شكلت الدول الضعيفة -والتي تعاني من غياب السلطة المركزية- مسكنا آمنا لتنظيم "القاعدة" منذ نشأة التنظيم؛ حيث ترعرع التنظيم في أفغانستان وقت الاحتلال السوفيتي، وهرب منها وقت الاحتلال الأمريكي ليلجأ إلى العراق بعد غرقه في الفوضى، ويعود إلى أفغانستان مجددا بعد تحسن حالة الأمن في العراق. وعاد التنظيم ليظهر في دولة متخبطة أخرى (الصومال) إلا أن الظهور الأبرز للتنظيم جاء في جنوب اليمن منذ يومين، حيث تظاهر عدد من المنتمين إلى التنظيم جهارا نهارا، وطالبوا الجيش اليمني بألا يقف مع الولاياتالمتحدة وأعوانها، الذين اعتبرهم المتظاهرون هدفهم الحقيقي. ولظهور القاعدة في هذه المنطقة أكثر من أثر، الأول هو إعادة القاعدة لأحد أهم المناطق المؤثرة في العالم، الخليج العربي، بعد أن تراجعت قوتها هناك بفعل العمليات المسلحة التي شنتها السلطات السعودية ضد المطلوبين المتهمين بالانتماء للقاعدة. ولا شك أن هذه العودة تثير المخاوف الأمريكية، ولعل هذا ما دفع مجلة "تايم" الأمريكية إلى التأكيد على أنه بالرغم من كافة المساعدات الأمريكية لليمن فإن القاعدة ما تزال تنتشر في اليمن، مشيرة إلى أن أمريكا نفذت العديد من الغارات والعمليات الأرضية ضد ناشطي القاعدة وساعدت السلطات اليمينة بالمعلومات، دون أن يسفر هذا عن أية نتيجة إيجابية. والغريب أن الولاياتالمتحدة تتبع نفس الأسلوب الذي تستخدمه في محاربة طالبان والقاعدة من خلال قصف أهداف محتملة للقاعدة، وغالبا ما يسقط عشرات المدنيين في هذه الهجمات، وعلى الرغم من أن هذا الأسلوب يزيد من شعبية القاعدة، ومن قدرتها على "تجنيد" المتطوعين، إلا أن الولاياتالمتحدة تستمر في استخدامه. أما الأثر الثاني لعودة القاعدة في اليمن فهو إعادة الانقسام بين شمال اليمن وجنوبه، فالكثير من "الجنوبيين" بدأوا يتحدثون بلهجة محمّلة بالمرارة حول طريقة تعامل السلطات اليمنية معهم، حتى وصل الأمر بعلي سالم البيض الرئيس اليمني الجنوبي السابق إلى الدعوة إلى انفصال الجنوب مجددا عن الشمال. والأزمة الحقيقية التي يعانيها اليمن الآن أن "الشد" لا يقتصر على جنوبه فقط، ولكنه في الشمال والشرق أيضا، من خلال الحوثيين الذي يصرون على قتال الحكومة اليمنية ويشكل تحصنهم بالجبال صعوبة بالغة في القضاء عليهم، مما يجعل الدول تعاني من القتال على جبهتين مختلفتين تماما، فضلا عن حقيقة التخوف من أن صعود القاعدة ونموها في اليمن قد يشكّل معضلة في مواجهة الحوثيين (الشيعة) لاحتمال حدوث مواجهات طائفية مشابهة لتلك التي تحدث العراق. وتنقل واشنطن بوست العديد من الحقائق التي تدعم المخاوف من انهيار اليمن، ومن بين تلك الحقائق التدهور الشديد الذي يعانيه الاقتصاد اليمني، فضلا عن انتشار الفقر والأمية والبطالة، وهي عوامل تعمل جميعا على تفاقم مشكلة القاعدة، فضلا عن تأصل الثقافة السلفية والوهابية المتشددة بين الكثير من اليمنيين. ويواجه انتشار القاعدة في اليمن معضلة أخرى، وهي أن الدولة لا تعمل على مواجهته من خلال الفكر، ولكن من خلال الأداة الأمنية المتمثلة في الاغتيالات والاعتقالات، مما يساعد على انتشار الفكر على نطاق واسع حتى وإن تم القضاء على بعض متبعيه. ويمكن هنا تذكر نظرية "حرب العقول والقلوب" التي وضعها مفكرون أمريكيون والتي تؤكد أنه على الرغم من أن الولاياتالمتحدة تتمكن من الانتصار على القاعدة باستمرار عسكريا، إلا أن القاعدة تتقدم باستمرار في حربها الدعائية مع الولاياتالمتحدة للحصول على عقول وقلوب المسلمين وذلك ليس نتيجة لتفوق القاعدة ولكن لأسلوب الولاياتالمتحدة في محاربتها، وهو ما يتبعه اليمن حرفيا في حربه ضد القاعدة فيخسر العقول والقلوب في مواجهة تنظيم يسهل إدانته بالحد الأدنى من العقل والكلام المنطقي. والمخيف في موضوع المظاهرة التي شارك فيها أعضاء القاعدة علنا أن هذا يعني في فقه الجهاديين الانتقال من مرحلة الاستضعاف إلى مرحلة الاستقواء والظهور، بما يعني أن الأيام المقبلة قد تحمل خطرا حقيقيا باليمن وربما بالمنطقة العربية كلها.