أنا متزوّجة، ولديّ ابن عمره 3 شهور، وفي حالة جيّدة، ونعيش في مستوى جيّد، المشكلة إن زوجي دائما عنيف مع ابني ولا يحتمل بكاءه، لأن الأطفال في هذه السن كثيرو البكاء.. أبوه لا يصبر عليه، مجرّد ما يبدأ طفلي في البكاء يضربه على وجهه، ويعضّه في جسمه ووجهه، وعندما أطلب منه ألا يفعل ذلك يزيد في أفعاله أكثر، ويقول لي إن لديه خُطة يريد تطبيقها على تربية ابنه حتى يُصبح مطيعا ويخافه. أنا حزينة جدا على ابني وعلى نفسي، ولا أعرف ماذا أفعل، وأشعر أني السبب فيما يحدث له، أريد طريقة أقدر أتعامل بها مع زوجي حتى أجعله يترك هذه الأفعال الغريبة تجاه ابني، مع العلم بأن زوجي لم يكن والده يفعل فيه هكذا وهو صغير، أفيدوني أرجوكم؛ فأنا في حيرة ولا أدري ماذا أفعل، وحالتي النفسية تزداد سوءا يوما بعد يوم، وبدأت أكره زوجي، وطلبت منه الطلاق قبل ذلك، ماذا أفعل فأنا لا أستطيع التحمّل ولا رؤية ابني يتعذَّب؟!! sun.sun حديثكِ عن تصرّفات زوجكِ بالتأكيد حديث غير طبيعي بالمرّة؛ فأنتِ تتحدِّثين عن شخص يُعاني عدم النضوج النفسي، أو الاتزان الانفعالي لديه يُساوي صفرا، وهذا يجعله شخصا غير مؤهل -تربويا- ليكون أبا من الأساس، بل ويكاد يكون مختلّا نفسيا وإدراكيا حين يعضّ ويضرب طفلا يبكي في شهره الثالث من عمره؛ ليتعلَّم أن يطيعه ويخاف منه؛ لأن لديه خُطة تربوية؛ كما ذكرتِ. وبالرغم من أن حديثكِ يشير إلى ذلك من الوهلة الأولى، فإن هناك احتمالات عديدة لحدوث تلك التصرّفات الشاذة منه تجاه طفله والتي لن يحسمها غيركِ أنتِ؛ لأنك أنتِ من يعيش مع هذا الزوج، ويتمكّن مِن تحديد أي تلك الاحتمالات أقرب للحقيقة؛ وعلى سبيل المثال منها أنه كان شخصا عصبيا منذ البداية، وتصدر عنه تصرّفات غير منطقية أو مبالَغ فيها حين ينفعل أو يتعرّض لضغط في مواقف سابقة مررت بها معه مثلا أثناء الخطوبة وفترات تحديد اتفاقات الزواج، أو مِن خلال علاقته بالآخرين في عمله مع الزملاء أو المديرين أو مع أقربائه أو غيره، وهنا ستكون مسئوليتك كبيرة مع الأسف؛ لأنك حينها ستكونين ممن وقعن بجدارة في أشهر خطأ تقع فيه الفتاة حين ترتبط بشخص ترى منه أمرا لا تقبله أو لا تستسيغه، وتتصوّر أن الزواج هو بالضبط "مصباح علاء الدين" الذي سيُغيِّر كل شيء غير مقبول، أو سيقوم بمهمة التغيّر لكل ما يحتاج للتغيير، وهذا أكبر وَهْم وأسوأ فخ تقع فيه الفتاة أو حتى الشاب حين يختار الارتباط بشخص ما. وعلى أية حال لو كان هذا هو حقيقة الوضع فاسمحي لي أن أكون أكثر صراحة معكِ لدرجة سخيفة، تجعلني أُرشِّح لكِ الانفصال عنه لو كانت تلك هي طبيعته؛ لأن الحياة القادمة في ظلّ وجود أطفال تمرّ بمراحل طفولة باحتياجاتها الكثيرة من صبر، وتصرّفات تربوية تواجه العناد، والفضول، وتعديل السلوك، وبث الثقة بالنفس، وقدرة على التعامل مع