[المتشددين طردوا فريق عمل "سيدنا السيد" قبل تصوير أحد المشاهد] المتشددين طردوا فريق عمل "سيدنا السيد" قبل تصوير أحد المشاهد ربما كان من حقك أن تعترض وتلوم الفنان الذي أيّد نظام مبارك في لحظات كان عليه فيها أن ينحاز للشعب المطحون الذي عانى الأمرين في عهده. ربما كان عليك انتقاد من منح الفلول صوته في الجولة الأولى من انتخابات رئاسة الجمهورية، وقت أن كان أمامه 13 مرشحا؛ من بينهم: اليساري، والناصري، والإسلامي المعتدل، والإخواني... وغيرهم من مختلف الانتماءات والتوجهات. لكن أن تنحصر المنافسة في الجولة الثانية بين الفريق أحمد شفيق والدكتور محمد مرسي، فينحاز غالب الوسط الفني إلى الفريق شفيق المحسوب على الفلول، ويعلنون عن نيتهم دعمه وتأييده في جولة الإعادة؛ رغم أن معظمهم قد منح صوته في الجولة الأولى لحمدين صباحي.. فهذا لا يعني أن جميعهم من فنانين فلول، بقدر ما يؤكّد أن هناك أزمة من الإسلاميين تجاه الفن والفنانين. بداية ضع نفسك مكان الفنان الذي قد تنتقده لتأييد الفريق شفيق في جولة الإعادة، وانظر كيف دفعه المتشدّدين الإسلاميين لاتخاذ هذا القرار عبّر العديد من الوقائع التي تبرهن على عداء الإسلاميين للفن بوجه عام، وعدم تقديرهم لدوره أو فهم طبيعته بشكل مرن فضفاض يعطي الأمل للوسط الفني بأنه سيجد حريته وإبداعه في ظل حكم إسلامي. ففي كلية الهندسة بجامعة عين شمس قام مجموعة من الطلاب -المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي- بطرد فريق عمل مسلسل "ذات" بطولة نيللي كريم وهاني عادل وإخراج كاملة أبو ذكري، وقت تصوير أحد مشاهد المسلسل في حرم الكلية؛ بحجة أن المسلسل به مجموعة من الفتيات الكومبارس اللاتي يرتدين "جيبات" قصيرة؛ رغم تأكيد فريق العمل لهم أن المسلسل يتناول شكل الحياة الاجتماعية في مصر منذ بداية ثورة يوليو وحتى اندلاع ثورة 25 يناير، من خلال شخصية "ذات" التي عاشت كل هذه العصور، ورصدت مدى التغيير الذي طرأ على الحياة الاجتماعية في مصر خلال كل عصر، وحرصا من فريق العمل على المصداقية وإضفاء الواقعية تقرّر أن يظهر الفنانون في كل عصر بنفس الموضة التي كانت سائدة فيه، وطريقة تسريحة الشعر، ونفس ماركات السيارات وشكل الشوارع وغيرها من التفاصيل المختلفة التي تميز كل عصر عن الآخر، وأن ارتداء الفتيات الكومبارس لهذه الملابس يأتي ضمن موضة كانت سائدة لدى قطاع كبير من طالبات الجامعة في مرحلة السبعينيات، وليس الهدف منه إثارة الغرائز لدى المشاهد؛ إلا أن الطلاب المتشدّدين نصبوا من أنفسهم القاضي والجلاد، وقرروا تنفيذ إرادتهم بأيديهم دون الرجوع إلى أي قانون. وفي موقف مشابه تعرّض مسلسل "سيدنا السيد" -الذي يقوم ببطولته جمال سليمان- لموقف غريب مِن قِبل أفراد من الجماعات السلفية والإسلامية المتشدّدة بقرية بيدف التابعة لمركز العياط؛ حيث ذهب هؤلاء الأفراد المتشدّدين إلى عمدة القرية وطلبوا منه عدم تصوير فريق العمل داخل قريتهم بدعوى أن الفن "حرام"؛ رغم أن المشهد الذي كان من المفترض أن يتم تصويره كان عبارة عن جنازة لأحد أبطال المسلسل الذي يتم دفنه ليلا وسط أفراد عائلته وقريته، وبالفعل تمّ طرد فريق العمل ووقف التصوير بعد أن بلغت تكلفة هذا اليوم -بما فيها من مجاميع وتنقلات وكرافانات وممثلين وديكور وإضاءة وخلافه- مبلغ 120 ألف جنيه. وإلى ما سبق يمكنك أن تضيف الدعاوى القضائية التي تمّ تحريكها من بعض المحامين المنتمين لتيار الإسلام السياسي؛ لمحاسبة وعقوبة الفنانين على أعمالهم السابقة التي مضى على عرضها عشر وعشرين عاما بأثر رجعي بتهمة الإساءة للدين الإسلامي؛ رغم أن تلك الأعمال قد صدرت بموافقة الرقابة على المصنفات الفنية، وأقبل عليها ملايين الجمهور، ولا زالت تُعرض من خلال التليفزيون الرسمي الحكومي والفضائيات المصرية والعربية، بخلاف طبعا الطلب الذي تقدّم به نائب ينتمي لحزب النور السلفي داخل مجلس الشورى لمنع عرض مسرحية "مدرسة المشاغبين". وفي خضم هذه المعاداة للفن والفنانين.. بتنا نقرأ على مختلف المواقع الفنية والمنتديات وشبكات التواصل الاجتماعي تعليقات صادمة ومفزعة لبعض الأشخاص العاديين المنتمين لهذه التيارات الإسلامية السياسية؛ الذين يباركون بالتأييد والدعم لهذه المشكلات الهزلية التي افتعلها الإسلاميون مع الوسط الفني، واصفين الفن بالفسق، والفنانين بالداعرين، بطريقة أكثر كوميدية من الشكل الذي كان يسخر به عادل إمام منهم في أعماله. لم يخرج لنا من هذه التيارات السياسية الإسلامية رجل رشيد يقول لمرتكبي هذه الأفعال: اهتموا بإطعام الفقراء، وكسائهم، ومساعدتهم في تعليم أطفالهم في ظل هذه اللحظات الحرجة التي تهدّد البلاد، قبل الوقوف على المشكلات الفرعية الأقل خطرا بكثير على الأقل في هذه المرحلة. لم يخرج لنا من هذه التيارات السياسية الإسلامية من يؤكّد للوسط الفني أن كل الوقائع والأزمات التي حدثت لن تتكرر مرة أخرى في ظل الحكم باسم الإسلام، على الأقل من باب طمأنة آلاف العاملين والفنيين في هذا المجال على "لقمة عيشهم" وعملهم الذين عملوا به سنوات طويلة من عمرهم دون أن يعرفوا عملا سواه. والآن أقرأوا معي التصريحات الصادرة عن الرقيب الشاب شادي عبد الله؛ أحد من تمّ تعيينهم في جهاز الرقابة على المصنفات الفنية مؤخرا، من بين خريجي المعهد العالي للسينما للارتقاء بعمل الجهاز الذي يسيطر عليه عدد من الموظفين الذين لا علاقة لمعظهم على الإطلاق بالفنون؛ خاصة عملية كتابة السيناريو وصناعة الأعمال الفنية التي تختص بها الرقابة، فوجد أن معظم العاملين في الرقابة الفنية يرون أن السينما حرام، وأنه يجب نسف الفنانين بقنبلة ذرية كي ينجو العالم من شرورهم، مؤكّدا أن رئيس الرقابة عيّن سكرتيرة جديدة (منتقبة) مؤخرا؛ رغم أن حاجة العمل لا تستلزم سكرتيرة جديدة، ربما كي يغازل الإخوان في حال أمسكو بزمام الحكم، بما يعني اختراق الإسلاميين لجهاز الرقابة على المصنفات الفنية نفسه. كل ما سبق يعطي الحق للوسط الفني أن ينتخب الفريق شفيق؛ سواء الفنانين الثوريين الذين منحوا صوتهم لحمدين صباحي في الجولة الأولى، أو باقي الفنانين المتعاطفين مع نظام مبارك الذين منحوا أصواتهم من البداية للفريق شفيق أو السيد عمرو موسى؛ لأن المحصلة النهائية أنه لا أمان ولا عهد لحرية الفن والإبداع في ظل حكم باسم الدين الإسلامي، يفرد فيه البعض عضلاتهم وينصب من نفسه قاضيا وجلادا على طريقة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما في السعودية، في وطن يتم حكمه باسم الدين، بينما لا يتم فيه الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة طبقا لتعاليم الإسلام الكريم.