وتستمر الصحف الإسرائيلية في رصد ومتابعة وتحليل ما يجري على الساحة العربية من أحداث، خاصةً ما اندلع من ثورات في بعض الدول العربية التي وصفها الغرب ب"الربيع العربي"، وما ترتب على تلك الثورات من تغير السياسات الخارجية لتلك الدول، والتي من بينها ملف العلاقات مع إسرائيل.. ويختلف تناول المحللين الإسرائيليين للقضايا العربية، باختلاف توجّهاتهم فمنهم من يحاول أن يبدو أنه يحلل بموضوعية، ومنهم من يحاول أن يدقّ ناقوس خطر بصورة غير مباشرة، كالمحلل السياسي إيلي أفيدار -المولود في محافظة الإسكندرية بمصر وأحد ضباط الموساد السابقين- والذي أوضح في آخر ما كتب من مقالات الدور البارز الذي تلعبه قطر في ملف الأزمة السورية، وصعود نجمها في سماء الدبلوماسية العربية، بما يعني أنها ربما تكون يومًا بديلاً عن مصر والسعودية في زعامتهما للدول العربية.. يقول إيلي أفيدار -في مقاله بصحيفة معاريف العبرية- أن الزعيمتين القديمتين للعالم العربي مشغولتان حاليًا بشئونهما الداخلية، فمصر تعاني من فوضى تامة، والنظام السعودي يركز جهوده على وقف المد الشيعي-الإيراني ضده، لذلك قام لاعبون جدد باستغلال الفراغ الناشب كان على رأسهم قطر، تلك الدولة النفطية التي لا يتعدى تعدادها ربع مليون نسمة. ويشير الكاتب الإسرائيلي إلى أن قطر قادت مع السعودية الخط المتشدد ضد دمشق، وبعد توقف الجهود الدبلوماسية لم تيأس من حشد الغرب لإسقاط نظام بشار الأسد. ويضيف أن قطر ليس لديها جيش يثير تهديدات، وتعتمد في الأساس على المساندة الغربية والتحالفات الإقليمية، لكنها في الوقت نفسه تمتلك سلاحًا واحدًا ولكنه بالغ القوة، ألا وهو قناة الجزيرة الفضائية، التي تمثل تهديدًا على الأنظمة العربية، وهي القناة القادرة على إسقاط الديكتاتوريين، بينما أصبح رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري حمد بن جاسم (مالك قناة الجزيرة) الرجل المحوري في الوطن العربي حاليًا، فهو من يقف خلف جميع المبادرات بعيدة المدى التي تطرحها الجامعة العربية، ابتداء من ليبيا وانتهاء بسوريا. يجب على إسرائيل إقامة علاقات صحيحة مع القيادات المعتدلة في الخليج العربي يرى إيلي أفيدار أن القطريين معنيون بإسقاط الأسد؛ لأن هناك حسابا قديما يجب إغلاقه معه يعود لعام 1996، وذلك عندما ساعدت عناصر استخباراتية سورية في محاولة الانقلاب الفاشلة ضد الأمير القطري، والآن حان الوقت للثأر. ويضيف أن الأنشطة القطرية لا تقتصر على الساحة السورية فقط، بل تمتد إلى القضية الفلسطينية أيضا، فولي عهد قطر هو من رافق خالد مشعل للالتقاء مع العاهل الأردني لرأب الصدع بينهما، وأمير قطر حمد بن خليفة الثاني كان هو من استضاف قمة المصالحة التاريخية بين أبو مازن وخالد مشعل، حتى إن الدور التاريخي الذي كانت تلعبه مصر في الوساطة بين الفصائل الفلسطينية انتقل ليد تلك الدولة الخليجية الصغيرة. وهنا يؤكد المحلل الإسرائيلي أن جميع تلك الأخبار تُعدّ ممتازة بالنسبة لإسرائيل؛ وذلك لأن الضعف الذي يعاني منه العالم العربي حالياً يدفع دولة مثل قطر إلى صدارة المشهد، وهي دولة ليس من طموحها أن تصبح دولة عظمى، وليس لديها صراع مباشر مع إسرائيل، وقوتها الفعلية محدودة، كما أنه كان بها بعثة دبلوماسية إسرائيلية رسمية قبل شنّ العدوان على غزة المعروف بعملية الرصاص المسكوب. ويشير إيلي أفيدار إلى أن الهدف المُعلن حالياً لجهود جامعة الدول العربية -التي تقودها قطر- هو إسقاط نظام بشار الأسد ووقف المد الإيراني، ويؤكد أن هذه الأهداف السياسية هي نفسها الأهداف السياسية الإسرائيلية، ويضيف أنه قد لا يكون الزعماء العرب الحاليون يعلمون بهذا الأمر صراحة، لكن الحقيقة تقول إن اسرائيل والعرب أصبح عدوهما مشتركا: سوريا وإيران وحزب الله. لذلك كله يقول المحلل السياسي الإسرائيلي إنه بعد أن أزيحت القضية الفلسطينية من جدول أولويات العالم العربي، وتم بسط خريطة المصالح الحقيقية على الأرض، أصبح في مقدور إسرائيل فتح حوار مباشر مع دول الخليج العربي، ويضيف أن إدارة هذا الحوار بحكمة وبحذر وإقامة علاقات صحيحة مع القيادات المعتدلة في تلك الدول، سيمكّن تل أبيب من أن تغير من الأساس موازين التحالفات والتهديدات الخاصة بإسرائيل خلال العقود القريبة القادمة.