السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ أنا عندي مشكلة، هي ممكن تكون تافهة من وجهة نظر ناس كتير؛ بس هي بالنسبة لي أزمة كبيرة جدا. أنا عندي طفل عنده 6 سنين وهو أول طفل عندي، أنا مشكلتي معاه إن هو طيب ومش من الأطفال العنيفة، لما بييجي يلعب مع أي طفل تاني بيكون ضعيف الشخصية جدا حتى لو الطفل التاني ضربه هو مش بيضربه وبالاقيه ساكت؛ ولو أنا مثلا قلت له خلاص ماتلعبش، ألاقيه بيعيط مش علشان اتضرب؛ لأ علشان أنا قعدته.. لدرجة إن أنا بقيت أقول له لو حد ضربك وأنت سكت أنا اللي هاضربك.
حتى باعمل كده مع أخوه اللي عنده سنتين؛ باقول له لو ضربك اضربه، وفيه حاجة كمان لو كنا في أي مكان فيه أطفال بيقعد يتحايل عليهم علشان يقوموا يلعبوا، مع إن أنا وباباه بنقول له كتير ماتتحايلش على حد علشان يلعب معاك.
أنا مش عارفة أعمل إيه؟ وهل ده عيب في شخصيته؟ أنا فعلا بقيت أكره أروح مكان فيه أطفال، مع العلم إن هو مش انطوائي خالص، وعنده أصحاب في المدرسة، بس أنا طبعا مابشوفش هل فيه حد بيضربه ولا لأ، ولا باشوفه بيتحايل عليهم ولا لأ، أنا عايزة حد يقول لي أوجهه إزاي؟ أنا خايفة يطلع شخصيته ضعيفة.
seif
أختي الكريمة.. كثيرا ما نتصرف تصرفا نتصور أنه هو الذي سيجعل الابن أفضل، وسيجعله أقوى، وسيجعله أكثر استقامة، وهذا ما جعل لدينا أكثر من سبعة طرق خاطئة وسلبية في تربية أولادنا، وصار لدينا أمية تربوية كبيرة لم يعد ينفع معها الأعذار، وحين يأتي إلينا شاب في قمة عنفوان شبابه، أو رجل تخطى الأربعين، أو فتاة في زهرة صباها، وامرأة تزوجت منذ عدة سنوات ونفتش عن أصل المشكلة التي تعانيها وتؤرقها؛ غالبا ما نجدها بسبب طريقة التربية التي تمّ التعامل بها معه أو معها منذ طفولته.
وأظلّ أكرر على مسامعهم أننا قد لا نستطيع الدفاع عن أفعال والدينا؛ ولكن نستطيع أن ندافع عن حبهما الأكيد لكم، وأن لهم العذر في أنهم لم يعرفوا.
وأؤكد على من يستوعب أن مشكلة حياته كانت في الأصل سببها وترسخها بداخله على مدار سنوات عمره؛ يجب ألا يحاسب أهله عليها؛ رفقا بهما وبنفسه، وأنه لا يزال عليه -رغم معاناته الشديدة بسبب أخطاء تربوية- ألا يتنصل عن مسئوليته تجاه نفسه في الإصلاح وإن طال الزمان.
هذه حقائق نقابلها طول الوقت، وأرجو أن تتفهمين ما قلته وما سأقوله بصدر رحب وبفكر واعٍ، وأحمد الله أنك استشرت؛ فما خاب من استشار، وحتى نبدأ معا بشكل صحيح يجب ألا يتحول حديثي معك لمشكلة تأنيب ضمير أنت في غنى عنها تماما بجانب قلقك على ابنك؛ فلنترك الآن أي أمر سلبي، ولنبدأ العمل بروح جديدة خالية من تأنيب الضمير والقلق؛ حتى لا يتوقف المشوار وهذا مهم جدا.
ثانيا: من الضروري أن نعرف أن الابن تكوينه النفسي يدخل فيه عوامل كثيرة؛ منها عوامل ليس لنا يد فيها كالجينات التي يرثها من أهله، وبعضها يمكننا أن نعدله وهو طريقة التربية والتواصل معه، وخبراته التي يمر بها في حياته عبر الزمن؛ فمن الجائز جدا أن يكون ما مر ويمر به من كل تلك الأمور جعلته يميل لأن يكون مسالما، يكره العنف والمشكلات، ولديه بعض الحساسية، فمهم أن أحترم اختلافه الذي قد يكون فيه جزء وراثي، وقد نكون نحن بطريقتنا جعلناه غير واثق في نفسه، أو قادر على الدفاع عنها حين يخترق شخص خصوصيته وأمانه.
لذا نحن نمتلك الجزء الخاص بالتربية، والأسلوب الذي يتم التعامل معه به، ولا مكان للحديث عن شعار "فات الأوان أو تأخرنا"؛ والسبب علمي محض؛ حيث إن خلايا المخ العصبية تتميز بأنها مرنة جدا جدا، ومن الممكن عمل خطة تربوية جيدة؛ بحيث تكون حقيقية، أي دائمة ومستمرة لتعمل تأثير مستمر في المخ؛ وبالتالي تأثير مستمر على المشاعر والسلوك.
فابنك يحتاج لدعم ثقته بنفسه، ويحتاج لأن يشعر بأنه ينال رضاك ورضا والده؛ فما يحدث منك من توبيخ، ونقد، ولوم، وتهديد بالضرب، وتجريح؛ هو في الحقيقة تدمير وتحطيم له، ويسرع هروبه دون وعي منه لمساحة يشعر فيها بالأمان؛ كأن يتحول لشخص اعتمادي أو صاحب اضطراب في شخصيته؛ فيصبح متجنب حتى لا يسمع أي لوم، وتأنيب، ونقد، وسخرية طول الوقت؛ لذا حتى يتحول لشخص واثق في نفسه يدافع عن حقه الشخص إذا تمّ اختراقه دون وجه حق، ومبادر... إلخ، عليك بتفهم ووعي لتلك النقاط والتدريبات، وسيكون أفضل بكثير جدا، وستسعدين جدا بأمومتك الحقيقية التي نتجت عن تربية سليمة، وأخرجت للمجتمع شخصا سويا إن شاء الله.. وسأجعلها في شكل نقاط:
* توصيل الشعور له بأنك تحبيه وترضي عنه دون شروط؛ فالأم توصل رسالة مضادة للابن حين تربط مزاجها الجيد، ورضاها، وحبها، وطريقة تعاملها الجميل لو الابن كان منظما، أو شاطر، أو هادئ يسمع الكلام... إلخ، فهذا يعني لدى الابن أنه محبوب؛ لأنه يسمع الكلام أو منظم، أو شاطر في الدراسة وليس لأنه محبوب لأنه ابنها، فلا بد أن يصل له أنك تحبينه؛ لأنه ابنك ولكن هناك ما يزعجك من تصرفاته غير المقبولة، وهذه التصرفات غير المقبولة سيكون لها عقاب، دون أن يمس هذا بحبك له ورضاك عنه؛ فلا تشترطين تصريحا أو تلميحا بأن رضاك وحبك له وتقبلك له مرهون بأنه يضرب من يضربه، ويأخذ حقه، ولا تتحدثي أصلا لفظيا في الموضوع؛ لأنه يزيد الطين بله، فقط اجعلي حبك له غير مشروط بهذا وعبري عنه بالنظرة الحانية، باللمسة والحضن، بالنظرة التي تحمل الإعجاب.
* أوقفي فورا أي انتقاد أو تبكيت أو سخرية ولوم، كفاك تحطيما يا أختي له؛ ولكن شجعيه على أي تصرف ولو بسيط جدا حاول فيه أن يكون مبادرا، شجعيه بأن تجعليه يجرب معك وأنت معه أن يحصل على حقه، امدحيه أمام الأقارب وافخري به؛ لأنه قام بكذا وكان رائعا جدا وقتها حتى لو كان أمرا بسيطا.
* عصبيتك وتهديدك له بالضرب، وخلق جو مشحون سيؤثر على علاقتك به، فتخسريه بمرور الوقت فهو الآن لا يزال طفلا بقي له أربع أو خمس سنوات فقط ليبدأ مرحلة المراهقة، وفيه تحدث أزمات كثيرة نفسية ومشاحنات واستدراك لما مضى، ولن يفهم حينها رغبتك في أن يكون شجاعا واثقا من نفسه، ولن يتمكن بقدراته في تلك المرحلة، والتي تتسم بتذبذبات ومحاولات إثبات الذات والرغبة في التعبير عن نفسه إلا أنك جرحته، وأهنته، فلا تنسي أن يكون المناخ بينكما من الآن مناخ حب، واحترام، وصداقة، وقرب، جربي أن تجعليه يُعبر عن مشاعره بهدوء وهو يشعر بالأمان فلا غضب، ولا تهديد بالضرب، ولا قسوة، ولا نقد، ولا لوم، ولا سخرية؛ فيبوح بمشاعره حين يضربه أحد فيتحدث عند سؤالك له عن ماذا يشعر حين يضربه طفل آخر، ولماذا يخاف أن يضربه، وماذا سيحدث لو ضربه... إلخ لتناقشيه بهدوء وأمان فيما سيقول لتضعي له حلولا يقبلها عقله فيبدأ في تغيير سلوكه.
* مهم أن تجعليه يلتحق برياضة تعلمه الدفاع عن النفس وهي أنواع كثيرة؛ مثل: الكاراتيه، التايكوندو... إلخ فهي تقوي العضلات، وتبث الثقة بالنفس، وتعلم فن الدفاع عن النفس، ناهيك عن فوائدها المتعددة على المستوى النفسي قبل العضوي فلا تتركي هذا الأمر.
* لا تقارنيه بأخيه أو أي طفل آخر قريب أو غريب؛ لأنه له أثر سيئ جدا على سلامته النفسية.
* ركزي في اكتشاف قدراته الأخرى ومواهبه التي يتميز بها لتفعليها وتقويها؛ فسيبث ذلك الثقة في نفسه، ويجد لنفسه مناطق قوة ونجاح بجانب المساحة الدراسية وستجدين عجبا.
* مهم جدا الاتفاق مع والده على أن تنهجا نفس طريقة التعامل وردود الأفعال ويساعدك على ذلك؛ حتى لا يتعرض لما نسميه بازدواجية التربية لا قدر الله؛ خاصة أنه سيحتاج لوالده تحديدا في الفترة القادمة؛ لأن الابن يدخل ويتعلم عالم الرجولة، ويبث بداخله تفاصيل عالم الرجولة من مسئولية، وتخطيط، وإدارة أزمات، قوامة... إلخ من خلال الأب، وكلما اقتربت وتصادقا؛ تمكن من إثبات ذاته أكثر.
وأخيرا.. لقد قلت لك أقل من نصف ما أردته؛ فكل نقطة حدثتك عنها تحتاج لتفصيل ولكن المساحة لا تسع، أرجو أن تتفهمي ما قلته وأن تتدربي على طريقة التعامل الجديد معه، وواظبي على القراءة في مثل تلك المشكلات، وستجدين الكثير مما يفيدك، ويفيد والده معك؛ لتكونا على أسلوب تربوي واضح ومحدد للولدين.. وفقك الله يا صديقتي.