"لن ندفع بمرشح رئاسي.. حفاظا على مصر من التدخلات الخارجية".. جملة كرّرتها المنافذ الإعلامية لجماعة الإخوان وغيرها من المنافذ على لسان قياداتها مرات عديدة، مستهدفين بها عبد المنعم أبو الفتوح القيادي الإخواني السابق، والذي انشقّ عن قرار الجماعة، وأعلن في وقت سابق عن ترشّحه للانتخابات الرئاسية فبادرت الجماعة بفصله إداريا. عندما تُقرّر جماعة -بحجم جماعة الإخوان المسلمين- أن تفصل قياديا بها بحجم عبد المنعم أبو الفتوح؛ فلا بد وأن يكون السبب جللا، وعندما يكون السبب هو مخالفته لالتزام الجماعة بعدم الدفع بمرشح رئاسي؛ فبالتأكيد التزام الجماعة بهذا القرار كان مبنيا على مبدأ فيه مِن الصالح العام أكثر من الصالح الخاص، وبالتأكيد التضحية بقيادي بحجم أبو الفتوح من أجل موقف معين يعني دون شك أنه موقف حقيقي ولا جدال فيه. ولكن تراجع الجماعة عن مبدأها ودفعها بخيرت شاطر استحضر علامات استفهام شتى حول الأسباب الحقيقية لفصل عبد المنعم أبو الفتوح؛ بسبب موقف تراجعت عنه الجماعة ومع ذلك لم تتراجع عن قرار فصله، وبالتالي فنحاول خلال السطور القادمة أن نقدّم قراءة تحليلية تحاول أن تُقدّم إجابة عن سؤالين: لماذا الشاطر.. ولماذا أبو الفتوح؟ علينا أولا أن نبحث عن الأسباب الحقيقية التي دفعت الجماعة إلى الالتزام وقتها بعدم الدفع بمرشح رئاسي؛ فهناك أسباب ظاهرة أعلنتها الجماعة، وهناك أسباب غير ظاهرة اتفق عليها أغلب الخبراء؛ فالأسباب الظاهرة -بحسب قيادات الإخوان- هي عدم إعطاء فرصة للقوى الخارجية بالتدخّل في الشأن الداخلي بحجة حماية الأقليات ووقف صعود التيار الإسلامي، ورغبة منهم في عدم الاستئثار بكل المناصب الكبرى حتى لا يُعيدوا إحياء سيرة الحزب الوطني المنحل. أما الأسباب الخفية؛ فكانت تتعلّق بلعبة الصراعات والتوازنات مع المجلس العسكري؛ فعندما قطعت الجماعة هذا الوعد كان شهر العسل بين الطرفين قائما، وكان الاتفاق -حسب ما يرى البعض- أن تُوفِّر الجماعة للمجلس الدعم للمرشح الذي يُوافق عليه بالإيجاب، وليس أكثر من ذلك، وقد ظهر كلام بالفعل على عمرو موسى في البداية ثم منصور حسن، ولكن شهر العسل انتهى وانقلبت الطاولة. فتلويح الجماعة بإقالة الحكومة أثارت غضب العسكري الذي صرّح بأنه لا يجوز لها دستوريا أن تفعل ذلك، بل وزاد على ما سبق بأن شرعية المجلس نفسه ستكون في محل شك بعد انتخاب الرئيس وتأسيس الدستور، وسيحقّ وقتها للمحكمة الدستورية العليا أن تطعن في شرعية البرلمان، وقد وجد البرلمان والجماعة نفسيهما في مأزق؛ لأنها -أي الجماعة- خسرت كثيرا من أجل برلمان مهددة بالحفاظ عليه حاليا، وبالتالي تراجعت الجماعة عن قرارها، وتمّ الدفع بخيرت الشاطر مرشحا للرئاسة ومحمد مرسي -رئيس حزب الحرية والعدالة- مرشحا احتياطيا في حال تمّ الطعن على الشاطر، وتمّ وقف ترشيحه للرئاسة. ولكن لماذا لم تتراجع الجماعة عن فصل أبو الفتوح؟ فقد تراجعت عن الموقف الذي بناءً عليه تم فصل الرجل، البعض يرجع هذا التصرّف لرغبة مجلس شورى الجماعة في عدم التردد والتراجع في تصرّفاتها؛ خاصة وقد التزم بقرارها عدد كبير من مؤيّدي أبو الفتوح من تيار الشباب الإصلاحي. والبعض الآخر يرجع هذا التصرف إلى صراع شرس كان يدور في وقت سابق بين أبو الفتوح والشاطر؛ يمثّل تيارين؛ أحدهما محافِظ بقيادة الأخير، والآخر إصلاحي بقيادة أبو الفتوح، وكان لكل منهم داعم من القيادات الكبرى؛ فكان يدعّم أبو الفتوح د. محمد حبيب -نائب المرشد السابق- بينما كان يدعّم الشاطر محمد بديع المرشد الحالي. رفض عودة أبو الفتوح أيضا يتمثّل فيما تراه الجماعة تنازلات كان يُقدّمها للتيارات الأخرى الليبرالية وانفتاحا زائدا لم يعجب بعض القيادات داخل مجلس شورى الجماعة، فضلا عن فكرة وجود تيار إصلاحي داخل الجماعي أحيانا ما يعترض على تصرفاتها كانت فكرة مزعجة بالنسبة لمكتب شورى الجماعة وأبو الفتوح كان رمزا بالنسبة لهذا التيار. وللجماعة أيضا أسبابها في الإصرار على ترشيح الشاطر دون غيره، وأهم هذه الأسباب أن الظروف الدرامية الملحمية التي سُجن فيها الشاطر وقدر الظلم الذي تعرّض له قبل الثورة، يجعله وجها مقبولا ورمزا للثورة لا يعترض عليه أحد -أو هكذا تخيّلوا- وكان من أكثر الشخصيات المكروهة للنظام السابق، وبالتالي مفترض أن يكون مقبولا لدى الجماهير. السبب الثاني في اختيار الشاطر أيضا أنه شخصية اقتصادية ناجحة ومرموقة، يعتقدون أنه بإمكانه أن يكون أمل المصريين في ترميم أعمدة الاقتصاد التي خارت قواها بصورة مخيفة، وأن رؤيته الاقتصادية التي استطاعت أن تحقق نجاحا كبيرا رغم عكوسات النظام السابق الأمنية والاقتصادية بالتأكيد ستجدي نفعا في وقت لم يعد فيه لا عكوسات ولا نظام. السبب الثالث وهو سبب يتعلّق بالدعم المالي الكبير الذي كان يشكّله الشاطر للجماعة بخلاف الدعم المعنوي والتضحيات التي قدّمها؛ فالرجل كان واحدا من كبار رجال الأعمال داخل الجماعة وأحد أهم مصادر تمويلها الداخلية، وبالتالي فقد يكون هناك اعتبارات لها علاقة بتضحيات الرجل الاقتصادية أثّرت بصورة أو بأخرى في قرار مجلس شورى الجماعة. وبصرف النظر عن الأسباب الحقيقية أو الخفية يبقى الشاطر مرشحا قويا، ويبقى أبو الفتوح مرشحا قويا وربما على نفس الوزن، ولكن الشاطر قواعده إسلامية بحتة، بينما أبو الفتوح له قواعد أخرى ليبرالية، فلمن ستكون الغلبة يوم لا ينفع المرء إلا صوت الناخب، الصندوق المشمع هو مَن سيحمل الإجابة الحصرية يومي 23 و24 إبريل.