يؤمن الكاتب الشاب أحمد مراد أن القارئ هو ولى النعم الأول للكاتب ومحور اهتمامه ومنبع نجاح الرواية وأن سر بقاء جيل الستينيات والسبعينيات أنهم قد أولوا المتلقى حقه وقدره. وفى الوقت ذاته يحلم مراد باليوم الذى تعود فيه القراءة لصدارة اهتمامات القارئ المصرى وأن يرى أنها خطوة قد بدأت فى التحقق مع «عمارة يعقوبيان» لعلاء الأسوانى وما تلاها من تجارب لجيل الشباب.. وعن السينما وتحويل روايته «فيرتيجو» لمسلسل و«تراب الماس» لفيلم وعن صنع الله إبراهيم وبهاء طاهر وجيل الشباب يتحدث أحمد مراد.. * اسم «فيرتيجو» بالنسبة للمواطن العادى قد يبدو غامضا بعض الشىء ألم تخف من هذا الغموض وتأثيره المتوقع على مبيعات الرواية وقت صدورها؟ - لا لم يشكل هذا قلقا بل كان أحد عوامل التسويق فرغبة القارئ فى معرفة معنى الاسم كانت رهانى لجذبه بالإضافة لكونه اسم بار فى وسط المدينة، وهو بار معروف ومعظم أسماء البارات أسماء غربية.
* فى الفترة التى كتبت فيها هذه الرواية كان البعض يؤكد أنه لم يعد هناك من يقرأ، واتجه شاعر بحجم سيد حجاب للشعر الغنائى أكثر بكثير جدا من نشر دواوين ألم تفكر فى تقديم «فيرتيجو» كسيناريو سينمائى كطريقة للوصول الأسرع للجمهور؟ - أنا مؤمن أن عكس ما افترضته أنت هو الصحيح ففرضية تنفيذ السيناريو لا تتعدى الواحد فى الألف، ودعنا نحاول حصر عدد السيناريوهات التى تتم كتابتها وعدد ما يتم تنفيذه منها ستجد مفارقة كبيرة بعكس الرواية التى تجد فرصة نشر كبيرة، ولو كتبت رواية جيدة فستظل فى تاريخك وموجودة على أرفف المكتبات مهما مر الزمن، أما السيناريو فإما يتم تقديمه أو دفنه، وبالتالى فهى صاحبة فرصة أكبر فى الظهور للناس بالإضافة أن هدفى فى البداية كان تجربة الرواية بكل تقنياتها وخبراتها.
ولا أعترف بانتهاء زمن أى شىء فلكل إبداع مجاله وموقعه الذى لا يتزحزح قد يحدث صعود وهبوط فى اهتمام القارئ ففى الستينيات كان هناك زخم كبير للقصة القصيرة ثم الرواية ثم سادت القصة القصيرة حتى جاء علاء الأسوانى ليعيد الرواية لوضعها الطبيعى، وهو ما يتعلق بمصطلح الموضة أو الموجة، وكل الأنواع تخضع لمعايير الصعود والهبوط.
* نقلتنا بإجابتك لعلاء الأسوانى فعالمك فى «فيرتيجو» فى وسط البلد وعالم «عمارة يعقوبيان» فى المكان نفسه فهل ترى أن الأثر الذى تركته هذه الرواية لدى الجمهور قد ساهم فى نجاح «فيرتيجو»؟ - بالطبع هذا شىء حقيقى وفتح بابا كان قد تم إغلاقه طوال فترة الثمانينيات والتسعينيات نتيجة لأن الكاتب فى هذه الفترة كان قد انكب على نفسه، وابتعد قليلا عن القارئ ربما رغبة منه فى الكتابة بلغة أو مفردات يحبها هو شخصيا، لكنهم نسوا فى هذه الفترة علاقتهم بالقارئ والأسوانى هنا قد وجه نداء للقارئ، وكأنه كان فى حالة خصام وتم التصالح، وهو ما كشف أن الناس لم تكن قد توقفت عن القراءة لكن الكاتب كان قد انعزل فى جانب بعيد بعض الشىء عنهم.
