نجح ممثلو شباب الثورة في فرض شروطهم علي الاجتماع الذي استدعاهم له مدير أمن الدولة اللواء حسن عبد الرحمن مع الفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء, فتم الاجتماع بدون حضور المصورين والإعلاميين ودون صدور أي بيان. والواقع أنه رغم استمراره نحو ساعتين إلا أنه لم يكن فيه ما يستدعي صدور أي بيان. ذلك أن حضور اللواء محمود وجدي وزير الداخلية في ذلك الوقت ومعه مدير أمن الدولة,حول الاجتماع إلي شبه محاكمة لهم عن أعمال العنف التي تعرض لها الشباب في ميدان التحرير. وكان الملاحظ أن كل شاب راح يحكي أكثر عما جري لزميله الموجود في الإجتماع ويبكي تأثرا من الحكاية التي يرويها. بكي وائل غنيم وهو يحكي عن زميله طبيب الأسنان مصطفي النجار الذي عرف أنه منسق حركة ترشيح الدكتور البرادعي, وعن الضرب الذي تعرض له مصطفي وأصاب أحد ضلوعه ونجاته من الموت. كان ذلك يوم موقعة الجمل( الأربعاء2 فبراير) وكان النجار يقف في الميدان عندما شاهد زميلا يقف إلي جواره يسقط برصاصة قناص كان يستخدم بندقية ليزر المعروفة بدقتها في إصابة الهدف في الوقت الذي بدأ فيه هجوم الخيالة والجمال. كان مصطفي النجار وهو أحد الذين لهم جاذبية خاصة وأتوقع له مستقبلا سياسيا( مواليد سنة80 متزوج ووالد لطفلتين سن ثلاث وخمس سنوات) من النشطاء خلال سنوات دراسته في طب الأسنان. وقد استهوته دراسة الإعلام بعد تخرجه وتوسع في دراسة الحركات الإحتجاجية في العالم مما جعله يؤسس حركة شبابية أطلق عليها شعارنقدر وهو نفس الشعار الذي رفعه باراك أوباما في أمريكا خلال حملة ترشيحه رئيسا عام2008, إلا أن مصطفي اكد لي أنه سبق أوباما في هذا الشعار. وقد ذكر مصطفي في إجتماع رئيس الوزراء إن يوم2 فبراير الذي إشتهر بيوم معركة الجمال كان الأخطر فيه دور القناصة الذين إعتلوا المباني والذين إستشهد بسببهم عدد كبير من الشباب لدرجة أنهم أصبحوا واثقين أن دخول الجمال والجياد إلي الساحة كان لإلهاء الذين فيها عما يقوم به القناصة. وقد نفي وزير الداخلية وجود أيه قوات تابعة له في ذلك اليوم وإتهم حركة حماس بأنها التي وجهتهم, بل ذهب إلي قوله إن أحد هؤلاء القناصة كان يرفع إلي جواره علم حماس! وثار عمرو سلامة المخرج الشاب وقال إنها أول مرة يسمع فيها عن قناص متخفي يعلن عن نفسه وجنسيته بعلم يرفعه إلي جواره, وإن هذا كلام معناه أن جهة أجنبية إخترقت البلد وأطلقت النار علي شبابها وهي مسئولية أكبر علي الأمن! تجربة عمرو سلامة إن عمرو سلامة تعرض لواقعة ضرب عصر الثلاثاء25 يناير أول أيام الأحداث عندما كان في شارع قصر العيني وأراد الوصول إلي ميدان التحرير وشاهد في الشارع الخالي علي البعد أشخاصا قادمين في ملابس سوداء اعتقد انهم من زملاء الثورة فجري إليهم ليكتشف أنهم جنود الأمن المركزي وقد أحاطت به مجموعة شاهد علي يديها ألوانا من الضرب الذي لم يترك جزءا واحدا في جسمه لم يطله. وقد سجل عمرو تفاصيل ما حدث له في مدونته بعد36 ساعة من تجربته وتحديدا في الخامسة فجر الخميس27 يناير تحت عنوان أنا اتضربت ليه وبعد ذلك نشرها يوم4 فبراير في الموقع الإلكتروني لصحيفة الدستور أو الدستور الأصلي كما يصفها رئيس تحريرها الأستاذ ابراهيم عيسي. يحكي عمرو في الجزء الأول تفاصيل واقعة الضرب التي تعرض لها, ولكن الأهم في رأيي الجزء الثاني الذي يصف فيه مشاعره بعد أن