ما زالت استطلاعات الرأي بعد أكثر من 10 سنوات على أحداث 11 سبتمبر تؤكد على وجود الفكر الضيق المتعصب الذي يغذي انتشار الكراهية العميقة في البلدان الإسلامية لكل ما هو غربي، هذا العداء يتغذى ويزيد يوميا بالحديث المستمر عن الحرب المستعرة بين الإسلام من جهة وبين اليهودية والمسيحية من ناحية أخرى. فمن المدهش والمؤسف أن استطلاعات الرأي في مصر مثلا تبيّن أن 75% تقريبا ممن استطلعت آراؤهم لا يصدّقون أن أحداث 11 سبتمبر نفّذها مسلمون أصلا، ويعتقدون أنها ألصقت زورا وبهتانا بالمسلمين والإسلام. بيد أن هذا الإنكار ورفض مواجهة الحقيقة يؤدي لنتائج بشعة ليس أقلها غياب المسئولية الاجتماعية والدينية والأخلاقية عن عمليات العنف التي تتخذ من الدين ستارا ومسوّغا لها، والإصرار على نهج التأويلات المتشددة للنصوص والمعتقدات الدينية، بل والمضي في قلب الحقائق لتبرير الأيديولوجيات العدوانية؛ مثلما حدث عندما قال وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا بأن موت أسامة بن لادن يعني هزيمة استراتيجية لتنظيم القاعدة، فما كان من خليفته أيمن الظواهري إلا أن ردّ بأن إحجام الولاياتالمتحدة عن نشر صور جثة بن لادن بأنه ضعف من الجانب الأمريكي أمام أفكار بن لادن التي "تغلغلت في قلوب ملايين المسلمين". هذا النمط في التفكير لا تجدي معه الحرب الكلامية والتراشق اللفظي، وإنما يحتاج إلى إيجاد نماذج حقيقية ملموسة على أرض الواقع تدحض مقولاته الأساسية، لا في قلب العالم الإسلامي فحسب، بل وفي داخل الدول الغربية نفسها التي يعيش فيها ما يقرب من 30 مليون مسلم، فإذا تمكّن هؤلاء من التغلب على أزمة الهوية التي يعانون منها فإن هذا سيكون أبلغ ردّ على ادّعاءات القاعدة بوجود حرب أبدية بين الإسلام والغرب. لا يجب أن ننسى أو ننكر أن هجمات 11 سبتمبر 2001 وما حدث في يوليو 2005 في العاصمة البريطانية لندن من قيام مسلمين مقيمين في بريطانيا بتفجير أنفسهم في مترو الأنفاق وقت الذروة؛ لقتل أكبر عدد من المدنيين أدى بشكل واضح إلى أن يقع المسلمون في أمريكا وأوروبا ضحايا جدل كبير حول معنى كونهم مسلمين، وفي نفس الوقت كونهم منتمين للغرب، وكيف يمكنهم أن ينجحوا في التعايش بسلام بكلا الهويتين دون أن تؤثر إحداهما سلبا على الأخرى، ودون أن يكون تمسّكهم بواحدة دليلا على إنكارهم ونفورهم من الأخرى، ولكن يجب أن نعي أيضا أن نسبة كبيرة منهم استطاعوا التعايش بسلام، ويؤكد كل فرد منهم على أنه مسلم غربي، الإسلام دينه والغرب موطنه ومحل إقامته. لقد وُلِدت أحداث 11 سبتمبر وتفجيرات لندن من رحم المؤتمرات واللقاءات التي كان ينظّمها النشطاء الإسلاميون في الدول الغربية؛ للدعوة لإقامة خلافة إسلامية في العالم العربي أو في باكستان وإلى شن الحرب على البلدان الغربية، وما زال بعض المسلمين في الغرب -وخاصة في بريطانيا- يرفضون حتى اليوم فكرة التعايش مع بلد علماني ديمقراطي؛ حيث لا يزال مفهوم العلمانية ذا سمعة سيئة في الخطاب السياسي الإسلامي، ولا يزال بعض المسلمين يتطلعون بشوق إلى إقامة دولة يتم حكمها بالشريعة الإسلامية وفقا لفكرتهم هم عن تلك القواعد وكيفية تطبيقها، ولكن كل الفارق أنهم بعد أن كانوا يتوقون لتلك الدولة في بريطانيا أصبحوا يتطلعون لها في مكان ما من الشرق الأوسط الكبير. ولا يزال بعض الناشطين الإسلاميين في بريطانيا وأمريكا وغيرها يسعون لإنشاء دولة إسلامية ولو حتى باستخدام العنف، على العكس من المسلمين الذين نجحوا في الاندماج في بريطانيا وأمريكا، والذين يكافحون باستمرار لرسم صورة توافقية للإسلام مع العالم الحديث. إن ما يحدث في الجاليات والمجتمعات الإسلامية التي تعيش في الدول الغربية من شأنه أن يؤثر لسنوات في هذه الدول بل وفي العالم بأسره، ومن ثم لا يجب ترك زمام الأمور للمتشددين ليقودوا إخوانهم في الدين باتجاه الفتنة الطائفية والتشدد الديني، مثلما نرى في باكستان أو أفغانستان. ولا يخلو عالمنا اليوم من أمثلة لنماذج معتدلة مثل النمط الذي نراه في المجتمع الهندي الذي رغم التعدد به لم يظهر فيه أي مظهر من مظاهر القاعدة الإرهابية؛ مع مراعاة الفروق في ظروف الحياة التي يعيشها المسلمون في كلتا القارتين. ولهذا يجب أن نعي أن ما يحدث داخل المجتمعات الإسلامية في الغرب سيكون له تأثير كبير على تجفيف منابع الفكر المتطرف في المستقبل، فلو استطاع المسلمون هناك أن يحققوا التناغم بين كونهم مسلمين وغربيين في نفس الوقت دون اضطهاد ودون تمييز، فإن تأثير القاعدة سيصير منعدما، ولن تجدي أفكار أسامة بن لادن نفعا، من هنا يمكن القول بأن مواجهة الإرهاب والفكر المتطرف لن تنجح إلا من خلال القضاء على فكرة العداء القائم بين الغرب والإسلام من الجذور.