أ ش أ تصاعدت وتيرة الغضب لدى أوساط القضاة بصفة عامة، وداخل النيابة العامة بصفة خاصة على خلفية الهجوم الذي تعرضوا له من جانب العديد من نواب مجلس الشعب في الآونة الأخيرة، فضلا عن تعرضهم للانتقاد بل وحتى السب من جانب شخصيات سياسية، ومحاولات بعض المتظاهرين لاقتحام دار القضاء العالي وتحريض الجماهير ضد السلطة القضائية، حيث اقترب هذا الغضب من الذورة بتلويح أعضاء النيابة العامة اليوم (الثلاثاء) أنهم قد يضطرون إلى الاعتذار عن عدم المشاركة في جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية. وأصدر أعضاء النيابة العامة على مستوى الجمهورية من المحامين العامين الأول والمحامين العامين ورؤساء النيابة ووكلاء النيابة ومساعديها ومعاونيها بيانا شديد اللهجة عبروا فيه عن غضبتهم الشديدة لما أقدم عليه بعض نواب البرلمان من سب النائب العام المستشار الدكتور عبد المجيد محمود وقيادات النيابة العامة والتعرض لهم ولأعضاء محكمة جنايات القاهرة التي أصدرت الحكم في قضية الرئيس السابق حسني مبارك. وهناك اتجاها قويا داخل النيابة يطالب بإلقاء القبض على النائبين مصطفى النجار ومحمد البلتاجي لارتكابهما جرائم السب والقذف ضد هيئة قضائية، واتخاذ إجراءات محاكمتهما جنائيا في هذا الشأن، وأن هناك استياء عاما لدى جميع المحاكم والنيابات مما أسموه ب"تغول السلطة التشريعية على السلطة القضائية". وتضمن بيان أعضاء النيابة العامة: "في إطار ما تتعرض له النيابة خاصة والقضاء بصفة عامة من حملات تحريضية مباشرة من ضمن مصادرها -للأسف- سلطات ومؤسسات بالدولة، وفي ظل ما تعرض له دار القضاء العالي من اقتحام دون أن تضطلع الجهات المسئولة بواجبها في حماية المقر وضبط مرتكبي تلك الجريمة.. فإن أعضاء النيابة يتدارسون حاليا مجموعة من الإجراءت في مقدمتها الاعتذار بكامل هيئتها عن المشاركة في الإشراف على الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة القادمة". وأضاف البيان أن هذا الإجراء يأتي حرصا من أعضاء النيابة على سلامة رجالها باللجان الانتخابية، ونأيا بهم عن المهاترات والمزايدات، مناشدا الشعب المصري تقدير المبررات التي قد تدفع النيابة العامة إلى اتخاذ مثل ذلك الإجراء، سيما وقد اتخذ الكثيرون من الهجوم على القضاء وسيلة لحصد مكاسب سياسية، وهو أمر لن يمكن السكوت عليه بعد الآن. وذكر البيان أن "أعضاء النيابة العامة وقد بذلوا كل نفيس مستظلين بغطاء المبادىء والقيم التي تربوا عليها منذ ما ينيف على القرن لا يبتغون من عملهم سوى مرضاة الله تعالى وحده من أجل استظهار الحق والحقيقة بأدلة قاطعة بحثوا عنها بشق الأنفس، واستخرجوها من غياهب الظلمات في ظروف قاسية لم يمر بها الوطن من قبل على الإطلاق، فأغلقت دور المحاكم والنيابات، وتعدى الجهلاء على القضاة، فهبوا (أعضاء النيابة) منفردين في مواجهة ما تبقى من سلطات الدولة وأجهزتها الأمنية من أعلاها إلى أدناها يجوبون الطرقات ويجمعون بأياديهم ما عسى أن يصل إليهم من أدلة". وأضاف البيان إنه "على الرغم من أن النيابة العامة ليست جهة تحري وليس هذا دورها، فإن أعضاء النيابة ثابروا حتى ينيروا طريق العدل أمام قضاة مصر، وصبروا وصابروا ورابطوا غير عابئين بمحاولات الهدم والتشكيك المستمرة، دفاعا عن الحق ومنطق أدلتهم التي ارتأوها كافية وحرصا على أداء واجبهم إرضاء لضمائرهم".
وأشار بيان أعضاء النيابة العامة إلى أنه "ما أن نطق القضاء بكلمته بإدانة رأس الدولة ووزير الداخلية في سابقة نادرا ما تحدث في تاريخ الأمم المتحضرة، حتى ارتأوا أن ما بذلوه لم يضيع سدى وأن أرواح الشهداء الطاهرة ترقد مطمئنة تحثهم على استكمال ما بدأوه من تحضير دفوعهم ودفاعهم للطعن على ما ارتأوه خطأ في الحكم، وهو ما لم يتوانوا عنه لحظة واحدة". وذكر أعضاء النيابة في بيانهم أنه قد هالهم ما ردده من أبوا إلا أن ينصبوا أنفسهم أوصياء على المجتمع فانبروا ينصبون من أنفسهم محققين وقضاة وجلادين وخرجوا إلى وسائل الإعلام يعبثون بعقول البسطاء دون وازع من ضمير لا يبغون من وراء تطاولهم سوى محاولة النيل من القضاء ورجاله، متخذين من ذلك وجها للشهر، وسبيلا للمزايدات السياسية بهدف تحقيق مصالح خاصة هي أبعد ما يكون عن صالح الوطن، متناسين أن قضاة مصر هم أول من قالوا كلمة حق في وقت كانوا هم فيه ما بين خائف رعبا أو غافل جهلا أو متواطىء عمدا. وقال البيان إن أعضاء النيابة العامة وقد ائتمنهم مجتمعهم على دمائه وأعراضه يؤكدون أنهم لن ينزلقوا إلى حديث إفك، وأنهم على عهد مجتمعهم بهم لن يناموا ولن يهدأ لهم بال إلا وقد انتزعوا لكل مظلوم كامل حقه، فهم جنود العدالة ضد كل ظالم، مهما كان قدره ومهما علا شأنه. وأضاف البيان إن أعضاء النيابة يهيبون بعقلاء الوطن دعوة الجميع إلى الكف عن التدخل في أعمالهم ومناشدة سلطات الدولة كافة ومؤسساتها وأفرادها إن عز عليها أن تكون عونا في إعلاء كلمة الحق وسيادة القانون، ألا تكون على الأقل حجر عثرة في سبيل تحقيق هذا الهدف النبيل، حتى لا يضطر القضاة آسفين إلى اتخاذ ما يرونه من تدابير أيا كانت للزود عن أنفسهم وعن استقلالهم، لا لمصلحة لهم، وإنما وفاء وإبراء للذمة أمام الله سبحانه وتعالى بما عاهدوا عليه أنفسهم ومن حرص على بنيان وطن لا يمكن أن تقوم له قائمة بدون قضاء".