كان بإمكاني أن أكتب عن فيلم زياد العليمي والمشير بعد أن انتشر الفيديو الشهير، ولكنني أمسكت؛ لأنني كنت أعلم تماما أن زياد سيعتذر، وسيتدارك خطأه، ولن يقاوح بالباطل، ويعرف قبل غيره أنه من الممكن أن نلتفّ على الحقائق لكننا في النهاية لا يمكن أن ننكرها، وأن زياد من الشجاعة بحيث يمكنه أن يعتذر، فالاعتذار شجاعة وزياد شاب مصري حقيقي شجاع في كل مواقفه.. ولكن الموقف له أصداء، بل ارتجاجات عنيفة، هزّتني وأحببت أن نتشاركها سويا: أولا: أن زياد في موقفه الأول لم يدرك بعدُ أنه انتقل من كونه ثائرا غاضبا بالميدان إلى كونه ممثلا للشعب، وعضوا في هيئة سياسية يُنسب ما يقوله لها، ويسيء لها مثلما يسيء لنفسه تماما إذا أخطأ.. زياد العليمي عضو بارز بمجلس الشعب، ووجه برلماني مشرق أتمنى أن أرى منه الكثير، ولكن اندفاعه يحتاج إلى ترشيد، بمعنى أن ترك اللسان ليتحرك بهذه الحرية لم يعد وقته، ومن الممكن أن تحسب أي كلمة غير منضبطة غلطة كان في غنى عنها.. ثانيا: كل من دافع عن خطأ زياد العليمي وأكد مرارا وتكرارا أنه لم يخطئ لم أستطع أن أتفهم موقفه، هل هو عن قناعة فعلية أم جدال بالباطل؟ بمعنى هل يختلف اثنان على أن الكلمة الواردة في فيديو زياد هي سُبّة واضحة لا تحتمل اللبس؟ فلماذا نناكف إذن؟ قال لي صديق إن الأمر كله استعارة مكنية، ومجاز مرسل، وأدخلني في حصة بلاغة لا يحتملها الموقف، فبغضّ النظر عن أن هذا التأويل فيه تحايل على الحقيقة، وأن زياد قالها كردّ على سؤال من شاب في انعزال عن المثل الشعبي المذكور بما يؤكد تعمّدها، وحتى بعد تصفيق الجمهور له كان أمامه أن يتدارك اللفظ وهو ما لم يفعله.. رغم كل ذلك خليتني معاه للآخر وقلت له حتى المجاز والكناية بعد خروجها يصبح تقديرها حقا للمذكور في حقه الكلام، فإما أن يفهمها على أنها مجاز أو على أنها حقيقة، وليس أمام صاحبنا إلا الاعتذار إذا طلبه المخطَأ في حقه.. ثالثا: أذكر أن آخر مرة سمعت فيها كلمة "اشمعنى" في حوار جاد كانت في مرحلة الطفولة، فالبعض يلتمس لزياد العذر بمقارنته بما قاله مصطفى بكري في حق البرادعي، بما استفزّ الطرف الآخر ليجري مطولات حول التفريق بين سبّ الشخص بلفظ واضح وبين اتهامه بالعمالة، وكيف أن هذه نقرة وهذه نقرة أخرى، في حين أن الأمر أبسط من ذلك، العليمي أخطأ وواجب أن يعتذر وبكري أجرم وواجب أن يُحاسب، وتقييمي للفظ العليمي لا علاقة له بتفوّهات مصطفى بكري، الأمر شبيه بأن ألوم إنسانا بصق في المترو فيبرر موقفه بأن غيره كان بيرجّع من شوية!! رابعا: وهي نقطة ذات صلة بما سبق، ومفادها أني حين أتهم زياد العليمي بأنه أخطأ فمعنى هذا أنني أهتف "بالروح بالدم نفديك يا مشير"، وكأنه لا يوجد حياد على الإطلاق.. أنت إما مع أو ضد.. سياسة بوش القديمة، وليس معنى أني أرى أن فلانا أخطأ أني أنصر من أخطأ في حقه عليه، بل الأولى أن أخطّئ من هو أقرب إليّ حتى أحافظ على نقاء من أحب.. خامسا: الغلاسة والغتاتة والافترا الذي أبداه بعض النواب بعد قيام العليمي بالاعتذار عما فُهِم خطأ من كلامه، ورفضهم لاعتذاره في خطوة انتقامية سخيفة لا مبرر لها إلا التحيّز البغيض ضد نائب كان موقفه يستحق التشجيع والاحتواء والمؤازرة بحسب الخلق الإسلامي الذي تربيت عليه، لا الشماتة والغلظة ومزيد من إظهار الكره الأعمى.. سادسا: وهي أهم كل هذه النقاط، وهي همسة في أذن زياد وغيره من شباب الثورة البواسل.. دعكم من التسخين، فالبعض يدغدغ مشاعره الهتاف ضد هذا وذاك، والبعض خاصة من الشباب المتهور يتمنى لحظات الصدام، ويشعشع ويلعلع عند الخروج على النص، وهذا لا يستحب إرضاؤه على حساب مصلحة الوطن... لاحظ أن من صفق على سبة زياد في حق المشير أكثر بكثير ممن فهم كلامه العقلاني، بما يؤكد أن الكلام عاطفي والاتهام عاطفي والقضية عاطفية بالأساس، ولا أرى وطنا أقيم على العواطف.. الثورة بحاجة إلى رجال يقدّرون ظروف البلاد، ويقفون بقوة في وجه المخطئ، ويتنازلون ولو قليلا عن حصتهم من الشهرة والظهور والعزف على أوتار المشاعر كما يفعل بعض أدعياء الثورية وأصحاب الخطاب التهييجي.. الأوطان تبنيها العقول التي تقدّر المسئولية، وتقدّر خطورة اللحظة ودقّتها لا هواة الزيطة والتصفيق.. ولا أجد أفضل ما أختم به أن أعبر عما في مكنون صدري: بحبك يا... زياد! إضغط لمشاهدة الفيديو: