هل يمكن أن يجد المصريون في رأس السنة مناسبة جديدة يستطيعون بها الاحتفال بعام جديد قادم لا يعلم عن مشاكله أو أزماته شيء، ويأمل أن يكون أفضل من سابقه، وتوديع عام سابق عانى به أشد المعاناة ويشعر بالسعادة لرحيله؟! بنظرة سريعة سنجد أن الاحتفال برأس السنة في مصر لم يبدأ بشكل واضح سوى في القرن التاسع عشر؛ ولكنه اقتصر في هذا التوقيت على الجاليات الأجنبية وبعض الأثرياء وكبار رجال الدولة ممن قلدوهم؛ فنجد أن هناك صورا تؤرخ للملك فاروق وهو يحتفل برأس السنة في قصر الطاهرة، وظل طوال فترة الملكية الاحتفالات برأس السنة تقتصر على علية القوم ولا تقام سوى في القصور، ومع قدوم الثورة خفتت مثل هذه المظاهر وأصبحت هذه الاحتفالات تقام بشكل فردي لدى بعض الأسر الأرستقراطية أو بعض رجال الدولة أيضًا الذين يتشبهون بهم..
ولكن في العقدين الأخيرين اختلف الأمر تمامًا، وانتشرت فكرة الاحتفال برأس السنة بمظاهرها الحالية، فنجد المحالّ التجارية تقوم بعمل زينات تبشر بالعام الجديد. ورغم مناخنا الخالي من الثلوج، نجد أن المولات المختلف تحرص على وضع شجرة عيد الميلاد وتزيينها بنُدف من الثلج الصناعي أو القطن المشكل على هيئة ثلوج، ووجدنا أن القنوات التليفزيونية -سواء كانت محلية أو فضائية- تحرص على وضع برنامج خاص للاحتفال بليلة رأس السنة.
ولكن ظل لفترة ليست بالقليلة يقتصر الاحتفال داخل الأسر المصرية نفسها على الأسر المرتفعة ماديًا أو من طبقة اجتماعية فوق المتوسطة؛ ولكن لم يعد ذلك صحيحًا الآن؛ بل يمكن ببساطة رصد احتفالات رأس السنة في منازل الطبقات المتوسطة، بل والفقيرة أيضًا كل حسب مقدرته.
ومع أنغام موسيقى عيد الميلاد التي ترتفع بين الفينة والأخرى عبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، وبين المدينة المزينة انتظاراً لعام 2010، عرفنا رأي المواطنين المصريين في الاحتفال برأس السنة، وكيفية القيام بذلك، وماذا يعني لهم ذهاب عام وقدوم عام آخر؟
كانت البداية مع هالة عبد الله 24 عاما، خريجة كلية آداب قسم اجتماع، تعمل بأحد الفنادق الكبرى بالقاهرة كنادلة، وتعيش في منطقة إمبابة، وتقول هالة: إنها لم تعتد الاحتفال برأس السنة في السابق؛ ولكن بعد عملها بالفندق، أصبحت هذه إحدى العادات التي أدخلتها على أسرتها، وتقوم بالاحتفال عن طريق شراء الجاتوه والمياه الغازية، ومتابعة أي من الحفلات التي تذاع عبر التلفزيون، وترى هالة أن الجو المبهج الذي يحدث في هذا اليوم يغير من نفسيتها، ويشعرها أن العام القادم سيكون أفضل، وتُمنّي نفسها بأن العام السابق كان الأسوأ؛ بينما الجديد سيكون أفضل منه ولكن هذا لا يحدث أبدًا!!.
على العكس منها يقول محمد رضوان 28 عاما، مهندس ويعيش بمدينة نصر، ولا يحتفل محمد برأس السنة؛ فهو يراها عادة غربية دخيلة علينا، ولا تتلاءم معنا، وتقتصر احتفالات محمد بالأعياد الدينية فقط، التي يعتبرها الأعياد الوحيدة المباح الاحتفال بها. وعن قدوم عام وذهاب آخر، يرى محمد أنه لا اختلاف؛ فالعام القادم غالبًا لن يفرق عن العام التالي، ولم يفرق عن عشرة أعوام سبقت في شيء؛ فلم نشغل أنفسنا بعدّ أعوام لن تتغير.
