل الأعمال التي تم تحويلها لنجيب محفوظ سواء «بين القصرين» و«السكرية» تحتوي علي عوالم ومشاهد لم تكن موجودة في الرواية. كما أنني لم أفضل كتابة السيناريو حيث تطوقت لمشاهدته برؤية مختلفة.وإذا خرج العمل جيداً فسيضيف للرواية وإذا حدث عكس ذلك ففي النهاية عملي موجود بالمكتبة ولن يضر.وأعتبرها مناظرة شعرية أتحمس لها. كونك مصوراً سينمائياً ظهر اهتمامك بالصورة والحركة في روايتي «فيرتيجو» و«تراب الماس»؟ - الصورة والحركة تبرز عندما تتُاح الفرصة لهما.اهتمامي بالتصوير يمتد لأي شيء أقدمه، لست أول كاتب يهتم بالصورة فقد سبقني نجيب محفوظ بذلك، فالصورة هي جوهر الكتابة حيث يشعر بها الكاتب دون إعطاء موسيقي أو صورة يشعر بها. كيف تري عودة الشاشة لأحضان الأدب بعد فترة أنقطاع، وفيما كانت تكمن الأزمة؟ - لقد فتحت «عمارة يعقوبيان» الباب لذلك المجال مرة أخري.أول مرة لكاتب منذ الثمانينات والتسعينات بدأ الكاتب يتحدث مع القارئ.فالكاتب في الفترة الأخيرة أخذ في اتجاه كتابة ما يشعر به، غير مهتم إذا كان سيشعر به القارئ أم لا.وأخذا يهتم بإحساسه الذاتي وإحساس الناقد بعيداً عن قضايا الوطن فحدث هوة وابتعاد نوعي ربما عاد مع «عمارة يعقوبيان» والتي بدأت تحدث القارئ بلغته فانبهر بذلك. كما أجبرت السينما أن تهتم بالرواية كونها تهم القارئ المشاهد. اتخذت من الجريمة خطاً أساسيا في كتابتك، فهل ستصبح عنصراً أساسياً فيما تكتبه لاحقاً؟ - أكتب إثارة وأري أن أقوي أنواعها تلك الموجودة في الكتابة هي التي تقترن بجريمة. أشعر دائماً أن الجريمة هي المحرك الأساسي فقد اقترنت بالحياة منذ البداية. واستخدامي لها عند الحاجة وإذا لم أجد حدث مقترن بها فلن اتعمد كتابتها. في رحلة الكتابة والتجريب ثمة قامات وعلامات إبداعية راسخة في ذهن أي كاتب. فماذا عن أهم من أثر في ذاكرتك؟ - أقرأ منذ المرحلة الإعدادية لأشخاص كبيرة أذكر جيل الستينات ونجيب محفوظ ومصطفي محمود، أنيس منصور ويوسف إدريس، إحسان عبدالقدوس ورؤيته للمرأة وكذلك يحيي حقي ويوسف السباعي وخياله المرعب خاصة في نائب عزرائيل وغيرهم مروراً بالأجيال الحالية. أعتبر المرور بكل هذه الأجيال بمثابة التنفيس. لايجوز أن نغفل قراءتهم.فلقد ترك كل كاتب منهم داخلي شيء مهم وإذا كان هناك نجاح ما تحقق فيرجع لتراكم الخبرة والثقافة من خلال هذة القامات. لكنك ذكرت أن أقرب كاتبين لجيلك هما صنع الله إبراهيم وبهاء طاهر؟ - أقرب كاتبين أحياء بالنسبة لي في الحياة وعلي علاقة شخصية بهم. فقد عاصرت نجيب محفوظ ولكني كنت صغيراً. أقصد أن هذين الكاتبين متعاونان وهذا ليس معناه أن الآخرين ليسوا كذلك.ولكنهم لاينغلقون علي الجيل الجديد بل بالعكس يستمعون لنا ويسدون الرؤية والنصيحة. أذكر أنني عندما انتهيت من روايتي الأولي «فيرتيجو» تلقيت مكالمة من الكاتب الكبير صنع الله إبراهيم كانت بمثابة صدمة كبيرة حيث أثني علي الرواية وما تحمله من إثارة وأخبرني بأنه يريد عمل ندوة لي. وعندما انتهيت من «تراب الماس» اتصلت به وأخبرته برغبتي في قراءته لها وكتابة كلمة عنها إذا وجدها جديرة بذلك. ثم فوجئت به يحدثني تليفونياً بعدأربعة إيام طالباً مني كتابة كلمة علي غلاف الكتاب. جملة جميلة ورطتني لأنها شهادة كبيرة تضعني في منطقة معينة. هل تشعر أن جيلك صنع موجة جديدة في الأدب؟ - ما فعله جيلي لن يشعر به القارئ أو الأدب حالياً وربما بعد عشرين عاماً. لكنهم لن يحددوا انجازهم بأنفسهم وإنما سيأت من يقول بموجة التسعينات ومابعدها.لكني سعيد بتدعيم أبناء جيلي والذين سبقوني. ككاتب شاب.. ما التحدي الصعب الذي يواجه الأباء الجدد؟ - إتقان الكتابة فلقد أصبح النشر متاحا بمختلف الوسائل الحديثة، لكن لابد من الاتقان والاستمرارية وصعوبة الحصول علي موضوع وسط الكم الهائل من الموضوعات التي تمت الكتابة فيها علي مستوي العالم يمثل تحدياً حقيقياً أمام الكاتب.كذلك لابد أن يظل ما يكتبة جدير بالقراءة خاصة عندما يكتب في عالم واقعي ليس به شرود في الخيال. كيف تري المدونات الثقافية ومدي قدرتها علي تقديم أدب حقيقي؟ - بالفعل لقد قدمت أدباً حقيقيا فنجد مدونة غادة عبدالعال "عايزة أتجوز" و«أرز بلبن لشخصين» و«الحب السام» المدونة هي المرحلة الأولي بين الورق الموجود لدي الكاتب والنشر الذي يبُاع بالشارع. منطقة النشر بدون مال فهي مرحلة انتقالية لأي كاتب يمكنة أن يبدأ بها يتمرس من خلالها علي الكتابة، تُعد بمثابة معرض يقدم به عمله.إلي أن يمتلك فرصة كبيرة للكتابة ثم يبدأ النشر وفي النهاية مرحلة مهمة لبعض الكتاب ولكني لم أخض هذه التجربة. ما القضية التي يجب أن يطرحها الإبداع الحالي؟ - أي شيء غير الثورة. فلايجوز أن نرسم ماء يغلي لأنه يتغير كثيراً. وبالتالي الكتابة تتغير من مرحلة لآخري وربما ننظر لكتاب يقُدم عن الثورة حالياً برؤية مختلفة بعد عدة سنوات.لكني مع الشعر والشهادات التي تُقدم وليس الرواية إلاإذا كانت تتحدث عن لحظة معينة بدون الدعاية أو الأنحياز لشيء. قدمت روايتين فما الهدف الذي تنشده من خلال كتابتك؟ - أشعر أن الرواية بشكل ما فعل لاإرادي. وعندما أجب عن هذا السؤال في 2012أفضح الناس والزيف السائد في المجتمع. إظهار المخفي. ليست رواية نميمة بقدر النظر لأنفسنا ومحاولة فهم التصرفات التي لانفهما حتي في علاقتنا العادية وليس السياسية فقط. اهتم من خلال جملة بسيطة لرؤية نفسي بطريقة صحيحة. ومن يقرأ ويجد شيء من نفسه يكتشف أنه يضحك علي نفسه ومن ثم يحاول البحث عن الحقيقة. كيف تري المشهد الثقافي الحالي؟ - كان المشهد جيداً حتي فترة ما قبل الثورة. ولكن دائما خلال الثورات تصمت الكتابة نوعياً. إذا تأملنا كتابات نجيب محفوظ نجد أنه يكتب منذ الأربعينات ثم توقف حوالي سبع سنوات خلال ثورة 1952 وعاد ليكتب بنضج شديد جداً.لأن ماحدث يعُتبر زلزال ولايستطيع أحد الكتابة وهناك اهتزاز. خلال الثورة يحدث تراجع للحركة الأدبية ولكن الفعل والحدث أهم وأقوي من الكتابة. ولابد من التوقف نوعياً ومن ثم العودة والتحليل سواء بصورة مباشرة أوغير مباشرة