تنوّع مشكلاتها... إلخ، أو مراحل المراهقة التي ستحتاج إلى نضوج شديد من الأبوين، واتفاق موحّد بينهما على طريقة التربية والتعامل، ومما ستحتاجه من تفاهم وحوار لتواجه تقلباتها وخصوصية مشكلاتها، وبالتالي ستحمل -شئت أم أبيت- الكثير والكثير من المواقف التي تحتاج لاتزان انفعالي وتصرّفات تربوية تتطلّبها تطوّرات نمو الأبناء، والتي سيكون أقل نتائجها عند عدم توافرها اضطراب العلاقة بينهم وبينه، وإصابتهم -الأكيدة- بعدد لا بأس به من الارتباكات النفسية؛ أدناها فقدُ الثقة بالنفس، وكره الذات، والانطواء والخجل الاجتماعي والشك والبخل... الخ، ناهيك عن سوء العلاقة بينكِ وبينه ووجود صراعات مستمرّة ومناخ مريض في البيت الذي يجب أن يكون مناخا طيبا يبثّ الرحمة والهدوء والثقة والحضن الكبير. عزيزتي... أقترح عليكِ قبل فكرة الانفصال أن تستخدمي ما لديكِ من كارت أخير معه، وهو نصحه بلباقة وذكاء بالتواصل مع متخصص نفسي ليخضع لبرنامج سلوكي معرفي يضبط معه انفعالاته، ويُقلّل مِن حدة عصبيته، ويُعيد توافقه مع الطفل الرضيع، ويناقش معه أفكاره ومعتقداته الخاطئة نحو التربية، ويُعدّل من سلوكه، أو قد تحاولين أنتِ بطريقة ذكية أن تُمهّدي لدور هذا المتخصص تدريجيا معه كفترة تسخين له قبل التواصل مع المتخصص؛ ليُدرِك مدى احتياجه لفهم طبيعة العلاقة بينه وبين طفله ومتطلّباتها وأبعادها، فيتركّز دورك في توضيح بعض المعلومات المهمة البديهية؛ مثل أن الطفل في هذه المرحلة لا حول له ولا قوة، ويحتاج لرعاية تامة نفسيا وصحيا وجسديا ووجدانيا؛ حتى ينعم بنمو طبيعي؛ لأنه يعجز عن تقديمها لنفسه، وأنه لا يملك في تلك المرحلة العمرية سوى لغة واحدة فقط يعرفها وهي البكاء، فهو يبكي؛ لأنه جائع، أو لأنه يتأذّى من شيء، أو لأنه يريد الشعور بالأمان، أو لأنه يريد أن ينام، أو لمجرد اللعب؛ فالاحتياجات لديه تتنوّع، واللغة التي يملكها واحدة للكل، وما دام يؤمن بأنه يتمكّن من توصيل رسالة له في هذا العمر كالطاعة له أو الخوف منه؛ فهذا يعني أنه يؤمن أنه يشعر ويفهم وهذه حقيقة، وهذا يعني أنه يشعر بالألم ويتأثّر نفسيا من تصرّفاته، وأنه يحتاج لدفء حضنه وحنانه بدلا من ضربه وتعذيبه. حاولي صديقتي أن تجمعي بينه وبين طفله وقت ضحك طفلكِ وهدوء مزاجه؛ ليستمتع بأبوته له، ولو استطعتِ أن تستعيني بشخص مقرّب منكِ ليساعدكِ على تنفيذ فكرة التواصل مع زوجك بشكل أفضل سيكون أمرا جيّدا؛ كأن تستعيني بوالدتك مثلا ببقائها معكِ يومين تنالين فيه قسطا من الوقت لزوجك، وتحمل الطفل عنكِ لفترة. وكذلك سيُبيّن له المتخصص أمرين غاية في الأهمية؛ أولهما: أن هناك ما يُعرَف باسم "الاحتياجات الأولية للطفل" لا ولن يحصل عليها إلا من أحضان أمه وأبيه، وهذه الاحتياجات هي الحنان والرعاية والحب والتقبّل والأمان، وأنه حين يحصل