في الحالتين الحادث دليل جديد على تردي الأحوال في هذا الوطن، والتردي هنا ليس ترديا في الأمن وسلوك الأشخاص واختراق القوانين والفساد فحسب ولكنه تردٍّ في داخلنا.. في أخلاقنا وضمائرنا، وفي قدرتنا على فهم واستيعاب ما يحدث حولنا. في مثل هذه الحوادث وبسبب انهيار قيم كثيرة في المجتمع المصري.. حيث أصبح من الصعب تمييز الخطأ من الصواب.. عادة ما ينقسم الناس إلى عدة جبهات..
فهناك المسيحيون المتشددون الذين يرون في حوادث مثل هذه صورة قاتمة وسوداء لمستقبلهم في مصر.. وإن حادث نجع حمادي مجرد حلقة جديدة في سلسلة حوادث منها الكشح.. وعين شمس.. والإسكندرية.. وديروط.. والعديسات وأنهم كأقلية لا تزيد عن 10% من السكان معرضون لخطر داهم يجب التصدي له بكل الأشكال.
وهناك المسيحيون الغاضبون، ولكنهم ما زالوا يتمسكون بالوطن رغم خيباته.. فيرون هذا السلوك المشين مجرد حادث أليم وفتنة يجب إخمادها وإصلاح الأوضاع. ويرون أن عدوهم الأول هو الشيطان وليس الأغلبية المسلمة.
وهناك مسلمون متشددون يرون أن المسيحيين هم من بدأوا بالشر، خاصة أن رجلهم هو من اعتدى على الفتاة المسلمة. وهذا النوع عادة لا يستطيع أن يغالب ما زُرع داخله من أفكار مسمومة حول كفر النصارى.. فلا يستطيع تقبلهم أو التعامل معهم.. أو الاندماج في مجتمعاتهم، فهم القائلون بأن الله ثالث ثلاثة كما نُقل لهم، دون تفسير.. ويودّ لو حقق الأمنية التي لطالما سمع ترديدها في المسجد: "اللهم دمر أعداء الدين"، وهذا النوع يعتبر كل من عداه هو "عدو للدين"، حتى المسلم الشيعي أو البهائي أو أي شخص لا يؤمن بما لا يؤمن به، فليس المسيحي وحده المستهدف من عدائه وقسوته.
وهناك الصعايدة من أهل المنطقة التي وقع فيها الحادث، والذين يُرجعون كل شيء إلى التقاليد أو الانتقام للشرف، وأنه شيء لن يفهمه أهل المدينة.. فالولد الذي اغتصب الفتاة ورغم أنه محبوس على ذمة القضية فإنه قد تمت عدة محاولات لاختطافه والانتقام منه.. فالشرف والثأر قضايا محسومة لا استئناف فيها في المجتمع الصعيدي.
وعلى الجانب الآخر هناك المسلم المتّزن العاقل الذي آلمه هذا الحادث، وكأن من قُتلوا فيه هم إخوته أو أبناؤه.. فهم بغض النظر عن دينهم أو ملَّتهم.. وإن لم يكونوا إخوته في الوطن.. فهم إخوته في الإنسانية.. ولكن هذا النوع العاقل المسالم غالباً لا صوت له.. مثل الآخرين من الغلاة والمتشددين.
وهناك الجهَّال من الجانبين والذين لا يعرفون أي شيء ولا يفهمون شيئا، ولكنهم مجرد ببغاوات تردد ما ينتقل عبر وسائل الإعلام، والتي بدورها تنقسم إلى ذات الأقسام التي انقسم لها الناس مع إضافة بعض البهارات من أجل الإثارة والجذب الإعلامي فيزيدون الطين بلة.
وكل فئة تظن أنها على صواب، وفي الحقيقة أن جميعنا بلا استثناء مخطئون بشكل أو بآخر.. إن صخرة الدويقة عندما سقطت على أهالي منشية ناصر لم تميز بين مسلم ومسيحي.. كما أن الحادث الأخير لقطار الصعيد لم يميز بين مسلم ومسيحي.. كما أن رصاص المجرمين عشية العيد في نجع حمادي لم يفرق بين مسلم ومسيحي، فلقد قَتل أمين الشرطة المسلم المكلف بالحراسة مثلما قَتل الشباب المسيحيين.
إن اختلاف آرائنا حول القضية لن يقف حائلا بيننا وبين الموت.. ولن يختار الموت المتشدد دون العاقل، فنحن جميعا أمام الموت والفساد في جبهة واحدة.. وإذا كانت الأسوار العالية وأكشاك الحراسة لم تعد تحمي رواد الكنائس فهي لن تحمي المسلمين المارين من أمامها من رصاص الغدر. قارئي العزيز.. أيا كان رأيك في القضية؟ فتنة طائفية أو جريمة شرف؟ إرهاب أم فساد أخلاقي؟ نحن في مركب واحد.. ولو غرق لا قدر الله.. لن ينجو أحد.. فاحذر.. مركب الوطن تملؤه الثقوب.
الفتنة بين المسلمين والمسيحيين: نار ستأكل الجميع فصل بين الحق والباطل مؤامرة خارجية