ترك شارع قصر العيني ووصل إلي أحد أصحابه الذي إستضافه في مكان عمله وهناك وجد عمرو نفسه يبكي بصورة لا يتذكر أنه بكي مثلها. إن ما كتبه يستحق معرفته لأنه يلقي الضوء علي مشاعر أحد شباب التحرير. يقول عمرو في مدونته: لم أبك من الألم أو من الإهانة أو من الرعب, وإنما لأني لقيت نفسي بدأت أكره بلدي مصر, وحسيت إن ظباطها اللي حامينها كرهوني فيها, وحكومتها اللي ظالمانا كرهتني فيها, وشعبها السلبي كان سلبي ماكنش معانا وكرهني فيها, والفساد والقمع وإلخ إلخ, إزاي ممكن أجيب ابن أخلفه في هذا البلد, إزاي أقنعه يحبها ويحارب علشانها وينتمي إليها؟ وقلت ليه ماسبهاش لو جات الفرصة؟ بس بعد دقايق, رجع صوت العقل..هو مش أكيد صوت العقل بس هو صوت طول عمره موديني في داهية.. فكرت نفسي بمعتقداتي التي جعلتني أكتب هذه السطور افتكرت ان انتمائي لمصر مش مفيد لمصر.. مفيد ليا إني أعرف أنا منين والمكان اللي بيتي فيه وسريري فيه, إفتكرت إني لازم أبقي إيجابي تجاه أي مكان إخترت أنتمي له, وأتفاءل مهما كان, إن المكان ده حيكون أحسن بسببي وبسبب الذين حولي. وإكتشفت إن أهم حاجة في الدنيا إني عارف الكلام ده..عارف أنا ليه اتضربت, وليه نزلت. أنا نزلت وإتضربت عشان عايز مصر أحسن... عايز الفقير لو فضل فقير يكون له الحد الأدني من الكرامة والإحتياجات الانسانية عايز إبني لما أخلفه في يوم من الأيام يتعلم صح ويتعالج صح ويبقي عنده أي أمل وطموح مهما كان, حتي لو عايز يبقي رئيس جمهورية عرفت لما إتضربت إني خايف أقل أنا لا أدعي البطولة بأي شكل, ففيه ناس إتضربوا أكثر مني بكتير, وناس إعتقلت, وناس ماتت شهداء, بس الناس دي كلها لو إتكلمت معاهم, أغلبهم فخورين بنفسهم, خوفهم بقي أقل, تحديهم بقي أقوي, حاسين إنهم علي حق, الناس ديه معظمها طلعت من معتقلاتها أقوي, حاسين إن الفرج جاي مهما اتاخر, وعارفين إنه مهما ضاقت وإستحكمت حلقاتها مسيرها تفرج, أهم اكتشاف اكتشفته إن هناك أمثالا ليست مجرد كلام, وإنما معناها حقيقي, زي المثل اللي بيقول: الضربة اللي ماتومتنيش هتقويني هذا ما كتبه عمرو سلامة فجر يوم27 يناير2011 وينتهي دور بدراوي في الفترة التي كان الشباب مجتمعا فيها مع رئيس الوزراء( من الثانية إلي الرابعة عصرا) كان د. حسام بدراوي وكان حتي هذه اللحظة يشغل منصب الأمين العام للحزب الوطني ويمارس دوره السياسي من خلال هذا المنصب يحلم بلقاء الرئيس حسني مبارك بالشباب. وقد حاول الإتصال أكثر من مرة بالقصر الجمهوري ولكن علي عكس ما كان يحدث في المرات السابقة كانت أبواب الإتصال هذه المرة مغلقة أمامه. وللمرة الأخيرة أنقل من أوراق بدراوي: فشلت اتصالاتي بالرئيس والأحداث تدخل يومها السابع عشر والتصعيد في ميدان التحرير مستمر لوصول المظاهرات غدا الجمعة إلي القصر الجمهوري وهو إذا حدث سيؤدي إلي نتائج كارثية. حاولت الإتصال بنائب الرئيس فأبلغوني أنه مجتمع مع المشير. كنت قد ألغيت مواعيدي في هذا اليوم لأكون جاهزا للقاء الرئيس بالشباب في أي وقت, وهو ما أصبحت أشعر أنه لقاء لن يتم وأنني يجري استخدامي حسب مزاج النظام, فقررت أن أقلب عليهم الترابيزة. انتهزت فرصة موعد مع مراسلة البي بي سي كنت ألغيته ضمن المواعيد الملغاة, ولكن المراسلة بغريزتها الصحفية قررت إنتظاري.