والشعب المصرى شعب محب للقراءة وإلا ما كنت قد شاهدت كل هذا العدد من الكتاب فى الستينيات و«عمارة يعقوبيان» فتحت الباب وطريقة جديدة للعالم الواقعى خصوصا بعد أن كان البعض يسخر من الكتابة الواقعية، واصفا إياها بأنها تجارية، وهو شىء غير حقيقى بل هى أصعب طرق الكتابة فتخيل أنك تستطيع إبهار قارئك بشىء يراه يوميا فى الطرقات ويقرأه فى الجرائد وهو ما نجح فيه الأسوانى.
* أنا أندهش مما تقوله حول أن البعض يعتبر الكتابة الواقعية كتابة ساذجة خصوصا أنها هى من صنعت يوسف إدريس كاتبا مهما فى القصة القصيرة ونجيب محفوظ ويحيى حقى والسباعى فعلى أى أساس افترض البعض هذا؟ - لا هذا هو الرأى السائد منذ منتصف السبعينيات لأنه بعد موجة الواقعية القوية جدا فى الستينيات ومنتصف السبعينيات ربما يكون البعض قد سأم من هذه الموجة، واهتم بالكتابة فى الذاتية والجسد والحكى الخاص، وهو ما لم يستطع اجتذاب القارئ أو الوصول لدرجة وعيه خصوصا أن البعض قد اعتبر أن القارئ لو لم يفهمه فهو جاهل، وأنه يكتب لنخبة ثقافية معينة، وهو عكس وظيفة الكاتب الذى يجب أن يذهب لأكبر قدر من الطبقات.
وهذا هو الهدف وأنا لو خيرونى بين الجوائز وأن يحب الناس ما أكتب لاخترت أن يحب الناس ما أكتب؛ لأننا نكتب للناس.
* منذ فترة طويلة كنت قد أجريت حوارين مع أحمد خالد توفيق ونبيل فاروق وأعطانى الاثنين نفس الرد بل أكد لى نبيل فاروق أنه لم يعد يهتم برأى النقاد فالمهم الجمهور؟ - مع احترامى الكامل للناقد إلا أنه مهما كنت مختلف فهو فى النهاية قارئ من القراء فلو نلت استحسانه فهو شىء جميل ولو جلبت السعادة لقارئ أو إنسان عادى فهو شىء عظيم فتخيل معى أنك، وبعد أن قرأت فيرتيجو قد تتغير وجهة نظر البعض لمصور الأفراح الذى يتعب ويشقى من أجل جنيهات قليلة مع أنه يسجل تاريخك، وذهب إليه البعض، وقاموا بتوجيه الشكر له وقتها أكون قد حققت شيئا، وتركت أثرا قويا وأهم عندى من أن يقول لى أحد أجدت أو برافو عليك، وهذا ليس استهانة بالناقد بالعكس تماما بل احترام أكبر للقارئ.
* أنت وجيلك وتحديدا أحمد العايدى ومحمد صلاح العزب ومحمد فتحى وطارق إمام ومحمد علاء ربما تكونون قد صنعتم موجة جديدة للأدب الشاب أو للكتابة الجديدة؟ - لا نستطيع قول هذا، وهو شىء مبكر جدا أن نقوله ربما بعد عدة سنوات ومع بقاء كل منا نستطى رؤية وتقييم تجربة هذا الجيل.
ونحن مثلا لا نستطيع تقييم أنفسنا وأنا أقدم أفضل ما لدىّ وكونى أنا أو أى شخص من جيلى قد غيرنا فى طريقة الكتابة أو نوعيتها لهو شىء يحكم عليه من يأتى بعدنا وأنا آخر اسم فى هذه القائمة التى ذكرتها خصوصا أنهم قد بدأوا قبلى، وقدموا نماذج مختلفة للكتابة مثل سلسلة «مجانين».
* منبع الأجيال السابقة فى الكتابة كان هو التراث أو الرواية، بينما الجيل الحالى منبعه الأساسى ومخزونه الإبداعى جاء من السينما، وهو ما يمكن أن يطلق عليكم جيل الرواية السينمائية؟ - السينما هى الفن السابع الشامل لكل الفنون وأنا أحد عشاقه ودرسته وهو المسيطر حاليا خصوصا أنه لا غنى عن الصوت والصورة ولا فكاك من أهمية السينما وفكرة تحويل الروايات لأفلام سينمائية هى ليست موجة بل هو السائد حاليا، وأنجح الأفلام التى تقديمها هذا العام مأخوذة عن الرواية ولا جدال أن جيلنا لو كان سيسهم بشىء فهو سيحقق الصلة بين الكتابة والسينما.
* ولكن يبقى التساؤل هل ستظل الرواية التقليدية هى الأكثر غلبة أم الرواية السينمائية وأنا شخصيا أعتقد أن السينما قد غيرت لغة الكتابة الأدبية تماما؟ - نجيب محفوظ فى الخمسينيات جعلنا نرى الصورة ونجاح جيل الستينيات كله أنه كان يعطينا وصفا بسيطا نرى من خلاله الصورة.
وأما التحويل لعمل سينمائى فلا يشترط وجود رواية قوية، لكن المهم وجود الحبكة الدرامية القابلة للتحويل، ويأخذها سيناريست يحولها لفيلم جيد، المهم الحبكة.
* عندما يصل عدد طبعات كتبك لرقم كبير يتعدى العشرة طبعات مثلما حدث مع «فيرتيجو» أو الخمسة مع «تراب الماس»، وهو نجاح كبير فماذا تشعر بعد هذا؟ - بالرعب لأن قاعدتك الجماهيرية قد زادت وأستطيع أن أؤكد أن هذا قد أكسبنى توترا وضغوطا أكثر.
* لماذا نقوم بعمل إعلان دعائى لكتاب مثلما قمت أنت مع روايتك الثانية «تراب الماس»؟ - هو شىء يحدث فى العالم كله وأنا أعتقد أن وجهة النظر هذه وتعجبك من صنع إعلان خاص بالرواية فيه ظلم كبير للكتاب الذى أعتبره اجمل سلعة وأهم سلعة وهو الأساس ومع ذلك تتعجبون من تقديم إعلان له بل هو حقه الطبيعى فأنا لا أفرض عليك شراؤه بل أخبرك أنه موجود وهو قد حقق 11 ألف زائر على موقع اليوتيوب.
* «فيرتيجو» تحولت لمسلسل وقمتم فيه بتغيير جذرى هو نقل البطولة من مصور ولد لمصورة بنت أليست هذه مغامرة؟ - لست أنا من يكتب السيناريو وأنا حضرت الجلسات الأولى لإعداد العمل وهو موضوع فاجئنى وكان غريبا ولكن عندما بدأت التعامل مع الفكرة أعجبنى ما يحدث فعلى سبيل المثال أنا من يكتب سيناريو «تراب الماس» وقمت بعمل تغيير لشخصيات أنا صاحبها المهم مصلحة العمل وأن يكون الكاتب مرنا لكل الأفكار الجديدة وفيلم مثل «wanted» الذى لعبت بطولته أنجلينا جولى كان مكتوبا خصيصا لأجل توم كروز ومحمد ناير كاتب جيد ومجتهد وهند صبرى «ذاكرت» العمل بشكل جيد وعثمان مخرج جيد وأنا سعيد بتجربة تحويل الأعمال الأدبية لسينمائية ولو نجحنا فى هذا فلن تستطيع السينما ملاحقة الافكار التى ستأخذها من الأدب.
