نعم.. للكذب والتضليل والتشويه فن يُدرّس في كليات الإعلام والعلوم السياسية، وربما كليات أخرى، ولكن تدريسه يهدف إلى كيفية اكتشاف الكذب والتحذير منه.. لكن مع الأسف.. هناك بعض ممن درس الإعلام، كان يريد أن يكتسب مهارة فن الكذب والتضليل والتشويه.. ليشهرها سلاحا في مجتمع طيب عاطفي، لكنه أيضا مجتمع ذكي يفرق أغلبه بين الصالح والطالح.. فتجد في إعلامنا يستخدمون ببراعة نظرية Euphemism، وتعني التهدئة من وطأة الأخبار أو المصطلحات، فيقوم إعلامنا مثلا باختزال القوى الليبرالية والعلمانية واليسارية بتسميتها ب"القوى المدنية"، فنقرأ في عناوين الصحف ونسمع في التليفزيون أخبار مثل "انسحاب القوى المدنية من الجمعية التأسيسية للدستور"، "القوى المدنية تعارض الرئيس مرسي في تظاهرات بميدان التحرير" وكأن ما دون تلك القوى هم عسكريون مثلا، فعكس المدني عسكري، وليس عكس المدني إسلامي كما يروّج إعلامنا.. ولكنهم يهدفون بإطلاقهم اسم "القوى المدنية" على الأحزاب والحركات الليبرالية والعلمانية واليسارية، حتى لا يرفضها مجتمع يحب التدين من ناحية، وحتى يتم تصوير الإسلاميين بأنهم ضد المدنية من ناحية أخرى. وأهم ما يستخدمه بعض إعلاميونا للخداع والتضليل والتشويه نظرية Deliberate Omission وتعني الحذف المقصود، أي حذف جزء من الخبر، أو النص من أجل إعادة توجيه المعنى لخدمة غرض آخر، وهذا لا يعني فقط تضليل وتشويه وكذب، بل يعني بالأساس عدم الأمانة.. ونرى أن هذا الأمر يستخدم مثلا مع مشروع الدستور الحالي، فنرى من معارضي هذا الدستور، من يجتزئون من المواد ليشوهونها ويضللون المشاهد أو القارئ عنها، لإقناعهم بالتصويت ب"لا" على الدستور، رغم أن هناك موادا موجودة أصلا في الدستور جدلية يمكن تناولها، لكن هؤلاء الإعلاميين يرون أن تلك المواد الجدلية لن تشغل بال المواطن كثيرا، فلجئوا إلى تشويه مواد أخرى لتضليل المواطن.. ويستخدم بعض الإعلاميين أيضا نظرية تهييج المشاعر Sensationalism، لإثارة الرأي العام، فنرى بعض الإعلاميين يقولون على الدستور مثلا "لا لدستور فاشي يقمع الحريات ويخلق رئيس إله و..."، وسمعت أحدهم يقول "مصر في أزمة طاحنة، الدماء تملأ الشوارع كالأنهار، ولا أمان لأحد يسير وحده في الطرقات، والأسوء لم يأت بعد". وكثير هي نظريات الإعلام في فن الكذب والتضليل والتشويه، يستخدمها بعض إعلاميي مصر ببراعة، وبعضهم يستخدمها بسفه وقلة خبرة، وبعضهم يكذبون دون استخدام أي نظريات..
وهنا أختم كلامي بما قدم به الإعلامي يسري فودة حينما كان يقدم لإحدى حلقاته سري للغاية على قناة الجزيرة حينما قال: "حينما يتحول الحق إلى شك.. ويتحول الشك إلى زور.. ويتحول الزور إلى بهتان.. فتش عن الإعلام.. اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى تصدق.. هؤلاء المتلاعبون بالعقول بكل منهجية وبكل إبداع يستحقون من الناحية المهنية كل إعجاب، حتى وإن كانوا من الناحية الأخلاقية كل احتقار". إضغط لمشاهدة الفيديو: