عاب الفنانون على فكرة القائمة السوداء التي صنعها البعض لحصر الأسماء التي باعت الثورة واشترت نظاما مصيره إلى زوال، مؤكّدين أن أغلبهم لا يفهم في السياسة، وأنهم قد تمّ تحميلهم ما لا طاقة لهم به في أمور سياسية ليسوا من أهلها، ولم يمارسوها، وتورّطوا فيها رغما عنهم طالبين عودة المحبة بين الشعب وفنانيه لنبني مصر من جديد؛ فهل ما فعله بعض فناني القائمة السوداء مؤخرا يُثبت جهلهم السياسي؟ أم يُؤكّد رأي الجمهور فيهم بخصوص تلوّنهم وتحوّلهم مع كل عصر؟ الموقف الذي أقصده هو ذهاب مجموعة من الفنانين -وعلى رأسهم طلعت زكريا وعمرو مصطفى وشذى وسليمان عيد- إلى المستشفى العسكري لزيارة ومؤازرة الجنود المصابين في أحداث العباسية الأخيرة؛ تضامنا مع الجيش المصري الذي وصفوه ب"خير جنود الأرض"، وهو وصف حقيقي فعلا بشهادة الرسول الكريم، لكن ما أرفضه تماما أن يتجاهل هؤلاء الفنانون باقي المصابين من المعتصمين والمدنيين. نعم أعترف برفضي لجنون محاولة اقتحام وزارة الدفاع، وخطأ الاعتصام عندها في ظلّ وجود ميدان التحرير الذي أسقط مبارك ونظامه، لكن العقل والمنطق الذي يرى الصورة من منظور أوسع ومدى أبعد يؤكّد أن هناك مَن ذهب لوزارة الدفاع بغرض التظاهر وليس بغرض الاقتحام، قبل أن يتهوّر أحدهم وتشتعل الأمور ويختلط الحابل بالنابل. العقل والمنطق الذي يرى الصورة من منظور أوسع ومدى أبعد يفترض أن البعض تصادف وجوده لحظة وقوع الاشتباك دون أن يكون له ناقة أو جمل فيما يحدث، ليتمّ أخذه في الرجلين.
العقل والمنطق الذي يرى الصورة من منظور أوسع ومدى أبعد سيُدرك أن البعض قد ينزل لإسعاف المصابين ومداواة الجرحى قبل أن يلحق بهم ويحتاج هو شخصيا للعلاج، دون أن يكون نزوله هادفا لأي عمل تخريبي. ولمّا كان من المستحيل الفصل بين هذا وذاك؛ فلماذا لا يعمم هؤلاء الفنانون زيارتهم للجميع، جنود ومدنيين باعتبار الجميع في النهاية مصريين، وهدف هذا أو ذاك هو مصلحة مصر! أتقولون إن المعتصمين كلهم قد أخطأوا، وإن كل مَن أصيب من المدنيين في اشتباكات العباسية محاطا بسوء النوايا؟ حسنا؛ فحتى المخطئون يا سادة يستحقون زيارتكم، على الأقل من باب الإنسانية التي تحتّم زيارتهم باعتبارهم في النهاية بشرا سالت دماؤهم بشكل مخيف، وانتشرت في أجسادهم الإصابات المفجعة التي لا يقوى إنسان على تحمّلها. حتى المخطئون يا سادة يستحقون زيارتكم، على الأقل من باب رسالة الفن التي لا تقتصر على فئة دون فئة، ومن المفترض أن يحمل أصحابها قلوبا رحيمة تأسف وتتأذّى من كل نقطة دم مصرية سالت، دون أي اعتبار لمسمّيات أخرى. حتى المخطئون يا سادة يستحقون زيارتكم، على الأقل من باب أن المجرمين وأسرى الحرب لهم حقّ علينا في معالجتهم والحفاظ على حياتهم؛ فما بالنا بإخواننا وأخواتنا في وطن واحد تشرذمت طوائفه وفئاته، وباتت تبحث عن كل عاقل يلمّ الشمل في تلك اللحظات الحرجة. حتى المخطئون يا سادة يستحقون زيارتكم، على الأقل من باب الذكاء الاجتماعي لمصالحة الجمهور والتطهر من قائمة العار، وفرصة ذهبية كانت في ملعبكم إذا ما ذهبتم لكلا الطرفين بنفس الابتسامة العريضة التي رسمتموها وأنتم تلتقطون الصور مع جنودنا المصابين، لتظهروا حينها بمظهر العقلاء الذين لا يهمهم حقن الدماء المصرية، فتكسبوا مزيدا من الجمهور من هنا وهناك، ولا يتهمكم بعدها كائن مَن كان بأنكم تنافقون السلطة على حساب أي فئة أخرى. وها هي الأيام تتوالى والأحداث تتسارع، لتُثبت قائمة العار أن البعض يستحقّ أن يوضع بها بجدارة، فإن لم يكُن بسبب تأييده لمبارك، فعلى الأقل لأن "ربنا مسلّط عليه دماغه"!