كانت المنافسة حامية بيني وبين زميلتي وأختي دعاء حسين الشبيني فيمن ينشر خبر التنحي أولا.. الخبر تاريخي وسيُكتب لمن ينشره باسمه في سجلات تاريخ نفسه.. كان اجتهادنا حقيقيا في هذه الفترة، يكفيك أن تعلم أنني كنت أقفز من فوق الأسلاك الشائكة، وأنحني تحت الدبابات، وأخترق حظر التجول كل يوم عدة مرات لمتابعة الجديد ونشره أولا بأول.. يكفيك أن تعلم أنني كنت أتشاجر يوميا مع ركاب جالسين بجوار الشباك في الميني باص المزدحم، يتهمون الثوار بالرعونة والتهور حتى خربوا البلد، كانت الثورة في أيامها الأولى تحقق نجاحات سريعة متتالية استجلبت حقد البعض، وكان الانفلات الأمني جديدا على المصريين بما استجلب غضب الكثيرين من الثورة.. وكنت أتحمل كل هذا في عملي الميداني خارج الميدان الطاهر الذي لا يختلف فيه اثنان على أن ما يحدث ثورة طاهرة تستهدف تطهير البلد من الأنجاس.. ولأني ودعاء كنا نبذل مجهودا صادقا، ولأن ربنا بيجازي كل واحد على قد نيته، فقد رضانا إحنا الاتنين، وعشّانا بلقمة طرية، أنا يوم 10 فبراير وهي يوم 11 فبراير.. وإن كانت هي مع الأسف أخذت كل الضجيج الإعلامي؛ لأنها مرزقة من يومها على اعتبار إن البنات رزقهم واسع.. دخلت بيتي يوم 10 فبراير بعد العصر بقليل، كانت قناة الجزيرة تنوّه إلى أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يعقد اجتماعا الآن.. ثم كلام حسام بدراوي عن أن الرئيس (المخلوع حاليا) سيستجيب لمطالب المتظاهرين الليلة.. وكالات الأنباء العالمية تنقل عن بدراوي قوله إنه سيفاجأ لو سمع شيئا أقل من التنحي.. تحفّزت.. يبدو أنني أنا المنتصر.. دعاء بالتأكيد ما زالت في الطريق، إنها تسكن في قلب الحدث وهذا يعطيني وضعا أفضل.. قناة العربية تقول إن الجيش أبلغ المتظاهرين بأنهم سيسمعون أخبارا سارة الليلة.. لا أخبار سارة إلا رحيل الطاغية.. إنه بذكائه المعتاد ظل يرفع سقف طموحات الشعب حتى أصبح حبل المشنقة مطلبا طبيعيا بالنسبة لهم.. أخبار سارة الليلة.. أدعو الله أن تكون حالا قبل أن تصل دعاء لبيتها حتى لا تسطو على اللحظة التاريخية.. أدعو الله أن يتعطل المترو.. يتوقف ميدان رمسيس، لا يصل بي الشر لأدعو على فرامل الباص الذي تركبه دعاء! أحلى "قد" تسمعها في أحلى لحظة.. ينطقها شفيق.. الرئيس "قد" يتنحى.. ما بين "قد" و"سوف" إلا قليل من عزيمة المصريين وهي موفورة في الوقت الحالي.. الملايين يملئون الميادين ومطلبهم واحد: "ارحل ارحل".. وأخيرا تأتي اللحظة التاريخية بكل ما تحمل من معانٍ.. البيان رقم واحد للمجلس الأعلى للقوات المسلحة.. البيان رقم واحد.. الصور يبثها التليفزيون المصري.. المجلس ينعقد دون مبارك ولأول مرة.. يا لها من لحظة.. لقد عزل المجلس رئيسه، وتخلى عنه في أدق لحظة في تاريخ البلاد.. البيان رائع.. دمعت عيني كما دمعت عيون الملايين.. فوّهات الدبابات أصبحت حضنا كبيرا للآلاف، كما أصبح الجنود بخوذاتهم ملاذا لتسلية الأطفال والتقاط صورة تاريخية.. البيان يقول إن المجلس سيبقى في حالة انعقاد دائم؛ لاتخاذ ما يلزم لحماية مكتسبات الوطن وطموحات الشعب.. طموحات الشعب هي تنحي الرئيس، والجيش ملتزم في غير وجود الرئيس بطموحات الشعب.. إذن هو الخلع.. الخلع أخيرا.. وفي ثمانية عشر يوما.. كتبت الخبر بسرعة البرق ونشرته.. "القوات المسلحة تعلن مسئوليتها عن حماية الشعب.. وأنباء عن تنحي مبارك الليلة".. لم يعد إلا رتوش بسيطة توضع لخروج غير مخزٍ أسميتها تحريا للدقة "أنباء عن".. رئيس الأركان الأمريكي يتحدث عن التنحي كخيار وحيد مؤكد.. وكالات أنباء لم تعتد التخبط أو استباق الأحداث.. انتهى الدرس يا مبارك.. والجيم أوفر.. وداعا قائد الضربة الجوية ورجل الإنجازات.. لكن مبارك كعادته أبى إلا أن يحرق دمي، ويعكنن على المصريين في يوم عيدهم.. يأبى خلقه السيئ إلا أن يظهر، حين يخرج بخطاب سخيف بعد منتصف الليل -لم نكن ننام في هذه الأيام- ليقول إنه باق ولو بشكل شرفي.. أواه.. يأبى الغباء إلا أن يكتب كلمة النهاية.. كنت واثقا من أنه لم يعد أمامنا أكثر من يوم أو يومين على أقصى تقدير.. لقد انطلقت الجماهير نحو القصر بعد الخطاب مباشرة.. ليشدّوه من قفاه من قلب قصره.. مجرد يوم أو ربما ساعات لكنها ساعات كفيلة بأن تجعل دعاء تنتصر عليّ، وتعلن هي خبر التنحي وهو ما كان.. اقرأ هنا خبر أنباء التنحي الذي سجّلته يومها واقرأ هنا خبر التنحي الذي سجلته المحظوظة دعاء ولو كانت لديك طاقة لتستمع إلى شوية رغي في خطاب مبارك الأخير اضغط هنا وأنت حر! إضغط لمشاهدة الفيديو: