كتبت: أميرة الشربيني تطالعنا الأخبار بترشح المطرب الشعبي سعد الصغير للرئاسة، وبعد أيام يخرج سعد كي يبرر حجة اضطراره لتلك المزحة الثقيلة كي يوصل وجهة نظره الموضوعية، وهي أنه لا يوجد ضوابط معينة من أجل الترشح للرئاسة، وهذا أمر غير معقول ولا منطقي، ويذكر الحانوتي والمرأة التي وعدت الناخبين بكتاكيت! ساخرا من الوضع ومتعجبا من أن الحكومة لم تتنبه لهذا الوضع الهزلي من الأساس! ودون الخوض في تبرير أو نقد ما فعلته الحكومة، وما آلت إليه الأمور من عبثية مؤخرا بمصر، أعلق أنا ساخرة بدوري على قول سعد الصغير بأنه حصل على دبلوم الصنايع بالعافية ولا يجوز أن يكون رئيسا، بأننا نحتاج صنايعي ماهرا، ومع كل احترامي لكل أصحاب الحرف الذين لولاهم لوقفت حياتنا أقول لسعد الصغير إننا نحتاج سبّاكا!؛ لأن هناك حلقة وصل مفقودة، أو ماسورة تربط بين اللي فوق واللي تحت.. كالعادة.. في نهاية عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك كان الوضع مشابها لما يحدث الآن من عبثية. حيث الإعلام وصحف المعارضة وكل الناس تتكلم، ولا يوجد أي جدوى لكلامها، زاد الموقف فوضى بعد الثورة؛ لأنه لم يعد هناك روابط، كانت الديكتاتورية تخيف البعض وتجبر البعض الآخر على عدم تخطي سقف بعينه. ولقد كان هناك تشبيه نقوله جميعا ضمنيا بيننا وبين بعضنا، وسأذكره مع اعتذاري للجميع بما فيهم أنا؛ لأني مصرية مثلكم.. "كنا نقول إن مبارك يتركنا ننبح كيفما نريد ولا يغير شيئا".. وعندما قامت الثورة لم نبحث عن التغيير الحقيقي، ومرّ العام الماضي ما بين اعتصامات ومقالات وبرامج حوارية لا نستفيد منها كيفما ينبغي وسط صراخ الضيوف على بعض، هذا بالإضافة إلى تويتر وفيسبوك وكل وسيلة "نبح" متاحة! لم يفكر أحد في حلقة الوصل، في لجنة شعبية منتخبة بكل محافظة مثلا، تتقدم بطلبات رسمية للجهات المختصة، أو ربما جمعية قومية مصرية تختصّ بما يشابه من أمور, تستمد شرعيتها من توكيلات مواطنين لها بأمور بعينها. ولماذا لم يتبنّ الإعلام ذاته التوجه ناحية أفكار فعالة مثل تلك، مع البحث عن الصالح منها للتحقيق على أرض الواقع ورعاية وصولها للتحقق الفعلي؟ قامت الثورة ليزداد الهرج، وفي رأيي الشخصي المتواضع القابل للنقد، أنا أحمل الإعلام مسئولية كبيرة لما حدث. الإعلام موقفه بعد الثورة بدا لي مستفزا، فلقد قام هو صوريا بدور تلك القناة التي يجب أن يعبر من خلالها صوت المواطن إلى المسئولين. لكن هذا لم يحدث بالصورة المرجوّة؛ لأن الإعلام ليس هو المختص بمهمة مثل تلك، الإعلام ليس أكثر من مجرد وسيلة تنويه، لكنه صار بوقا عاليا مزعجا ومتضاربا وفي كثير من الأحيان يثير الشكوك بكونه مغرضا، ووسط صخب صوته تضيع كل تلك الأصوات الهادئة المتزنة الموضوعية التي تفكّر في هدوء ولا تميل للأحكام الانفعالية على الأمور. الإعلام الذي استخدمه سعد الصغير لتوصيل رسالته ساخرا من أنه كان طبالا وصار مغنيا بالصدفة عندما غاب المطرب، فوقف هو يغني, لا يفرق عن سعد في كثير من الأحيان، فهو طبال ومغني، أو طبال صار مغنيا نشاز, بينما هذا الذي يحق له الغناء، مجهول الهوية. نعم، القنوات الإعلامية هي أكثر الطرق فاعلية اليوم في مصر، وهي قنوات لم توصّل لشيء، إما لأنها لا توصل لشيء بالأساس، أو لأن بها سدّة ما تحتاج تسليكا، أو أنها ملتوية وتصرف في الخلاء! شر البلية هو ما يجعلنا نكتب بسخرية مريرة، مصر تحتاج سباكا، إن أتى اليوم علينا لنجد مطربا شعبيا بها -ومع كامل احترامي له كمواطن وإنسان– محتاجا لأن يستخدم كل تلك الضجة الإعلامية من أجل لفت نظر الحكومة لوجهة نظره الصائبة كما يدّعي! إننا نحتاج قناة وصل حقيقية، ولا أعرف لماذا ننساق بانفعال وراء ما يحدث دون أن نتوقف ولو للحظة كي نفكر بهدوء، لماذا تحوّلنا جميعا إلى كورال ينشز في الهيصة؟ هل لأن الأمر لا يعنينا ولا يهمنا؟ أم لأن هناك تعمدا خفيا في أن نستعيض بالطبال عن المطرب؟