* لماذا لم تكن أنت من يكتب سيناريو المسلسل خصوصا أنك دارس للسينما؟ - أثناء كتابة «فيرتيجو» كفيلم على يد رامى عبدالرازق وتامر عزت كنت أتابع معهم تقنيات السيناريو حتى تعلمتها ومن هذا كتبت أنا بنفسى سيناريو تراب الماس أما هنا فلدينا مسلسل، وهو ما يحتاج لعمل شاق لمدة 13 ساعة وببال رائق وأنا مضغوط وأكتب عملا جديدا، وهى خطوة صعبة فتخيل 30 حلقة كل حلقة مدتها 45 دقيقة.
* بمناسبة «تراب الماس» هل سيتم تغيير الكثير من تفاصلها خصيصا من أجل أحمد حلمى كى تنال مزيدا من الروح الكوميدية؟ - بالعكس تماما هو ملتزم جدا بالنص ويشعر بالروح الموجودة فيه وخصيصا مع لمحة الكوميديا الساخرة وهو قد احترم خصوصية الرواية، وبالنسبة لما تقوله عن تدخلات حلمى وقلقه وكتابته للعمل أكثر من مرة فهو من حقه فتخيل حجم المسئولية الملقاة عاتقه.
* عمل جديد أعطينا بعض المعلومات عنه؟ - هو عمل جديد لن أتحدث عنه مطلقا الآن ولكنى أعد القارئ بنوعية مختلفة تماما عما اعتاده القارئ منى.
* من كتب تقديم روايتيك على غلافها الخلفى هو الأديب صنع الله إبراهيم فهل أنت من اخترته أو هو من اختارك؟ - فى «فيرتيجو» هو قال رأيه وأنا أعتبر هذا من أجمل الأشياء التى حدثت معى أما فى «تراب الماس» أعطيتها له ليعطينى رأيه وبعد ثلاثة أيام اتصل بى هاتفيا وأملانى الجملة التى قرأتموها على الغلاف الخلفى لتراب الماس وهو شخص بلا أية عقد نفسية بل مد يده لجيلنا ولم يخذلنا، وهو لا يبخل على أى شخص بمد يد العون، وهو ما لا يحدث كثيرا من جيله تحديدا.
* ألاحظ أن الأكثر اقتراب من جيلكم اثنان صنع الله إبراهيم وبهاء طاهر فلماذا نشعر بهذا؟ - هى صفة واحدة أن الاثنين وحتى الآن يحملون قلوبا شابة لم تشيخ وغير محملين بأى كراهية. ولى تجربة مع كاتب من جيلهم هاجمنى بضراوة بدون تقديم أى نصيحة ولن أذكر اسمه.
وأتذكر أن صنع الله كان قد نظم ندوة فى منزل أبوالغار، وحضرها بهاء طاهر وقال لى بالحرف الواحد: «أنا لا أفهم ما تكتبه وهو نوع غريب لم نعتده، ولم نتعلمه وهو ليس رواية ولا تغضب منى، فما تكتبه ليس رواية هو شىء لا أستطيع تسميته ولكن نفس هذه الكلمات قالها طه حسين لنجيب محفوظ من قبل» وساعتها قبلته وحضنته وكان حاضر وقتها محمد علاء وبالطبع صنع الله إبراهيم وإبراهيم عبدالمجيد مع حفظ الألقاب للجميع.
* صنع الله إبراهيم كتب على ظهر روايتك أنك رائدا لكتابة جديدة فهل تعتقد أنت فى صحة هذا؟ - هى كلمة كبيرة جدا ولا تنتطبق علىّ فرواية «اللص والكلاب» لنجيب محفوظ رواية تشويقية من الدرجة الأولى وأنا كتبت هذه العبارة لأن صنع الله إبراهيم هو من كتبها، وهو حمل ثقيل على أكتافى والتجددى الوحيد فيها هو تقديم رواية اجتماعية وفى الوقت ذاته بها قدر كبير من الإثارة، وهو ما يحدث فى الغرب ولكن نتيجة للفجوة التى تحدثنا عنها من قبل بين الأجيال فقد قل جدا الكتابة فى هذا النوع لفترة لأعاود أنا الكتابة فيه.