عليها الطفل في سنوات عمره الأولى يكون إنذار خير بأن يشب الطفل على أفضل حال، ويكون مستقرا نفسيا وعاطفيا، وأن عدم حصوله عليها بشكل كافٍ أو مشوّها سيُحدِث له تشوّهات نفسية لن تندمل بسهولة، وصفحات موقعنا تصرخ كل يوم من مشكلات الفتيات والشباب التي يعانونها؛ بسبب ما فاتهم في طفولتهم فليتقِّ الله ولينتبه لمسئولياته، وثانيهما هو أن الطفل بعد الشهر الثالث أو الرابع يتطوّر سلوكه وانفعالاته، ويهدأ أكثر، وبمرور الوقت يتمكّن من التواصل الواقعي مع البيئة من حوله؛ فيُدرِك الليل والنهار أكثر، ويتلقّى التربية وتعليماتها بشكل أفضل كلما كبر يوما. وهناك احتمال أنه مريض نفسيا بالفعل، ولديه اضطراب كان يحتاج فقط لظهوره أن يتوافر له العامل المرسب، ومعنى العامل المرسب أن يتوافر شيء في البيئة تساعد على ظهور هذا الاضطراب، رغم وجود دلائل عليه في السابق، ولكن لم تكن بهذا الوضوح قبل ظهور العامل المرسب -أي توافر المناخ المناسب- أو أنه يمرّ بخلل نفسي في تلك الفترة الآن، مما يجعله في حالة من العصبية والتوتر فينتج عنها هذه التصرّفات الغريبة مع طفل ذي ثلاثة أشهر، وكذلك هناك احتمال أن يكون في حالة من المعاناة التي لا تشعري بها منذ ولادة طفلكما؛ بسبب تغيّرك أنتِ تجاه زوجك فأدّى لشعوره بغيرة تكاد تقتله، فكثيرا من الزوجات حين ترزق بطفل خاصة الأول تكون في حالة من الاهتمام الشديد والمبالغ فيه تجاه الطفل؛ لأنها تتعرّض للأمومة لأول مرة في حياتها، وتريد أن تكون في نظر نفسها -أو كما أدركت من تربيتها أو التجارب التي أحاطت بها أو حتى من الإعلام- أن الأم حتى تكون أما عليها أن توجّه كل اهتمامها فقط لطفلها للدرجة التي تجعلها تهمل وتنسى بشكل كبير جدا وجود أي آخر حتى لو كان الزوج الذي كان ينعم معها بهذا الاهتمام قبل وصول الطفل فيرتبط لديه شعور أن سبب تعرّضه للإهمال أو أنه صار شخصا من الدرجة الثانية؛ بسبب وصول الطفل، ويكون دور الأم هنا كبيرا في تلك الحالة؛ حيث يتطلّب الأمر فورا أن تعيد توزيع الجهد والرعاية بشكل أفضل بين الزوج والطفل قدر الإمكان حتى ولو بشكل معنوي؛ حيث تؤكّد على رغبتها في القرب من الزوج وأنها تحتاج إليه، وأن تعود لمراعاته بشكل أفضل في استقباله وملابسه وغذائه وغيره. صديقتي.. أريد أن أقول إنكِ عليكِ أولاً مهمة اكتشاف سبب تلك التصرّفات، ثم البدء في محاولة تصحيح هذا الخلل من خلال ما حدّثتكِ عنه، ثم التواصل مع متخصص نفسي لو لم تهدأ الأمور بعد فترة من التغيير في تصرّفاتك أنتِ أولا معه، والصبر حتى يتغيّر يوما بعد يوم في تعامله مع طفلكما، وأخيرا إن لم يستجِب لكل تلك الخطوات التي ستأخذ وقتا وجهدا فلا مجال إلا بتهديده بحسم شديد بأن علاقته بطفلكما محل جدية منك، وأنك بالفعل ستنفصلين عنه دون فصال وليعوض عليك ربنا سبحانه وتعالى.