في حين نجد أن أحمد علاء الدين 21 عاما، وطالب بكلية تجارة، ويسكن بشارع جامعة الدول العربية، يعتبر أن الاحتفال برأس السنة أمر محبب للغاية ورائع، وإنه يخطط لهذا الاحتفال مع أصدقائه قبلها بفترة ليقرروا أين سيذهبون ويتابعون كافة العروض التي تنتشر عن احتفالات رأس السنة المختلفة ليختاروا من بينها الأفضل، ويرى أن هذه الظاهرة لا تضر بأحد؛ فلماذا يعتبرها البعض سلبية؟ ويرى أن انقضاء عام ومجيء آخر يذكره أن عمره قد زاد عامًا.
أما مروة إبراهيم حمدي 32 عاما، ربة منزل؛ تجد الاحتفال برأس السنة ظاهرة جميلة كانت تقوم بها في منزل والدها، ثم أصبحت تقوم بها في منزلها بعد زواجها؛ فهي تجعلها مناسبة رومانسية للاحتفال هي وزوجها -وخاصة وهي عروس جديدة وهذه هي ثاني رأس سنة تحتفل بها في منزلها الجديد- فتقوم بعمل وجبة خاصة وبعض الحلوى، وتُزين المنزل، وقد تخرج هي زوجها لذهاب إلى السينما. وترى أن فكرة الاحتفال برأس السنة ليست سيئة كما يروّج البعض؛ فهي لا تضر أحداً؛ ربما لن تنفع في شيء مهم؛ ولكنها تدخل البهجة على النفس وهذا كافٍ. وترى أن موت عام سابق وميلاد عام جديد أمر شاعري للغاية وجب الوقوف والتمعن به والاتعاظ من كيفية مرور الحياة ووجوب اللحاق بها والعمل بجد ونشاط.
أمل محمود عزيز 19 سنة تعمل بعيادة طبيب في الخليفة، وتتمنى أمل الاحتفال برأس السنة؛ ففي أسرتها لا يعيرون الأمر مهما على الرغم من قيام بعض صديقاتها في منطقة سكنها بالاحتفال عن طريق شراء الجاتوه والمياه الغازية، وشراء الصواريخ وإطلاقها عند تمام الساعة الثانية عشرة، وتكتفي أمل بمشاهدتهم من نافذة منزلها وسماع حكاياتهم، وتتمنى أمل أن يكون العام القادم أفضل من السابق، وأن تحتفل فيه برأس السنة.
زينب عبد الله 31 عاما، تعمل موظفة بمصلحة البريد، وتعيش بمنطقة السيدة عائشة، تجد أن هذه الاحتفالات مضيعة للمال، وكان أولى من صرف كل هذه النقود على الحفلات والزينات أن تصرف على الفقراء أو المرضى بالمستشفيات، ولا تحتفل زينب برأس السنة؛ فهي ترى ليلة رأس السنة يوم مثل باقي أيام الله، لا يميزه شيء، وتؤكد: إنه لولا ما يصاحب هذا اليوم من صخب ما كانت لاحظت أي اختلاف؟! وتتساءل ساخطة، هل يشعر أي شخص بأي اختلاف بين الساعة الحادية عشرة و55 دقيقة يوم 31 ديسمبر وبين الساعة الثانية عشر ودقيقة يوم 1 يناير؟! هل انقلبت الدنيا؟؟ ما وجه الاحتفال إذن؟؟
اختتمت الحوارات مع زينب وظهر في الأفق تساؤل: هل هناك اختلاف حقيقي بين 31 ديسمبر وبين 1 يناير؟! ربما لن يكون هناك اختلاف ملموس؛ ولكن قد يكون هناك اختلاف في أنفسنا وأرواحنا، وتساؤل قلق عما يحمله لنا العام القادم وتفاؤل بأنه قد يحمل في طياته بعض السعادة.
لمعلوماتك: يحتفل العالم بقدوم السنة الجديدة على أساس التقويم الميلادي المسمى بالجريجوري، وهو تقويم شمسي قديم وضعه العالم المصري الشهير سوسيجن في عهد يوليوس قيصر وسمي وقتها بالتقويم اليوليوسي أو اليولياني، وتم تعديله فيما بعد على يد العالم الإيطالي اليسيوس ليليوس ليسمى بالجريجوري نسبة إلى البابا جريجوريوس الثالث عشر، وهذا التقويم هو الأكثر شهرة وانتشارًا عالميا، ويحتفل به العالم كله في 31 ديسمبر من كل عام.. ومنذ قرون والعالم يحتفل في هذا التوقيت بذهاب عام وقدوم آخر.