ما إن وصل الإسلاميون إلى الحكم في تونس ومصر، وبشائر بوصولهم إلى الحكم أصبحت في كل دولة عربية تُقام فيها ثورة، الأمر الذي جعل عددا كبيرا من الباحثين والمؤسسات الصحفية والبحثية تعكف على دراسة الحكام الجدد؛ لإمكانية فهم كبيعة حكمهم، ونظرتهم إلى السياسة.. كان أبرز ما ظهر في مقدمة الحكام الجدد في دول الربيع العربي الإخوان والسلفيون، وكان المحيّر للمراقب على المشهد السياسي، تلك العلاقة بين الجماعتين، فتارة تجد الإخوان حلفاء للسلفيين يساند بعضهم بعضًا، وتارة تجدهم فرقاء، ينتقد بعضهم بعضًا في وسائل الإعلام، وعلى مرأى ومسمع من الجميع.. فأين الحقيقة؟؟ هل الإخوان والسلفيين إخوة أم أعداء؟!! سؤال حاولت جريدة الشرق السعودية الإجابة عنه عبر أربع حلقات تناولت فيها العلاقة بين الإخوان والسلفيين فكريًا وتاريخيًا، عبر آراء خبراء سياسيين ورموز من الإخوان ورموز من السلفيين.. تناولنا في قمنا بعرض حلقتين منهما في الجزء الأول من تقرير "الإخوان والسلفيون.. إخوة أم أعداء (1) اضغط لقراءة التقرير"، وسنقوم في السطور القادمة بعرض الجزء الأخير.. الإخوان والسلفيون.. الأفكار والعوامل المشتركة ربما من يقرأ الجزء الأول من هذا التقرير، وخاصة المتعلق بالاتهامات المتبادلة بين الإخوان والسلفيين الجهاديين، ما أنه لا وجه لاتفاق بينهما على الإطلاق، بينما من يطلع على أفكار وأهداف الجماعتين، يرى فيهما من العوامل المشتركة، وربما هذا ما يجعلهم على وفاق أحيانًا.. وترى صحيفة الشرق القطرية في تقريرها أن الإخوان المسلمون والسلفيون الجهاديون يبنون تعاملهم مع بعضهم بعضًا على أساس التوافق، رغم الفروق بين المدرستين سياسياً وفكرياً ورغم ذهاب بعض الجهاديين إلى تكفير الإخوان. وتتركز اختلافات الطرفين تحديداً –وفقًا لصحيفة الشرق السعودية- على استخدام السلفيين الجهاديين لمبدأ القوة والعنف، واستخدام الإخوان المسلمين لمبدأ المشاركة السياسية.. ومن ناحية الاختلافات الفكرية، نقلت الشرق عن المهندس علي أبوالسكر-القيادي في جماعة الإخوان المسلمين بالأردن- قوله إن الجماعة صاحبة فكر إسلامي متوازن من حيث النظرة للأمور، وشامل من حيث أخذ الأمور بمجملها، أي عدم التركيز على أمر دون آخر، موضحًا بالقول: "نتحدث عن الجهاد والدولة والمجتمع والرياضة والاقتصاد والالتزام الأخلاقي وتنمية المجتمع والحريات بجوانب مختلفة، وهو ما يميزنا عن الجماعات الإسلامية الأخرى التي تركز على مضامين محددة وتترك الأخرى". في المقابل، يقول السلفي الجهادي البارز في الأردن، سعد الحنيطي أن الخلفيات الفكرية للإخوان والسلفية ليست متباعدة من الناحية النظرية، فكلهم يقول إنه في دائرة أهل السنة والجماعة، وكلهم يقول إن مشاربه هي الكتاب والسنة، لكن السلوك السياسي والعمل على أرض الواقع يُحدِث الاختلاف. متسائلاً في حديثه لصحيفة الشرق: "كيف يسمح سياسي محترم أن تجري انتخابات وكلهم يقول إنها حرة ونزيهة، ثم يعقد صفقة تحت الطاولة خلف الكواليس مع الأجهزة الأمنية لينال 16 نائباً في البرلمان؟ في إشارة منه إلى إخوان الأردن. ويوضح سعد الحنيطي خلافاً آخر للسلفيين الجهاديين مع الإخوان حول مفهوم الجهاد، حيث يرى الحنيطي –وفقًا لصحيفة الشرق- أن هذا المصطلح "عليه ضغوط كبيرة جداً من أجل إنهائه من قاموس المسلمين ودفعهم إلى استخدام ما يسمى بالطرق السلمية لتحصيل مطالبهم، لكن نحن وعلى خلاف الآخرين نرى أن ديار المسلمين مستعمرة، إما استعماراً مباشراً أو غير مباشر، ويجب أن يُستَخدَم الجهاد لتحرير هذه الأراضي من الاستعمار الذي قد يكون ناعماً في نظر العوام لكنه يمنع الأمة من تحقيق أهدافها ومن أن يكون لها قرار مشترك، ومن الواضح أن الإخوان يفضلون ما يسمى بالطرق السلمية، ونحن نختلف معهم على ذلك". بدوره، يعتقد الباحث المعروف في شؤون الجماعات الإسلامية، حسن أبو هنية، أن الجذر الإخواني هو الجذر المؤسس الذي وضع اللبنة الأساسية في أفكار السلفية الجهادية، التي تطورت فيما بعد إلى القاعدة. مما سبق، يُلاحَظ عموماً اتسام السلفيين الجهاديين بمبدأ القوة والعنف لتحقيق أهدافهم وأفكارهم، بينما يلجأ الإخوان إلى الطرق السلمية والمشاركة السياسية لتحقيق أهدافهم وأفكارهم. هل السلفيون الجهاديون منشقون عن الإخوان؟!! قادة وأعضاء الإخوان في الأردن لا ينفون وقوع انتقالات من الجماعة إلى التيار الجهادي، ولكنهم يعدونها رد فعلٍ على القمع الأمني الذي تمارسه الدولة تجاه السياسيين، موضحين أن ضحايا القمع يصبحون عادة متشددين، وفقًا لصحيفة الشرق السعودية. ويرى المهندس علي أبو السكر -القيادي في إخوان الأردن- أن عجز الجماعة أو عدم قدرتها على تحقيق الأهداف التي وضعتها بسبب تعسف الأنظمة الموجودة وعدم قبولها حتى بالطروحات المعتدلة والوسطية دفع بعضا من الإخوان إلى الخروج عن هذا الفكر لاعتقادهم أن ذلك الفكر الوسطي لن يحقق أهدافه، وبالتالي اتجهوا إلى التطرف فالتحقوا بجهات أخرى. في المقابل، يرى السلفي الجهادي في الأردن، سعد الحنيطي أن الانتقالات من جماعة الإخوان إلى التيار السلفي الجهادي سببها أن المشكلة التي كان يعاني منها شباب الإخوان أنه لا يوجد هنالك حاضنة تربوية وتنظيمية تستقطبهم بخلاف جماعتهم، فإذا وجدوا شخوصا أو مفكرين أو تنظيماً معيناً يلبي طموحاتهم تجدهم يتحولون إليه. ويرجع الخبير في الحركات الإسلامية حسن أبو هنية انتقال الإخوان إلى التيار الجهادي إلى وجود مشكلة لدى الإخوان في تعريفهم لأنفسهم، هل هم حركة وطنية أم أممية، كل ذلك جعل كثيراً من قواعد الإخوان مهيئة للذهاب إلى السلفية الجهادية أو إلى القاعدة، وفي أجواء النزاع ولحظات الأزمات يظهر ذلك الانتقال بشكل واضح وجلي، في سوريا مثلاً، بدأ كثير من الإخوان في المساعدة على تشكيل كتائب مسلحة مثل كتيبتي الفاروق وخالد بن الوليد وغيرهما، كما بدأوا الاقتراب من التنظيمات السلفية الجهادية، وبعض تلك الكتائب أعلن عن نفسه وبعضها لم يعلن، وفقًا لصحيفة الشرق السعودية.. في نهاية الأمر، ومهما تعددت الأسباب، فإن البحث في الحركات السلفية الجهادية، وجد أن كثيرًا من أعضائها كانوا إخوان وانشقوا عن الجماعة.. وفي نهاية عرض ملف صحيفة الشرق السعودية عن العلاقة بين الإخوان والسلفيون الجهاديون، فإن العرض لا يكفي بالطبع لفهم طبيعة الإخوان والسلفيين الجهاديين والعلاقة بينهم، إذا أن فهم كل حركة يتطلب قراءات عديدة، وبحث طويل، لما لهاذين الجماعتين من جذور عميقة، وروافد متعددة في كثير من دول العالم، ولكن الأمر الذي أصبح مفهوم للجميع أن الحركات الإسلامية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمة، أصبحت تتقلد مناصب الحكم في بلاد الربيع العربي، وستظهر السنوات القادمة وربما الشهور القادمة مدى نجاحهم أو فشلهم في إدارة وتحويل الدول التي يحكموها إلى دول مدنية ديمقراطية متقدمة، محتفظة بهويتها العربية..