أرادت الحاجة أم محمد أن تشتري بوتاجازا صغيرا اللي بيسموه "بمبة"، بدل ما هي كل شوية تقوم وتروح المطبخ علشان تعمل كوباية شاي، دلوها عليه ومدحوا لها فيه فقالت أشتريه واريح نفسي، راحت على محل كان بيعرضهم، وسألته: - بكام ده يا ابني؟ رد البائع بكل حماس: - ده بخمسين جنيه بس يا حاجة. اتخضت أم محمد، لدرجة أنها عادت خطوات إلى الخلف، وهي تردد: - بكام؟؟؟ بخمسين جنيه؟ ليه؟ - كل حاجة بتغلى يا حاجة. أقسمت أم محمد إنها ما هي شارياه، خمسين جنيه، ليه البوتاجاز ذات نفسه بكام!! وعادت أم محمد إلى حياتها الطبيعية، وكلما أرادت كوبا من الشاي قامت إلى البوتاجاز، ولكن البرد شديد والغرفة التي تسكنها يخترقها الهواء رغما عنها، وتعاني آلام الروماتيزم كل ليلة، فنصحها الجيران بتدفئة الغرفة، وحين استفهمت كيف، قالوا لها ب"البمبة"، هاتي البمبة آهو تعملي عليه الشاي والأكل ويدفي الأوضة طول الليل.. اقتنعت أم محمد واستعوضت ربنا في الخمسين جنيه، وطبّقتهم في إيدها وراحت المحل وقالت له: - نزل يا ابني البمبة دي. فنزّلها الفتى ومسحها جيدا، فأعطته الخمسين جنيه، فنظر إلى النقود وقال: - إيه دول يا حاجة.. ده بسبعين جنيه! أسقط في يد الحاجة أم محمد، ولم تستطع تمالك نفسها فصرخت فيه: - سبعين جنيه! أنا مش معدية عليك الأسبوع اللي فات وقلت لي بخمسين؟ - كان بخمسين يا حاجة.. هو فيه حاجة بتبقى على حالها.. الدنيا بتغلى! هكذا هو كل شيء، وهذه هي حجة البائعين في استغلال المستهلكين، الدنيا بتغلى.. الملابس بتغلى مع الدنيا، والخضار بيغلى مع الدنيا، والرز والسكر والعيش والجبنة وكل حاجة في الدنيا بتغلى مع الدنيا، مما اضطر المصري البسيط إلى أن يهتف: "كل حاجة بتغلى إلا البني آدم.. بيرخص".. فهل نصدّق أن الدنيا بتغلى وإن ساندوتش الفول مرتبط بارتفاع الدولار وانخفاض سعر العملة المحلية، وإن كباية عصير القصب بتهبط مع البورصة وترتفع مع المؤشرات العالمية!! مافيش حاجة بتغلى لوحدها إلا حاجات قليلة جدا، ولو سبنا الدنيا تغلى لوحدها هنعرف نعيش، لكن مع الأسف اللي بيحصل ده جشع واستغلال للمستهلكين، وعدم مراعاة للدين اللي مش بس بيهتم بالمسجد والصلاة والصوم، لكنه جعل لعملية البيع والشراء ضوابط وقواعد علشان الموضوع ما يبقاش ظلم أو سيطرة من طرف على طرف.. سنجد عندنا خطا عاما وضعه النبي صلى الله عليه وسلم بيقول فيه: "رحم الله عبداً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا اقتضى" [رواه البخاري]، وقال أيضا: "من كان هيناً ليناً قريباً حرّمه الله على النار" [رواه الحاكم]، يعني سيدنا النبي بيربطنا بمبدأ السماحة في التعامل، بمعنى أن تكون المعاملة بين المسلمين بالحسنى وبمراعاة المصلحة العامة وبالتوافق من أجل استمرار الحياة، مش واحد يدوس على التاني لحد ما يطلّع روحه!!! ولذا فالاستغلال وابتزاز المشتري ورفع السعر على قدر الحاجة إليه وتعطيش السوق، كل هذه أخطاء تؤكد غياب الضمير وعدم الوعي بعملية البيع الحلال وعدم الثقة في رزق الله.. وقد حرّم الإسلام الاحتكار من هذا المنطلق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من احتكر فهو خاطئ" [رواه مسلم]؛ لأن الاحتكار أن تحجب السلعة حتى تشحّ في الأسواق ثم تعرضها وتتحكم في أسعارها حسب رغبتك، وهذا يفسد حياة الناس، ولذا نهى عنه الإسلام، وقد وجدنا خلال الفترة الماضية أن الاحتكار أفسد الحياة الاقتصادية والسياسية، والتلاعب في الأسواق ومعايش الناس سبّب الفقر لدى غالبية الشعب حتى قامت الثورة طلبا للعدالة.. نسأل الله الرضا والبركة والعفاف والغنى عن الناس آمين.