السنوسي محمد السنوسي على مدار الأيام التي سبقت الحملة القومية التي دعا إليها الرئيس محمد مرسي تحت عنوان "وطن نظيف"، وخلال يومي الحملة الجمعة والسبت الماضيين.. رأينا أن غالبية الصحف ووسائل الإعلام قد اهتمت بالتشكّيل الوزاري أكثر من متابعة الحملة وتوفير التوعية المساندة لها. وإذا كان البعض ربما يرى ذلك شيئا طبيعيا لا يدعو للعجب أو الملاحظة؛ فإنني أزعم أنه أمر يجسد المشكلة التي تعانيها مصر الآن أفضل تجسيد. فمن ناحية.. لا يزال البعض يتعامل مع السياسة من زاويته الشخصية، أو من زاوية الدولة لا المجتمع، ويهمه التشكّيل الوزاري أكثر من أي شيء آخر؛ حتى لو كان أمرا يتصل بعموم المجتمع وبمشكلة ضرورية لا يمكن تجاهلها ولا تأجيلها أكثر من ذلك.. مثل القمامة. فانشغل هذا البعض بمن سيبقى في الوزارة وبمن سيرحل، وهل سيأتي في الوزارة الجديدة من يؤيده هو أم لا، وكأننا بصدد تقسيم غنائم مصر المحروسة دون أن يعطي قدرا مماثلا من الأهمية لحملة "وطن نظيف". مشكلة الأحزاب وائتلافات الشباب أنها انشغلت بهمومها، وانحصرت في الغرف المغلقة ولم تعطِ الاهتمام اللازم لأولويات رجل الشارع البسيط، ولم تحاول أن تكسبه إلى صف الثورة؛ بل تركته غنيمة سهلة للثورة المضادة ولفلول الوطني الذين يراهنون على حجم المشكلات الكبيرة التي تركوها للثورة، ويأملون أن تعرقل هذه المشكلات مسيرة الثورة؛ حتى يثبت فشل الثوار في إدارة مصر. ولذلك لا بد أن تتخذ الثورة -ممثلة في الرئيس مرسي وفريق وزرائه ومساعديه، وممثلة أيضا في الأحزاب والائتلافات الثورية (اللي بجد مش كده وكده!!)- خطوات عاجلة وحاسمة للتعامل مع مشكلات المواطنين اليومية، وأن تدرك أن نجاح الثورة مرهون بالإنجاز في هذه المشكلات، وليس بالدخول في مناقشات فكرية نخبوية عقيمة لا تعكس إلا اهتمام أو مخاوف شريحة معينة من الشعب، هي على أهميتها لا تتجاوز نسبة ضئيلة من مجموع الشعب المطحون والمسحوق تحت مشكلات متراكمة لا حصر لها. فإما أن تتصالح النخبة السياسية والثورية مع الشعب، وإما ألا تلوم الشعب إذا رفضها وعاقبها في أقرب انتخابات، وربما قبل ذلك. فلم يكن عبثا أن شعارات الثورة ضمّت المطالب السياسية جنبا إلى جنب مع المطالب الاجتماعية، ولخصت ذلك في شعارها الأبرز: "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية".. فلا انفصال بين الاثنين. الناحية الأخرى، أن البعض لم يتجاوب مع حملة "وطن نظيف"؛ لأنه ما زال يتعامل مع الرئيس محمد مرسي باعتباره مرشح الإخوان للرئاسة، وليس باعتباره الرئيس الفعلي لمصر والمصريين كلهم. بعض الناس طلَّ من البلكونة على إحدى المجموعات المشاركة في الحملة، وقال لهم بسخط: "مهما فعل الإخوان فلن أؤيدهم".. وكأن العداء للإخوان أصبح أمرا فطريا يصعب تجاوزه أو التعامل معه بإنصاف. ولا أبالغ إذا قلت إن بعض من يحسبون على الثورة يراهنون على فشل الرئيس مرسي والإخوان.. وهم إنْ لم يضعوا العراقيل بتعنتهم وشروطهم غير المعقولة كشرط للتحالف معه ودعمه؛ فإنهم يكتفون بموقع المتفرج والمترقب للحظة السقوط والفشل.. وفي الإشارة كفاية لكل لبيب. بل الأفظع من ذلك أن تجد مَن يسخرون مِن فكرة توظيف القدرات الشعبية بجانب المؤسسات الرسمية، ويقولون: لماذا لم تقم الدولة بواجبها كاملا حتى الآن؟! ويتجاهلون أن مصر لا تزال جريحة وفي فترة نقاهة، وتحتاج إلى تكاتف كل الجهود بما فيها جهود المتطوعين والجهات الشعبية.. فراح هذا البعض يثبط الهمم ويسخر من المشاركين، أو في أحسن الأحوال: وقف موقف المتفرج، وكأن الأمر لا يعنيه في قليل أو كثير. ما زلت أتذكر أنه بعد الإطاحة بمبارك وتكرار المليونيات.. نادى البعض بضرورة توجيه الشباب لخدمة المجتمع بطريقة عملية بدلا من المليونيات التي تعطل في زعمهم عجلة الإنتاج؛ لكن عندما دعا الرئيس مرسي لحملة "وطن نظيف" قالوا: "ولماذا لا تقوم المؤسسات الرسمية بواجبها؟!".. يعني رجعنا تاني لنظرية "جحا وابنه والحمار".. وعوضنا على الله!! من حق المنافسين للرئيس مرسي أن يعملوا بجد ليحجزوا مكانهم من الآن في قطار المنافسة الانتخابية القادمة؛ لكن ليس من المقبول أن يقفوا الآن موقف المتفرج من مصير الدولة والثورة ثم يطالبون الرئيس بأن يكون رئيسا لكل المصريين. ولذلك أقول لهم: إذا كنتم تطالبون الرئيس بواجبه ناحيتكم، فمتى تؤدون أنتم واجبكم تجاهه؟! ومتى تدركون أن الأمر أكبر من حكاية تقسيم الغنائم.. ومشكلة القمامة خير شاهد. في الدول المتقدمة.. الرئيس الفائز يقول من أول لحظة: أنا رئيس لكل المواطنين، وفي الوقت نفسه يتعامل معه المواطنون باعتباره رئيسا لهم جميعا، وليس من انتخبوه فقط. فمتى يفهم هؤلاء أن فكرة "الحقوق والواجبات" هي التزام مشترك بين الجانبين، وليست من جانب واحد.. ده حتى الحب اللي من جانب واحد لا يدوم طويلا. تخيل لو أن المطالبين بحصصهم فيما يظنونه غنائم سياسية، تحملوا حصتهم في إزالة القمامة.. كيف سيكون وجه مصر؟!