وعندما سألتني عن توقعاتي قلت لها إن الرئيس سيتكلم إلي الشعب اليوم وسيعلن في خطابه التعديلات الدستورية المطلوبة وتنازله عن كل سلطاته بصورة مطلقة لنائب الرئيس. قالت لي مراسلة القناة( بي بي سي) ما تقوله بالغ الأهمية. قلت لها إنني أتحدث إليها بصفتي أمين الحزب الوطني وقد صارحت الرئيس برأيي مباشرة. المراسلة: يعني مبارك سيعلن في خطابه ما تقول ؟ حسام: أنا أتوقع ذلك لأني لا أعتقد أنه بعد ما سمعه مني بصفتي ممثلا لحزبه ووافقني عليه, لابد أن يعلن تنحيه. لم يكتف بدراوي بذلك بل طلب إلي شريف عامر مذيع قناةالحياة اليوم أن يجري معه تسجيلا في الخامسة مساء أنهاه بإعلانه إستقالته من أمانة الحزب الوطني. وبذلك انتهي دوره الذي استمر ستة أيام من السبت إلي الخميس. صراع اللحظات الأخيرة في القصر شهد يوم الأربعاء9 فبراير نقاشا طويلا بين الرئيس مبارك وجمال وأنس الفقي الذي أصبح مقيما في القصر الجمهوري حول الخطاب الذي كان مبارك يعده لتوجيهه إلي الشعب مساء ذلك اليوم لكن الاتفاق علي محتواه استمر إلي ما بعد منتصف الليل بسبب رفض جمال وأنس تنازل مبارك فتقرر تأجيله إلي اليوم التالي.وعندما أعلن حسام بدراوي لقناة بي بي سي أن مبارك سيستقيل, قرر أنس الفقي تحديه وأعلن في شريط الأنباء الذي يذاع مع برامج القنوات المصرية ولعدة مرات( عاجل: أنس الفقي.. مبارك لن يقدم استقالته). تخرج أنس الفقي وهو من مواليد1960 في تجارة القاهرة عام83 وعمل فور تخرجه في مجال تسويق بعض الموسوعات الأجنبية التي كان يقيم لها مكانا صغيرا لعرضها في معرض الكتاب. وقتها كان الرئيس مبارك يمر علي كل عارض ويتحدث إليه, فكان أنس يقدم بضاعته للرئيس بطريقة جذابة وذكية. كان يشرح للرئيس بالعربية أما عندما تزور السيدة سوزان المعرض فكان يتعمد أن يعرض معظم شرحه باللغة الإنجليزية التي يجيدها, مما لفت إهتمام السيدة سوزان وأيضا فاروق حسني وزير الثقافة, ونتيجة لذلك اختاره فاروق حسني في عام2002 رئيسا لقصور الثقافة وقال له جملة لم ينسها فاروق ولا أنس وهي قوله للفقي إن الثقافة الجماهيرية هي الحزب الحقيقي للدولة إن أنس الفقي إستطاع بالفعل عن طريق الثقافة الجماهيرية أن يدخل في زوارق الحزب وجمال مبارك, إلي جانب جمعية الرعاية المتكاملة التي كانت ترأسها السيدة سوزان مبارك. وبسرعة علا نجم الفقي فبعد سنتين في عام2004 أصبح وزيرا للشباب, وفي العام التالي في فبراير2005 أصبح وزيرا للإعلام بعد أن رفضها فاروق حسني ورشح لها الفقي. وحسب مصدر موثوق من داخل القصر الجمهوري فقد كان مقررا إستبعاد أنس الفقي من وزارة أحمد شفيق. وعندما إستدعي الرئيس مبارك الفريق أحمد شفيق يوم29 يناير لتكليفه بتشكيل الوزراء كان قد أعد كشفا بأسماء وزراء أحمد نظيف أعطاه للفريق شفيق بعد أن وضع علامة صح أمام ثلاثة وزراء بمعني إبقاء شفيق عليهم. ولم يكن اسم أنس الفقي من بين هذه الأسماء بل من المستبعدين, ولكن مبارك عاد وطلب من شفيق في اليوم التالي أن يضع أنس في أي وزارة حتي لو كانت وزارة الشباب(!) التي كان الفقي وزيرها قبل الإعلام. لكن جمال تدخل وراح يضغط علي أبيه حتي نجح في وضعه في التشكيل يوم31 يناير وزيرا للإعلام. هكذا فإن حلف جمال والفقي ومعهما زكريا عزمي وإن بدا حتي آخر لحظة أنه كان يدافع عن بقاء مبارك إلا أنهم في الواقع كانوا يدافعون عن بقائهم هم.. إلي أن حسمت القوات المسلحة الموقف. وأسبوع ونواصل. المزيد من أعمدة صلاح منتصر